الجمعة  20 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"البندورة الدوارة" تتحدى قرارات المنع ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية في حسبة البيرة

2014-10-28 01:09:29 AM
صورة ارشيفية
 
 
خاص بـ "الحدث"
 
يوردون البندورة "الطماطم" عالية الجودة إلى إسرائيل، ويهربون منها بالتزامن مع ذلك، ذات البندورة وخضار وفواكه تلفت أو كادت ويقذفون بها في سوق خضار البيرة المركزي "الحسبة"، متحدين قرارات رسمية تمنع إدخال هذه الأصناف إلى الأسواق الفلسطينية، علاوة على حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بما بات يعرف بـ "البندروة الدوارة".
ويشير تجار جملة إلى كدس من نحو 50 صندوق "كرتون" متهالك تتوسط السوق، تخفي "طماطم" وخيار تالف، وقالوا: "هذه بضاعة إسرائيلية، مر مفتشون ومراقبون بها وذرعوا "الحسبة" بحثاً عن مخالفات، ومضوا!"
أنشئت بلدية البيرة "الحسبة" في الخمسينيات، وتؤجر بداخلها بسطات ومواقع للباعة، لقاء التزام مالي يومي وآخر لقاء رسم كل طرد يدخلونه، لكن 130 بائعاً في المتوسط، وعشرات المزارعين ينشطون خارج المبنى في محيط تربو مساحته على 13 دونماً تملكها الأوقاف.
ومنعت وزارة الزراعة منذ أكتر من 3 أشهر استيراد الطماطم من إسرائيل، إلى جانب أصناف أخرى يحظر أو يقيد دخولها وفق مقتضيات الحاجة، لكن التهريب أتى بنفايات سوقي خضار الرملة وتل أبيب إلى سوق البيرة العريقة التي يصنفها روادها بأنها الأسوأ على غير صعيد بين نظيراتها من أسوق الضفة.
ويقول تجار جملة ومفرق مخضرمون، إن حكاية البندورة "الدوارة" هذه السلعة الأساسية على المائدة الفلسطينية نشطت مؤخراً  في ظل ارتفاع أسعارها بسبب  الموسم الانتقالي  الطبيعي خلال شهري تشرين أول وتشرين ثاني، حيث يزداد الاعتماد على الزراعة المحمية المكلفة، وتصديرها إلى السوق الإسرائيلية وإلى القطاع والخارج حسب تجار ومسؤولين.
ويباع كليو الطماطم الجيدة اليوم بين 4 و5 شيقل في الحسبة المعروفة عادة بأسعارها الشعبية، لكن ثمن الكليو قد يقفز إلى 6 أو 7 شيقل في متاجر بيع الخضار ومحال السوبر ماركت، لكن أسعار الطماطم في إسرائيل  تعدت ال 6 شيقل بالجملة، ما أثار شهية مزيد من التجار للتصدير.
وتقول أسمهان عبد الرحمن، وهي ربة أسرة من 7 أنفار تقطن بلدة بير نبالا: "البندورة سلعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، وتدخل في إعداد مختلف الأطباق، نستهلك نحو كيلو ونصف الكيلو منها في اليوم، والتجار استغلوا نقص المعروض وحاجة الناس لمضاعفة السعر بصورة غير مبررة".
 وأضافت: "قبل أيام، اشتريت الكيلو  بـ 2 شيقل، أعرف أن سعر البندورة يتذبذب ولكن أن يرتفع 200% في غضون يومين أمر غير عادل ولا يستوعبه العقل، وعلى الجهات الرقابية وحماية المستهلك التدخل وحماية الناس من غول الجشع".
 وتوفر"حسبة البيرة" أغلب احتياجات أبناء مدن وبلدات وقرى ومخيمات محافظة رام الله والبيرة وضيوفها، من الخضار والفاكهة الطازجة، ويؤمها يوميا ألاف المتسوقين، ما يضعه في مقدمة أكثر المرافق الاقتصادية حيوية ونشاطاً، على مستوى المحافظة، وهو ما أغرى كثيرين لممارسة التهريب.
 ويحبذ أغلب الباعة في الحسبة البيع بطريقة الكمش على الانتقاء للتخلص من البضاعة التالفة، ويغرون المستهلك بوضع كمية من الثمار الجيدة في الأعلى "التوجيهة" ليراها وينخدع بها المستهلك، أو بعرض سعر أقل للبيع، بهذه الطريقة التي يصر البعض على تسميتها بالطريقة الإسلامية فيما هي وسيلة سافرة للغش.
 
