نحو 50 دولة و30 منظمة وهيئة دولية شاركت في المؤتمر الدولي لإعمار غزة بعد أن تجاوزت خسائر الدمار الذي ألحقته إسرائيل في البنى التحتية في القطاع ستة مليارات دولار. توقعت السلطة الفلسطينية أن يقدم المانحون والمتبرعون نحو أربعة مليارات دولار غير أن وعودهم تجاوزت هذا الرقم بمليار دولار إضافية. فهل وصل شيء من هذه الأموال وهل باشرت حكومة الوفاق الفلسطينية عملها في القطاع. وهل تسلم حرس الرئيس إدارة المعابر وحلّت مشكلة الرواتب.
المانحون والمتبرعون طالبوا بهذه القضايا وكثير منهم أعرب عن رغبته في الإشراف على كيفية التصرف بالمنحة التي سيقدمها. لكن أهم ما يؤثر على سرعة إعادة إعمار غزة يتمثل في الوقت الراهن في: أولاً استمرار التهدئه التي تخرقتها إسرائيل بين حين وآخر. وثانيا: ضبط الوضع الأمني في شمال سيناء الممر الطبيعي للمساعدات ومواد البناء إلى قطاع غزة وحركة أهلنا في القطاع واتصالهم بالعالم الخارجي.
بالنسبة للقضية الأولى (استمرار التهدئة) تعتقد الهيئات السياسية والأمنية الإسرائيلية أن حركة حماس لن تلجأ إلى استئناف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.
وتحصر إسرائيل اطلاق الصواريخ بحركة حماس لتصور للعالم أن حربها الإجرامية لم تكن على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لواحد وخمسين يوما. إلا أن أحدا في العالم لا يشارك إسرائيل هذا التصور ولا يمكنه أن يضمن حالة الهدوء السائدة حاليا إلى أسابيع أو شهور مقبلة في ظل إغلاق المعابر واستمرار الحصار القاتل على القطاع، خاصة أن أهل القطاع ينتظرون بفارغ الصبر وفاء الدول المانحة والمتبرعة بالوعود التي قطعتها على نفسها في مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة.
كما أن الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والقدس وسقوط الشهداء برصاص الاحتلال كل يوم تستفز الشعب الفلسطيني وتدفعة إلى انتفاضة ثالثة. ويخطئ رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الجيش الإسرائيلي موسى غلعاد في تقديراته باستبعاد اندلاع انتفاضة ثالثة في القدس، تتوسع لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة تطيح بالتهدئة. غلعاد يعترف بوجود بؤر احتكاك كثيرة، ويطالب بالتعامل معها خلافاً لما كان عليه الوضع خلال الانتفاضة الثانية حيث كانت هناك بؤر مركزية بادرت إلى القيام بأعمال العنف "حسب قوله".
لا نتوقع أن تظل بؤر المقاومة الحالية للاحتلال مشتتة، فسرعان ما تتوحد هذه البؤر أو المجموعات المقاومة وتنتظم في قيادة موحدة لتشتعل انتفاضة شاملة في وجه الاحتلال وقواته ومستوطنيه في أنحاء الأرض الفلسطينية.
وليس أكثر استفزازاً لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين من أن تمس مقدساتهم وخاصة الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين ومسرى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما دأبت إسرائيل على فعله. ويخطئ كل من يستبعد اندلاع الانتفاضة الثالثة، فالسلطة حذرت نتنياهو واستنكرت تصريحاته الاستفزازية لمشاعر الفلسطينين والمسلمين والمسيحيين في فلسطين والعالم، ويخطئ نتنياهو في تحديه للعالم الإسلامي والمسيحي عندما يدعي أن القدس الموحدة هي عاصمة دولة إسرائيل، فلا أحد في العالم بأسره يعترف بالادعاءات الإسرائيلية حول القدس فهي قبلة المسلمين الأولى وهي مكان حج المؤمنين من المسحيين الذين يتجاوز عددهم المليارين. حتى أن بعض القوى في إسرائيل ذاتها لا تؤيد نتنياهو في إدعاءاته.
والقدس بالنسبة للفلسطينيين هي عاصمة دولتهم الدينية والاقتصادية والتاريخية والثقافية، وهي صلة الوصل بين شمال الدولة الفلسطينية العتيدة وجنوبها وشرقها وغربها. ولن يسمح الفلسطينييون بالمساس بوضعها الديمغرافي أو الديني أو السياسي وخاصة الأقصى المبارك الذي يتعرض لهجمة مبرمجة لتهويده وتقسمه. والأمر الثاني الذي يؤثر في إعادة إعمار غزة هو الوضع الأمني في سيناء المصرية، فمصر هي راعية التهدئة وهي التي تستضيف جولات المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والوفد الفلسطيني الموحد.
وبالأمس أعلنت مصر حالة الطوارئ في شمال سيناء وبالتحديد في الشيخ زويد والعريش ورفح المصرية بعد العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها كوكبة من جنود مصر وهم يقومون بواجبهم، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر بدأت باتخاذ إجراءات حاسمة على الحدود مع قطاع غزة وأبرز هذه الإجراءات إغلاق معبر رفح البري الشريان الذي يربط القطاع بالعالم الخارجي وطريق وصول المساعدات العاجلة ومواد البناء لإعادة الإعمار. وتم تأجيل انعقاد جولة المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل المقررة أمس الاثنين إلى منتصف الشهر المقبل. ونخشى من أن تتصرف مصر من قناعة أن منفذي العمليات الإرهابية ضد جنودها في شمال سيناء يتخذون من قطاع غزة قاعدة تمويل وقاعدة انطلاق لتنفذ عمليتهم في سيناء. والأهم من هذا والأكثر وضوحاً في اتهام غزة أن الرئيس السيسي قال إن هناك قوى دولية تقف وراء هذه العمليات الإرهابية وأن منفذيها يقومون بها لخدمة عناصر وجهات أكبر.
فمن مصلحتنا الإستراتيجية كفلسطينيين أن تطمئن مصر أن قطاع غزة لا يمكن في أي حال أن يكون شوكة في خاصرتها، وما يجب ألا نغفله في هذا السياق أن حدود مصر مع إسرائيل من طابا إلى معبر كرم أبو سالم تتجاوز في طولها عشرات المرات حدود مصر مع قطاع غزة.
ولإسرائيل مصلحة استراتيجية في إضعاف مصر رغم معاهدة كامب ديفيد التي قيدت تحرك الجيش المصري في سيناء وجعلت منها وكرا للجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام وغيره من الأيدولوجيات غطاء لنشاطها ضد مصر. فمصر هي القلعة المتقدمة للأمة العربية وهي المعقل الأخير للعرب في التصدي للمؤامرة التي تستهدف وجودهم.. فإن سقطت لا سمح الله فلن تقوم للعرب قائمة إلى عشرات السنين وستصبح أرض العرب وثرواتهم نهباً لإسرائيل ولدول الجوار العربي التي لها حساباتها الخاصة من هنا ندرك أهمية الإجراءات التي اتخذها الرئيس المصري بما فيها إعلان حالة الطوارئ وإغلاق معبر رفح البري. ليظل إعمار غزة في انتظار استقرار الوضع الأمني في سيناء، وتوقف نتنياهو عن استفزازاته للفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين في الأقصى والقيامة والقدس.