الحدث – أحمد أبو قمر
يواصل الدولار الأمريكي صعوده أمام سلة العملات الرئيسية ومنها الشيكل (الإسرائيلي) الذي يعاني من تدهور في قيمته بسبب الحرب الأخيرة على غزة من جهة، وكذلك قوة الدولار من جهة أخرى.
ويسعى البنك المركزي (الإسرائيلي) حالياً لتدارك الأمر وإضعاف عملة الشيكل، إلا أن محاولاته تبوء بالفشل دون مقدرته على إعادة الشيكل إلى عهده السابق.
وتكمن محاولات البنك في سحب الشيكل من الأسواق، واستبدال العملات، ومحاولات اللعب في سعر الفائدة من فترة لأخرى لجذب المستثمرين وفق الحاجة.
اقتصاديون توقعوا في حديث خاص بـ"الحدث" أن يواصل الدولار تحطيم عملة الشيكل، ويصل إلى أعتاب أربعة شواكل في سابقة هي الأولى منذ انهيار الدولار عام 2007.
** الشيكل يتدهور
بدوره قال الخبير المالي الدولي الحسن بكر، إن النظرة ما زالت تتجه نحو المزيد من الارتفاعات لزوج الدولار شيكل، واصفاً المرحلة الحالية بأنها استراحة محارب خلال الاتجاه الصاعد للزوج.
وأضاف بكر في حديث لـ"الحدث": "الدولار مقابل الشيكل بقي الأكثر صموداً في ظل استمرار التوقعات بالمزيد من الارتفاع للزوج".
وأشار إلى أن الشيكل شهد خلال الفترة الماضية تفاعلاً بقوة مع الدولار والعوامل الاقتصادية العالمية، وهو ما دفعه لتخطي القيمة الحقيقية له والتفاعل مع التغيرات النقدية العالمية.
ووفق بكر، فقد شاهدنا الكثير من المحاولات لتخفيض قيمة الشيكل، ولكن دون جدوى، مؤكداً كثرة الأصوات المنادية بتخفيض قيمة العملة (الإسرائيلية) بسبب تضرر المستثمرين من ارتفاع قيمته.
وأوضح أن ارتفاع سعر صرف عملة الدولار أفقدها ميزة تنافسية عالمية على صعيد الصادرات، وخصوصاً في الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفع البنك المركزي للتدخل مجدداً وكان آخرها قبل يومين.
وتجدر الإشارة إلى أن محضر الاجتماع الفدرالي الأخير حذّر من أن ارتفاع الدولار بشكل مفرط سيضر بالصادرات الأمريكية ويقوّض التعافي الاقتصادي من الأزمة المالية الطاحنة التي عصفت به منتصف عام 2007.
ولفت بكر إلى أن المركزي (الإسرائيلي) اشترى 300 مليون دولار من العملات الأجنبية في محاولة منه لتحفيز النمو.
وحذّر من ارتفاع معدلات التضخم التي ستشهدها عملة الشيكل، مبيّناً أن الإنتاج طبيعي في حين أن الاستيراد والاستهلاك سيء.
وعلى صعيد الاقتصاد الفلسطيني، أكد بكر أن له حالة خاصة كونه يتعامل مع ثلاث عملات (دولار، شيكل، دينار)، مشيراً إلى أنه يتضرر وفق متغيرات هذه العملات.
وبيّن أن ذوي الدخل المحدود في فلسطين يتقاضون رواتبهم بالشيكل، والضرر سيصلهم نتيجة فقدان رواتبهم للقيمة الشرائية، موضحاً أن قطاع غزة أمام مرحلة إعادة إعمار قطاع غزة وتلقي أموال من المانحين، وكذلك ميزانية السلطة بالشيكل وهذا سينعكس على قدرتها على مواجهة المتطلبات.
وعلى الصعيد الدولي توقع بكر أن تستمر قوة الدولار حتى نهاية الشهر الجاري لحين اجتماع البنك الفدرالي مجدداً، مشيراً إلى علو أصوات في اجتماع الفدرالي الأخير تحذّر من حدة ارتفاعات الدولار على الصادرات الأمريكية.
وبيّن أن حدة ارتفاع الدولار الأمريكي تباطأت عالمياً الأسبوع الماضي وسط عودة الأسواق للتركيز على الأساسيات وهدوء المضاربات على التوقعات برفع أسعار الفائدة الأمريكية.
واستدرك بكر: "إلا أن الأسبوع الماضي لم يخلُ من المفاجآت والتقلبات الكبيرة والتي جاءت نتيجة التحركات المفاجئة للأسهم الأمريكية بشكل خاص".