تجار مفرق متهمون
ويرفض خلوي عبد الرحمن، وهو بائع مفرق على بسطة تتوسط السوق منذ 10 سنوات، تحميل تجار المفرق المسؤولية عن ارتفاع الأسعار والغش، ويقول: "المعروض شحيح، ونحن نحصل من تجار الجملة على نصف الكمية التي نطلبها، مقاولون تجار يشترون الإنتاج من المزارعين يوردون المحصول إلى إسرائيل وغزة والخارج، وتبقى طلباتنا نحن في ذيل القائمة والاهتمام".
ويقول عبد الرحمن: "أنا شخصياً أرغب في الحصول على بضاعة فلسطينية، ولا أرغب في شراء وبيع الإسرائيلية، البعض يفعل هذا لتحقيق ربح إضافي، وهذه البندورة من إنتاج الخليل، نرى مراقبين من البلدية ووزارة الزراعة في السوق، وقلما نرى عمليات ضبط مخالفين وبضاعة مهربة".
 وأضاف: "أسعار الجملة ارتفعت بنحو 100%، ندفع اليوم 25 شيقل زيادة  لكل صندوق عما كان عليه قبل 10 أيام، وهذا يضر بعملنا، نبيع أقل ونكسب أقل، بالكاد يربح الصندوق 12 شيقلاً الآن".
 
تجار الجملة
أشرف حماد تاجر جملة مخضرم وضليع بخفايا الحسبة وما يدور في ثناياها، يعمل في السوق منذ  20 عاماً، وورث المهنة عن والده الذي أمضي خمسين عاماً ما يعني أنه عاصر إقامتها.
ويعزو حماد شح المعروض من البندورة إلى التوريد من جنوب الضفة إلى قطاع غزة لتعويض النقص الناجم عن تدمير المزارع جراء العدوان الأخير، خاصة أننا الآن نمر بموسم انتقالي، تشرين أول وتشرين ثاني، ومن جانب آخر هناك تجار يجمعون البندورة بالذات لتجار إسرائيليين، التي تحتاجها بشدة بسب الأعياد اليهودية، وعادة إراحة الأرض مرة كل 7 سنوات، وهذا عام إراحة الأرض بعدم زراعتها، وما يعرض بالسوق جزء مهم من بندورة إسرائيلية أغلبها جزء من البندورة الفلسطينية التي سبق واستوردوها، ينتقون الجيد ويعيدون الرديء لنا ومعه ما تلف أو كاد منها.
وقدر حماد حاجة الحسبة بـ 30 طن يومياً من البندورة، جزء مهم منها يوفره التهريب من إسرائيل، وأضاف: "أنا شخصياً أوفر لزبائني بندورة السلك في الخليل وبيت لحم في الجنوب والكفريات في الشمال بطولكم، ولكن أغلب إنتاج البندورة المحمية في البيوت البلاستيكية تذهب إلى إسرائيل، وهذا تسبب في ارتفاع أسعار البندورة، سعر الصندوق من إنتاج البيوت البلاستيكية يصل إلى 65 شيقلاً، والبلدية والسلك 45 شيقلاً، وهي مرشحة للارتفاع، وقد يصل الكيلو 15 شيقلاً".
ويقول: "بخلاف الادعاءات عن المنع والمقاطعة، كل ما في السوق من بطاطا هو إسرائيلي يباع بالجملة بشيقل واحد، المنتج الفلسطيني منها يصل الأسواق في كانون، وكذلك الخيار ربما"، ويتابع: "وصلت شحنة من الخيار تصلح كدعمات للبناء، وتالفة ويكسوها العفن، مصدرها إسرائيل، تجار قاموا بتنظيفها وإعادة بيعها بتوزيعها على البسطات".
وتابع: "نشاهد 4 مراقبين من مديرية الزراعة يزرون السوق يومياً، والبضاعة الإسرائيلية وأغلبها شبه تالف أو من أصناف رديئة الجودة".
 ويرى حماد أن الأصل هو أن نؤمّن حاجة السوق المحلي أولاً، هناك مسؤولية على المستهلك وعلى الوزارة ولجان حماية المستهلك، متى غاب ضمير التاجر، و ضعف الرقابة هو المسؤول عن حالة الفوضى في السوق الذي يعد الأسوأ، والذي تحول إلى مكب لمخلفات سوقي خضار تل أبيب والرملة، حيث يحمل سائقون يعملون في الداخل هذه القمامة ويتم توزيعها على البسطات بسرعة، وهذا إضافة إلى أمور أخرى جعلت سوق البيرة الأسوأ بين مثيلاته في الضفة، ويحتاج إلى تنظيم من قبل وزارتي الاقتصاد الوطني والزراعة ولجنة السلامة ولجان حماية المستهلك والضابطة الجمركية، فلا يعقل أن يسمح بأن يستغل جشعون ارتفاع أسعار البندورة في إسرائيل لتوريد كل ما يقع تحت أيديهم، خاصة أن بعضهم يرسل الأصناف "نخب أول" ويعودون بالتالف منها إلى السوق.
 
