الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عقد على الانقسام بقلم نهاد ابو غوش

2017-05-22 09:54:32 PM
عقد على الانقسام
بقلم نهاد ابو غوش
نهاد ابو غوش

بعد أيام تمر الذكرى السنوية العاشرة لوقوع الإنقلاب الذي نفذته حركة حماس ضد قيادة السلطة الفلسطينية وأسمته حسما عسكريا. ومهما اختلفت التسميات والتفسيرات لما جرى، فإن الحقيقة الماثلة أقوى من كل الكلام: الانقسام يتكرس ويتمأسس ولا أفق قريبا لإنهائه بعد الدماء الغزيرة التي سفحت، والمعاناة الهائلة التي نجمت، دمارا وحصارا وقمعا وتنكيلا، فضلا عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالقضية الوطنية الفلسطينية ومكانتها.

 

لماذا إذن يطول الانقسام ويتكرس على الرغم من كل الحوارات التي جرت، والاتفاقيات التي أبرمت، وما نسمعه من نداءات ومناشدات؟

 

من الواضح أن الانقسام لم يكن حدثا عارضا، ولا مرتبطا بالأسباب التي سيقت وقتها لتبريره، بل هو مشروع متكامل، بل هو سياق لمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية في ظل أزمتها المركبة وموجات انحدارها ( ثمة موجات للنهوض والصعود بلا شك مثل إضراب الأسرى وفعل المقاومة بكل اشكالها)، ومثل كائن طفيلي يتغذى على الفضلات، فقد بات الانقسام يجد يوميا ما يستمد منه أسباب البقاء والاستمرار، ومن هذه الأسباب التداخلات الإقليمية مع وضعنا الفلسطيني، ونمط أداء السلطة وقراراتها.

 

ثمة بيئة مواتية تسمح لقوى دولية وإقليمية أن تلعب في ساحتنا المنكشفة أمام هذه التدخلات، وفي مقدمة هذه القوى دولة الاحتلال التي تستفيد من الانقسام في مشروعها لتصفية القضية الوطنية، وابتزاز الأطراف الفلسطينية كل على انفراد، وتستفيد كذلك في الادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني قادر، والطعن في شرعية القيادة الفلسطينية وأهليتها. وإلى جانبها محاور إقليمية يهمها استخدام أوراق فلسطينية خدمة لمصالحها ومكانتها.

 

وعلى الصعيد الداخلي نشأت وترعرعت مصالح لأفراد وفئات وشرائح اجتماعية ومراكز قوى تتاجر بالانقسام وتعتاش عليه، لا ينطبق ذلك فقط على تجار الأنفاق، بل على تجار التحريض والتوتير أيضا، هناك من لا يستمد مكانته وموقعه إلا بسبب الانقسام، وهناك من لا يطيق التعايش والشراكة مع الآخر الوطني أو يجد فيه قيدا ثقيلا على حركته ومناوراته أو تهديدا لسلطته.

 

في المقابل تتراكم الخسارات الجمعية والجزئية نتيجة الانقسام، فالأوضاع المعيشية للمواطنين تدهورت في شطري الوطن وخاصة في قطاع غزة، والحريات العامة تراجعت، والحياة الديمقراطية التي كان بعضنا يتغنى بها أفلت بغياب المؤسسة التشريعية وتعطيل الانتخابات وغياب الرقابة والمحاسبة، والقضايا الكبرى كالقدس والمستوطنات تراجع الاهتمام بها بسبب انهماك الفرقاء وانشغالهم في الأزمة الداخلية، والأسرى يستندون إلى حائط مشروخ، بل تحول إضرابهم إلى مادة للتحريض والتحريض المضاد.

 

وإذا كانت حماس هي المسؤولة أولا وقبل غيرها عن وقوع الانقسام، وعن كثير من تداعياته وأسباب استمراره، فإن قيادة السلطة والمنظمة ليست معفاة من المسؤولية، لأنها أولا مسؤولة عن شعبها، ولأنها تملك القرار والشرعية والقدرة لو صدقت النيات وتوفرت الإرادة لطي هذه الصفحة القبيحة من تاريخنا.