الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فلسطين والرواية د. رزان إبراهيم

2017-05-09 12:13:21 AM
فلسطين والرواية
د. رزان إبراهيم

استمعت إلى أحد زوار مؤتمر الرواية العربية في فلسطين من خلال برنامج تلفزيوني يردد بكل ثقة  أن ليس من شأن الرواية المشغولة بالفني والجمالي  الدفاع عن فلسطين، أو اتخاذ موقف ما مما يجري في الحياة، بل ويرى أن الروائي لو أراد أن يعبر عن موقفه من فلسطين أو غيرها، فعليه بالمقالة. دفعني هذا الحديث مباشرة باتجاه نصوص سردية عظيمة ما كان لها أن تعطي معنى لحياتنا، أو حتى مساعدتنا على الحياة لو لم تحمل موقفاً ما،

 

وظني أن خروجاً عن هذا المسار سيدخل النص الروائي في دائرة كتابة عدمية عاجزة عن الانخراط في العالم. أما أن يأتي أحدهم ويصرح عبر قناة فلسطينية تحمل هماً فلسطينياً بأن هذا ليس من مهمة الروائي، فظني أنه لم يكن موفقاً في هذا أبداً. 

دعوني أقول لكم الآتي: المرة الوحيدة التي يكتب فيها هذا الروائي عن فلسطين- حسب علمي- وأظن أني قرأت كل رواياته- كان من خلال رواية تدعى " عواطف وزوارها"، وفيها حضر ( رياض) الشخصية الفلسطينية الوحيدة التي أعرفها في رواياته ليكون لوطياً. يقول الراوي البطل:

 

" خشيت أيضا أن تصاب مريم بخيبة أمل حين تكتشف أن صديقها الفلسطيني الذي تكن له محبة خالصة ولا تكف عن امتداح أناقته وتواضعه وطيبته وثقافته... لواطي!" الرواية  ص124. وهنا أذكر ما ورد على لسان الروائي في لقائه التلفزيوني قوله إنه يكتب عن الفلسطيني مثله مثل غيره من البشر، بما أراه إجراء وقائيا احتياطياً ارتاده عن قصد درءاَ لسؤال يأتيه من حيث لا يحتسب يسأله عن شخصية الفلسطيني الشاذ في روايته. مع أني أرجح أن أحداً لن يفعل لشح القراءة والقارئين كما نعرف جميعاً.

 

هنا بالذات كان على الروائي أن يتذكر أن لفلسطين قضيتها التي يمكن طرحها بعيداً عن قرف الشذوذ الجنسي الذي أصبح موضة عصرية جمالية وفنية!! علماً أن الروائي لا يدين المثلية الجنسية. انظروا ما يقوله البطل الراوي في هذا الشأن: " أحببت ذلك التواطؤ السري الجميل بين رياض وعشيقه..." الرواية ص183. أو حين يقول: " حاولت أن أتخيل نفسي وقد صرت فجأة بقدرة قادر مثلياً مثلهما لأذوق فقط هذه السعادة التي تجلت في ابتسامتيهما" الرواية ص183. بل إن بطله ( رياض) وعشيقه ( إدريس) لم يقترفا إثماً، إذ " ليس في علاقتهما الجنسية التي لا يحرصان على إعلانها في كل مناسبة أو التباهي بها،

 

كما يفعل الكثيرون من المثليين الفرنسيين ما يعيب في النهاية" الرواية ص 124. سيقول بعضهم إن الشخصية لا تعكس رأي الروائي، ولكن صدقوني إن للرواية مسارات تعكس رؤية الكاتب ومنظوره مهما ادعى أنه يحافظ على مساحة تفصله عن شخصياته، ويقيني أن جانباً جمالياً هو الأساس في العمل الإبداعي لا يعني أن المستوى الوظيفي والفكري لا وجود له، حتى وإن ادعى الروائي ذلك. وإلا فما جدوى الحديث عن نصوص سردية بمواقف إنسانية تنتصر للمظلوم وتدافع عنه؟

 

لو تغاضيت عن هذه السقطة، فإني لن ولن أتغاضى عما هو أفظع منها، وهو انسحاب هذا الفلسطيني اللوطي( رياض) من مظاهرة نظمتها أحزاب يسارية فرنسية تضامناً مع فلسطين ودعماً لنضالهم، والسبب هو أن " العديد من المتظاهرين العرب القادمين من الضواحي الفقيرة كانوا من المتدينين المتطرفين، وأنهم كانوا يرفعون شعارات تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتتوعد اليهود بمصير شبيه بما حدث ليهود خيبر" ..." لذلك نجح صاحب رياض ( عشيقه) في إقناعه" بأنه من الخطأ المشاركة في مظاهرة سرقها الأصوليون...". الرواية ص163 .

 

هنا أقول: إن كانت الأحزاب اليسارية الفرنسية قد بلعت ما يتوعد به المتطرفون، فلا أدري أية قيمة وظيفية أو فنية لهذا الكلام الذي يلقي حكماً شنيعاً عاماً ينسب فيه صفة التطرف لعرب قادمين من الضواحي الفقيرة؟ فليهنأ به من يهنأ وعلى رأسهم اليمين المتطرف في فرنسا الذين يبحثون عن أمثال هذا الكلام الذي يعزز كراهيتهم وحقدهم على هؤلاء العرب الفقراء. 

 

الطامة الكبرى أنه قال الذي قاله بعد تصريحه بأنه أعاد قراءة غسان كنفاني مرة أخرى، مطلقا حكمه بأن غسان كان كبيراً ويستحق كل اهتمام. أتساءل: لو قيض لغسان أن يرى هذه المقابلة فما عساه يقول في " فلسطين وأحد زوراها" من ضيوف مؤتمر الرواية المنعقد في دورته الأولى في فلسطين؟

 

دعوني أذكر أن فعل قراءة النص الروائي ذو مستويين؛ الأول مرتبط بما هو جمالي والثاني يتجاوز هذا الجمالي ليرده إلى مرجع خارجي بحمولات دلالية لا يمكن الاستغناء عنها، بما يشترط كفاءة قرائية وكتابية بحركة مزدوجة تنظر إلى الجمالي والبلاغي باعتباره قناة يعبر منها المبدع بفكره وموقفه إلى القارئ؛ فللنصوص طاقة جمالية تعطيها وزنها دون أن  تنكر حقيقة كامنة وراءها، وفي هذا رد على من لم ير للفن أية غاية خارج ما هو فني، وفيه تأكيد على أن فلسطين من حقها أن تحضر بقلم روائي يحمل موقفا تجاهها دون أن يقال إن في هذا إقحاما للأدب فيما لم يخصص له.