وواصل سعر صرف الدولار الأمريكي الارتفاع مقابل الشيكل (الإسرائيلي) في سابقة هي الأولى منذ أكثر من 18 شهراً، حيث وصل سعر صرفه الأربعاء 3.74 شيكل، ضمن سياق موجة الصعود التي بدأت إبان الحرب (الإسرائيلية) على قطاع غزة.
ومن جهته عزا الخبير والمستشار المالي عدنان أبو الحمص، انخفاض قيمة الشيكل إلى ثلاثة عوامل: أولها النتائج الاقتصادية (الإسرائيلية) السلبية التي أعلنت عنها كل من وزارة المالية، ومكتب الإحصاء (الإسرائيلي) المركزي مؤخراً، بالإضافة إلى قرار (البنك المركزي الإسرائيلي) بتخفيض أسعار الفائدة.
وبيّن أبو الحمص في "تصريح صحفي سابق" أن نتائج الاقتصاد (الإسرائيلي) خلال الربع الثاني، كانت دون توقعات الحكومة والشارع (الإسرائيلي)، وأن هذه الأرقام كانت صادمة للجميع، عدا عن مفاجأة بنك (إسرائيل) المتمثلة في تخفيض أسعار الفائدة إلى 0.5٪.
ورأى أن العامل الثاني المؤدى إلى انخفاض قيمة الشيكل هو التراجع الكبير في حجم الصادرات (الإسرائيلية) إلى الخارج، والتي انخفضت بنسبة 14٪ خلال الشهور الخمسة الأولى من العام، مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي، وفقا لأرقام مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
ووفق أبو الحمص، يتمثل العامل الثالث بتأثيرات الحرب (الإسرائيلية) على قطاع غزة، والتي بدأت في السابع من يوليو/ تموز الماضي.
** الدولار يفترس الشيكل
وذكرت صحيفة "جلوبس" الاقتصادية العبرية، أن ارتفاع قيمة الدولار المتسارعة أمام الشيكل لأكثر من 8% خلال الشهرين الأخيرين، أجبر البنك المركزي (الإسرائيلي) على شراء 200 مليون دولار، في حين ارتفعت نسبته نهاية الأسبوع الماضي 0.94%.
وبدوره توقع كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار الإسرائيلي "بنك غولدمان" كاسبر لاند جونسون استمرار صعود الدولار وتدهور الشيكل خلال الأشهر المقبلة ليصل إلى أعتاب الـ 4 شيكل.
وقال جونسون: "إن عصر قوة العملة الإسرائيلية انتهى، فقد ضعفت خلال الشهرين الأخيرين بشكل متسارع، وبذلك فقد انتهى عصر صعوده"، متوقعاً مواصلة صعود الدولار خلال العام المقبل ليصل إلى 3.9 شيكل.
ونوه إلى أن سبب الارتفاع يتمثل في توقعات بتخفيض البنك (الإسرائيلي) لقيمة الفائدة المصرفية مرة أخرى لتصل إلى 0.05%، في حين سيعزف المستثمرون عن شراء الشيكل نظراً للهوة الكبيرة في نسبة الفائدة بين أمريكا و(إسرائيل) وانخفاض معدل شراء الشقق خلال العام المقبل بعد الازدياد الذي طرأ على أسعارها مؤخراً.
وأبدت محافظة بنك (إسرائيل) كارنيت فلوغ مخاوفها من عدم تمكن الحكومة من الحفاظ على نسبة العجز المتوقعة في الميزانية (الإسرائيلية) 3.4% بل ارتفاعها الى 3.6%.
وقالت فلوغ إن حكومتها ستضطر عام 2016 لإجراء تقليصات في الميزانية ورفع نسبة الضرائب.
وتبلغ الميزانية للعام المقبل 328 مليار شيكل، وهي أكبر ميزانية (لإسرائيل) منذ تأسيسها.
** الحرب هي السبب!
وكان يوسي فرايمن مدير عام شركة "فريكو" للاستثمار قد قال إن تخفيض نسبة فائدة الشيكل لهذا الحد غير المسبوق ستضعفه أكثر وتزيد من قوة الدولار.
وذكر فرايمن أنه لم يتوقع أحد أن تصل النسبة إلى هذا الحد، منوهاً إلى أن تخفيض الفائدة جاء بسبب العدوان (الإسرائيلي) على قطاع غزة.
