الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وثيقة حماس... تحوُّل أم تكيف وانسجام؟؟ بقلم: تيسير الزّبري

صريح العبارة

2017-05-08 10:35:51 PM
وثيقة حماس... تحوُّل أم تكيف وانسجام؟؟ بقلم: تيسير الزّبري

بعد طول ترقب وانتظار من قبل الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية، وربما من أوساط أبعد، أصدرت حركة حماس وثيقة "المبادئ والسياسات العامة" في الأول من شهر أيار الجاري (وقبل إرسال هذا المقال إلى المطبعة جرى انتخاب اسماعيل هنيه رئيساً للمكتب السياسي خليفة للسيد خالد مشعل الذي انتهت ولايته).لقد تضمنت الوثيقة في بنودها الـ 42 مبادءها وسياساتها للمرحلة القادمة ولم تتخلَّعن اعتبارها حركة تحرر ومقاومة وطنية إسلامية، ومرجعياتها الدين الإسلامي...الخ.المراجعة السياسية وتعديل البرامج على أساس المتغيرات أمور معروفة في الحركات السياسية والأحزاب التي تتعامل مع الواقع ومتغيراته، ولا يجب أن تكون المراجعة مأخذاً على الحزب السياسي وتحديداً الأحزاب البراغماتية، كما هو الحال مع حركة "حماس".

 

أغلب من تناولوا الوثيقة بالنقد توقفوا أمام البند الـ 20 من الوثيقة والذي- بعد أن أكد عن عدم التنازل عن أي جزء من الأرض التاريخية لفلسطين كاملة ورفض الاعتراف بإسرائيل- اعتبر أن إقامة دولة فلسطين مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران للعام 1967...صيغة توافقية وطنية مشتركة "، ويظهر النص وبطريقة لا تخفى على العاملين بالعمل السياسي وكأنه مراعاة للمزاج السياسي العام أكثر من كونها نابعة من قناعة حمساوية خالصة، أو أنها لمراعاة المتغيرات الإقليمية والدولية أو مراعاة لأوضاع داخلية في صفوفهم؟

 

الموقف من بند "التوافق الوطني" تمت مواجهته بحملة نقد واسعة من تيارات قومية رفضوية كانت تجد في الموقف "الحمساوي" السابق للوثيقة ملاذاًلسياساتها وأفكارها السابقة، وموقفهم هذا يتعارض مع موقف الإجماع الوطني ومع إعلان الاستقلال للعام1988الصادر عن هيئات منظمة التحرير الفلسطينية وذلك قبل اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والاقتصادية المعروفة والتي كانت وما تزال موضع خلاف فلسطيني داخلي.

 

مصدر الخطأ في مهاجمة المهاجمين لوثيقة "حماس" إنما ينبع من موقف مقصوديحاول الربط ما بين المراحل التي سبقت اتفاق أوسلو (برامج الإجماع الوطني للفصائل المنضوية في إطار م.ت.ف) وما بين التراجع الفعلي عن برنامج الإجماع الوطني والدخول في متاهات التسوية الراهنة، وهذا التيار يحاول القول إن وثيقة حماس سوف تصل إلى النهايات التي انتهى إليها برنامج منظمة التحرير الراهن، ومن يدري؟

 

الخلط المتعمد للسياق التاريخي لبرنامج منظمة التحرير مع السياق التاريخي لبرنامج "حماس" إنما ينطوي على خلط لوقائع تاريخية متباينة، فلقد طرحت البرامج السياسية لمنظمة التحرير ما بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتي كانت قد فتحت الباب أمام تسوية للمسألة الفلسطينية في ظل غياب للمنظمة التي خاضت صراعاً طويلاً منأجل الإقرار العربي ومن ثم الدولي باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولم تمر تلك الإنجازات بسهولة-حتى على الصعيد الداخلي الفلسطيني– لقد طرحت المنظمة آنذاك برنامج حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، وجرى تكريس هذا البرنامج في إعلان الاستقلال عام 1988 في الجزائر. لم تتم الإنجازات السياسية والبرامجية تلك بسهوله، ولم تأت في ظل تراجع (كما هو الحال الآن)،بل جرت في ظل أجواء داخلية فكرية غنية ومناخات سياسية مواتية.

 

المقاربات المتبعة لدى البعض بين ما كان من أجواء نهوض وطني وبين التراجعات السياسية اللاحقة، وامتداد هذه المقاربات مع الأجواء التي صدرت بها وثيقة حماس هي محاولات لليّ عنق الحقيقة التاريخية لصالح اسقاطات ذاتية، خاصة وأن ما تبع من تصريحات لبعض قيادات حماس بعد إعلان الوثيقة من أنها تنسجم مع المتغيرات الأقليمية والدولية،وهي متغيرات ليست في صالح تسوية سياسية متوازنة ومقبولة.

 

من حق حماس أن تقدم مشروعها للحل الفلسطيني، بما في ذلك حل الصراع مع الاحتلال الصهيوني  وأن تؤكد على التعددية وعلى الخيار الديمقراطي وعلى الشراكة الوطنية وعلى اعتماد الحوار، ولكن هذا يرتب عليها واجب العمل في إطار الإجماع الوطني وموقعه في منظمة التحرير الفلسطينية، كما من واجب حماس أن تقوم بما عليها من واجب وطني بإنهاء الانقسام وهنا تكمن حقيقة الالتزام بالديمقراطية وبالشراكة الوطنية.