الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن فدوى طوقان (الحمامة المطوقة)! بقلم : محمد شريم

إشارة

2017-05-08 11:29:47 PM
عن فدوى طوقان (الحمامة المطوقة)!
بقلم : محمد شريم

ليس هنالك من هو مهتم بالحركة الشعرية الفلسطينية الحديثة، والحركة الشعرية العربية، وشعر المرأة بشكل خاص، ولم يقرأ شيئاً من قصائد الشاعرة العربية الكبيرة فدوى طوقان، أو لم يسمعبها على الأقل.

 

أما أنا، فأذكر أنني سمعت بشاعرتنا الكبيرة للمرة الأولى في سنوات المرحلة الإعدادية، حينما درسنا قصيدتها (مع لاجئة في العيد) التي كان يتضمنها المقرر الدراسي في ذلك الزمان، وكان ذلك في أواسط السبعينيات من القرن العشرين، وكم تمنينا في ذلك الحين أن نلتقيها، ولكن عادة دعوة الشعراء لزيارة المدارس لم تكن شائعة ـ وللأسف الشديد ـ آنذاك.

 

ومع هذا ، فإن الشاعرة فدوى طوقان ـ رغم مكانتها الكبيرة ـ لم يعرف عنها الحرص الشديد على المشاركة في اللقاءات والمهرجانات الثقافية ، حتى بعد انتشار هذه اللقاءات ، منذ أوائل الثمانينيات ، فمع أنني متابع ومواكب لهذه النشاطات منذ العام 1979 إلى أن اللقاءات التي حظيت فيها بلقاء الشاعرة كانت محدودة جداً ، ومنها اللقاء الشعري الذي تم بناء على دعوة موظفي (المقاصد) بالقدس وذلك في شهر تشرين الثاني 1991، حيث حضرته شاعرتنا فدوى طوقان وألقت فيه بعض قصائدها، بصوتها الهادئ ونبرتهاالمعبرة، كما ألقى صديقنا الشاعر المتوكل طه ، رئيس اتحاد الكتاب آنذاك، قصيدته (رغوة السؤال) أما أنا فقد تبعتهما وألقيت ( طبول الحرب ) ، وشارك في هذا اللقاء أيضاً ثلاثة أو أربعة من الزملاء الشعراء الآخرين .

ومنها أيضاً اللقاء الذي تم في بيت لحم ، حيث حضرت الشاعرة فدوى طوقان، بصحبة صديقنا المتوكل، الذي كانت علاقته وطيدة بها ، خاصة بعد أن أنجز دراسة عن أخيها الشاعر إبراهيم طوقان ، وكان حضورهما تلبيةلدعوة من المنتدى الثقافي الإبداعي ، حيث ألقت الشاعرة قصيدتين هما: (صلاة إلى العام الجديد) ، و(إلى السيد المسيح في عيده) ، وقد كانت شاعرتنا نجم الحفل الساطع ، بلا منازع ، ثم تتالى الشعراء وبضمنهم الشاعر الزجال سعود الأسدي من فلسطينيي الداخل ، وأذكر أنني كأمين لسر المنتدى ـ إضافة إلى كلمة ألقاها رئيس المنتدى ـألقيت قصيدة ترحيبية بالحضور بعنوان:(وتلقاكم نواظرنا بودّ)، وكان ضمن أبياتها:

فكم بذرت لنا ( فدوى ) قوافيْ = أخوها كان يحصدها حصادا

 

وعندما انتهيت من إلقائها، أرسلت إليّ ( فدوى ) من يدعوني لمحادثتها ، فذهبت إليها ، وكان المتوكل إلى جوارها ، فطلبت مني نسخة من القصيدة ، فتنحيت جانباً ، ونسختها على ورقة وقدمتها إليها.

 

وعلى الرغم من أن الشاعرة ، لعوامل عديدة ، كانت بعيدة عن مزاحمة العائمين في التيار الشعري الفلسطيني، مكتفية بيختها الفخم ضمن هذا التيار ، إلا أنها في سنواتها الأخيرة كانت ـ رحمها الله ـ أكثر قرباً من هؤلاء العائمين ، ومن خلال هذا القرب ، ومن خلال مطالعتهم لأدب الشاعرة وسيرتها ، فإنك تجد هؤلاء المثقفين وهم يحتفلون في هذه الأيام ـ وبتشجيع من وزارة الثقافة ـ بالذكرى المئوية لولادتها قد أجمعوا على أنها جمعت من الصفات ما تستحق لأجلها ما منح لها من  الأوسمة والجوائز التكريميةوالألقاب، ومنها لقبها ( شاعرة فلسطين ).

 

فقد اتصفت شاعرتنا، منذ سنواتها الأولى بالتحدي، حيث كانت رمزاً ريادياً للمرأة العربية التي تحدت جميع العوائق التي اعترضت تقدمها الثقافي والاجتماعي في الأيام التي تلت غروب شمس الدولة العثمانية، ولذلك كانت تحب أن تسمى(الحمامة المطوقة)، مستلهمة هذا اللقب من الحكاية التي تحمل هذا الاسم في كتاب (كليلة ودمنة)، وليس لكونها من عائلة طوقان، وإلا لسمت نفسها (المطوقنة)!

 

وما دامت قد قبلت التحدي، فإنها في مجتمع كهذا مضطرة إلى أن تتصف بالعصامية لتحقيق ما تصبو إليه من الأهداف، ولهذا نجدها قد اعتمدت على ذاتها في تعليم نفسها ،  بمساعدة أخيها إبراهيم بعد أن حُرمت من التعليم النظامي.

 

وعلى الرغم من هذه الحياة القاسية والتي أحبت شاعرتنا أن تسميها( رحلة جبلية رحلة صعبة ) و ( الرحلة الأصعب ) وهما جزءا سيرتها الذاتية  ، إلا أن الشاعرة قد اتصفت بالمشاعر المرهفة ، والإحساس الراقي ، كيف لا وقد أحست بمعاناة شعبها حتى جعلت من هذا الإحساس بوصلتها التي توجه نفسَها الشعري وإبداعها الثقافي ، ولربما كان هذا الإحساس هو العامل الأساس في إيجاد تلك الصداقة بين شاعرتنا وآلة العود ، حيث كانت الشاعرة تبث أحاسيسها من خلال أوتاره كلما كان ذلك متاحاً . ذات ضحى من عام 1991دعانا الشاعر المرحوم عبد القادر العزة، وكنا في مقر اتحاد الكتاب في الرام ،المتوكل وأنا واثنين من الأصدقاء ـ لا أذكرهما الآن ـ إلى منزله، في بير نبالا، فرأينا في زاوية من زوايا الغرفة عوداً مستنداً إلى الجدار ، بمهابة ووقار، وكانت فدوى في تلك الفترة تزور منزل مضيفنا باستمرار، وتلتقي هناك بعض المثقفين المقدسيين ومنهم الكاتبان الصديقان جميل السلحوت وإبراهيم جوهر، فسأل أحدنا: ما هذا؟ فأجاب رحمه الله : إنه عود فدوى طوقان، كلما زارتنا ـ ووجدت في نفسها الحنين إليه ـ تسمعنا بمهارة بعض الألحان!

 

هذا ما يمكن أن أورده من ملاحظات انطباعية عن شاعرتنا الكبيرة فدوى في الذكرى المئوية لميلادها ، أما الملاحظات الأكثر دقة، والأوصاف الأكثرعمقاً فيما يتعلق بشاعرتنا الكبيرة ، فهي أمور أتركها للباحثين والدارسين !