ونتيجة للتدهور في مستويات الشيكل، أعلن بنك إسرائيل (البنك المركزي)، فى 29 يوليو/ تموز الماضي، خفض سعر الفائدة على القروض الرئيسية التي يمنحها للبنوك بعملة الشيكل بنسبة 0.25%، من 0.75٪ إلى 0.5%.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد نشرت سابقاً تقريراً عن تداعيات عدوان غزة على الاقتصاد (الإسرائيلي) حيث تبين أن قطاع السياحة على شفا الهاوية بعد انخفاض نسبة السياح الوافدين عبر مطار "بن غوريون" إلى 26% في الحرب، بينما انخفضت نسبة حجز الغرف الفندقية لتصل إلى 20% فقط، مقارنة مع نفس الوقت من العام الماضي.
في حين تضرر قطاع الرياضة بشكل كبير، وخسر الكيان في هذا المجال ملايين الدولارات بعد تغيير أماكن عرض المباريات من الكيان الصهيوني إلى قبرص وخسارة الاقتصاد (الإسرائيلي) لتذاكر المشاهدين ومساهمتهم في نمو الاقتصاد (الإسرائيلي).
وفي سياق قوة الدولار قال كريس ترنر رئيس الاستراتيجيات الدولية في "أي إن جي": "نعتقد أن ارتفاع الدولار سيستمر عامين على الأقل".
وأوضح ترنر أن مؤشر الدولار الأمريكي الذي يقيس الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية ارتفع بقدر كبير وسريع، معتقداً أنه يمكن أن يزيد بمقدار 5% في الشهور الستة المقبلة.
وارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 9% منذ بداية مايو/ آيار، مدفوعاً بتوقعات رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) قيمة الفائدة مع تعافي الاقتصاد الأمريكي.
وفي الوقت ذاته، من المرجح أن تؤدي مخاوف النمو في أوروبا والصين واليابان إلى أن تُجفّف البنوك المركزية القيود على السياسات النقدية، مما يضع ضغوطاً على عملاتها.
ورأى محللون أنه من المرجح أن تكون العملات الرئيسية الأكثر تأثراً من ارتفاع الدولار في الشهور المقبلة هي اليورو والين الياباني.
وبدأ البنك الفدرالي الأمريكي بمواجهة الأزمة المالية وتقليصها مع بداية العام، متوقعاً الانتهاء منها في خلال أسابيع.
ودفع التحسن في الاقتصاد الأمريكي الدولار إلى القوة عالمياً وهو ما كان له أثر نتيجة العلاقة العكسية ما بين الذهب والدولار، فكلما ارتفعت العملة الخضراء انخفض سعر المعدن الأصفر والعكس كون الذهب مسعر عالمياً بالدولار.
وعلى الصعيد المحلي سيُخفّف انخفاض سعر الذهب العبء عن الشباب المقبلين على الزواج، بالإضافة إلى تحسين الطلب على الذهب لدى الصاغة.
وأمريكياً يعتقد الخبراء أن الولايات المتحدة تحاول إضعاف قيمة الدولار لزيادة الصادرات الأميركية.
ويعتبر الدولار أحد العملات الاحتياطية بجانب اليورو الأوروبي وعملات أخرى في سلة العملات التي يضعها البنك (الإسرائيلي) كاحتياطي له.
ووفق إحصائيات، فإن الدولار الأمريكي يشكّل حالياً تقريباً 86% من حجم التعاملات اليومية في السوق العالمي للصرف الأجنبي، والذي يصل وفقاً لآخر الإحصاءات (قبل الأزمة المالية) إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار يومياً، والباقي يتم أساساً باليورو، وإلى درجة أقل بعملات أخرى.
وتشير دراسات إلى أن قيمة الدولار تراجعت خلال الـ12 عاماً الماضية بنسبة 40% بالنسبة للفرنك السويسري، و30% بالنسبة للين الياباني، و25% بالنسبة لليورو، إلى ما قبل الانتعاش الذي يعيشه الدولار منذ شهرين.
وكان بنك (إسرائيل) قد اعترف أن السبب الرئيسي لتراجع النمو الاقتصادي، الذي دفعهم لخفض معدلات الفائدة، هو الحرب على قطاع غزة وما سببته صواريخ المقاومة الفلسطينية سلباً على الاقتصاد (الإسرائيلي)، يتبعه تباطؤ في الاقتصاد العالمي.
وكان البنك المركزي قد تدخل في السابع من أغسطس/آب الماضي في سوق العملات الأجنبية لشراء كمية كبيرة من الدولارات تناهز 400 مليون دولار، وذلك بغرض إضعاف العملة الأميركية التي صعدت مقابل الشيكل في الفترة الأخيرة.