البلدية تنفض اليد
 ويقول مدير عام  بلدية البيرة زياد الطويل، إن للبلدية فعلاً مراقبين دائمين في الحسبة، موضحاً أن  دور مراقبي البلدية يقتصر على تنظيم وتنظيف السوق.
وتابع: "لا شأن لنا بالتدخل في  مراقبة الأسعار وجودة ومصدر البضائع وقانونيتها، هذا شأن ومسؤولية جهات أخرى معروفة".
 
تنظيم وضبط من الداخل
وقال مدير الأسواق المحلية في دائرة التسويق الزراعي بوزارة الزراعة المهندس الزراعي ظافر الهمشري: "إن ارتفاع أسعار الخضار، وخصوصاً البندورة، طرأ في نهاية أيلول وبداية تشرين أول ويتواصل، والسبب أن هناك مزارعين وتجار محليين يتعاقدون مع تجار إسرائيليين، وهم ملزون بالوفاء بالعقود بتوريد الكميات المنصوص عليها، خاصة أن هذا العام في التقليد اليهودي عام لا يأكل فيه المتدينون اليهود من إنتاج أرضهم التي من المفروض أن تهمل زراعتها لإراحتها، ولكن كثيراً من الإسرائيلين يزرعون ويرسلون إنتاجهم إلى الأراضي الفلسطينية، وهو من أصناف قليلة الجودة".
وأضاف الهمشري: "الوزارة تمنع استيراد البندرة والخيار من إسرائيل منذ نحو 3 شهور، نحن لدينا 3 ورديات تعمل على مدار الساعة، لكن فرق وطواقم الرقابة قليلة من حيث العدد والإمكانيات، ويتولى مهربون المهمة، ويتصيدون الفرص لإدخال بضاعتهم"، وتابع: "الإنتاج المحلي منها  يغطي حاجة السوق المحلي ويزيد، والوزارة تصدر قرارات منع وتمنح أذوناً وتصاريح إدخال حسب حاجة السوق، وبناء على حسابات دقيقة، وبما يلبي حاجة المواطن ويحمي المزارع والمنتج المحلي، ونحن حينما نسمح لتجار بإدخال كميات يحتاجها السوق، نطالب هؤلاء التجار بشراء منتجات محلية من ذات الصنف، غالباً ما يكون مشروطاً ومحدد الكمية والتاريخ والساعة والمكان".
 
تهديد للموظفين
 وقال الهمشري إن سلطات الاحتلال الاسرائيلي لا تتورع  عن توجيه تهديد شخصي لكادر ومسؤولي الوزارة على خلفية منع المنتجات الإسرائيلية، وفي التلويح بفرض عقوبات مماثلة بمنع سلع فلسطينية، وبلغ الأمر حد تهديد مدير عام التسويق الزراعي شخصياً.
وأضاف الهمشري: "هناك جهات رقابية ولجنة السلامة العامة، تضم المحافظة والضابطة الجمركية والشرطة ولجان حماية والوزارات المعنية، تعمل على كبح جماح الظاهرة، ولكن حجم التهريب أكبر من أن نتمكن من ضبطه بسبب الحدود والمنافذ المفتوحة للتهريب والمهربين، وسيطرة إسرائيل على المعابر، إضافة إلى الاحتكار والفوضى والاكتظاط  وضعف الإدارة والسطرة على سوق البيرة".
نقد ذاتي
وخلص مدير عام التسويق الزراعي  في وزارة الزراعة المهندس الزراعي طارق أبو لبن للقول: "رغم كل ما يمكن أن نقوله ونبرر به استمرار مظاهر التهريب،  إلا أن الحقيقة هي أننا مقصرون في التدقيق على الأسواق والرقابة على المنتجات التي تدخلها، وينبغي أن ننتقد ونجلد أنفسنا على هذه الظاهرة، وأنا أول من ينتقد نفسه. يفترض أن يكون قد شكل عملنا علامة فارقة في ضبط وتنظيف أسواق لا تزال تعج بمنتجات مهربة وأكثر".