في الصراع المديد والمفتوح بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، يبدو ميزان القوى المادي مختلا بشكل فادح لصالح دولة الاحتلال، فهي أقوى عسكريا واقتصاديا، وتسيطر على مجمل حياتنا وتفاصيلها بدءا من المعابر والحدود والأجواء والموارد الطبيعية، مرورا بالماء والكهرباء والطرق وسجلّ السكان، وصولا لتحكمها بسعر رغيف الخبز في أسواقنا فضلا عن توفّر هذا الرغيف. كما أن لدى إسرائيل نظاما سياسيا يضمن لها وحدة أجهزة الدولة، ووحدة أدائها على الرغم من كل التباينات والخلافات السياسية بين تياراتها وأحزابها، وفوق كل ذلك لديها استراتيجية موحدة بشأن التعامل مع شعبنا ومع العالم بأسره.
في المقابل يعاني شعبنا من النتائج الكارثية للاحتلال والانقسام، ومؤسساتنا السياسية مطعون في شرعيتها، ونظامنا السياسي مأزوم ويوشك أن يدخل طور الاحتضار إذا لم نتداركه بعملية إصلاح جذرية وشاملة.وتنفتح ساحاتنا الداخلية لكل من يريد اللعب على تناقضاتنا خدمة لأغراضه وأهوائه، ويتفشى الفساد وما يرافقه من ظواهر المحسوبية بينما تتراجع قيم النزاهة والشفافية إلى درجة تضعنا في نفس مستوى التصنيف الذي يجمعنا مع أشقائنا في اليمن والصومال وأفغانستان، كما نفتقد لأية رؤية أو استراتيجية موحدة، إذ لكل فصيل وجماعة، وأحيانا لكل فرد رؤيته واستراتيجيته.
هذه الصورة السوداوية لا تخفى على أحد، وقد تدفع البعض إلى التعامل مع مكوناتها كعوامل ثابتة ونهائية لا يمكن تغييرها أو التأثير فيها، فيجد أن التسليم بها والبناء عليها هو الخيار الوحيد الذي نملكه ما يؤسس لمنهج أقل ما يقال فيه أنه انهزامي. بينما يستعين البعض الآخر بالإنشاء والخطابة، ثم بالأحلام مشفوعة بالدعوات لاستمطار معجزات السماء، فيلتقي عمليا وواقعيا مع البعض الأول في إطالة هذه الحالة التي نعيشها وتكريسها.
لو كانت معادلة الصراع محصورة في العوامل المادية المباشرة لكانت النتيجة محسومة سلفا، وأي محاولة لتغييرها ضرب من العبث، لكن عوامل أخرى مهمة، بعضها مرئي وملحوظ وبعضها كامن. إنها أوراق قوة، نعرفها ونغفلها، أو نقلل من شأنها، هي التي ينبغي لنا أن نعيد استخدامها وتوظيفها، أول هذه العوامل وأهمها هو وجود الشعب الفلسطيني بملايينه الاثني عشر على أرض وطنه وفي الشتات، والخيارات الكفاحية المتجددة التي يجترحها،والتضحيات الهائلة التي لو جرى استثمارها بكفاءة فستؤثر على معادلة الصراع وتوازن القوى بين الشعب الفلسطيني وحركته الوطنيةوإسرائيل، ليصبح الاحتلال مكلفا وباهظ الثمن على المحتلين.
ثاني العوامل المهمة هو مكانة القضية الفلسطينية لدى مئات ملايين البشر، واستحالة إنجاز تسوية مستقرة في المنطقة من دون موافقة الشعب الفلسطيني الذي يملك حق (الفيتو) على اي حل يراد تمريره. كما أن عدالة القضية والظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا يمنحنا قوة أخلاقية يمكنها بسهولة أن تتحول إلى قوة مادية من خلال التضامن الدولي وحملات المقاطعة وغيرها.
أوراق القوة الفلسطينية متاحة ولكنها غير مفعّلة، وتفعيلها يحتاج أولا وقبل كل شيء استعادة الوحدة وبلورة استراتيجية وطنية موحدة، ودون هذين الشرطين سنظل نراوح في مكاننا.