الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفاصل بيننا وبين الهزيمة بقلم: نور عودة

وعَلامَةٌ رَفعِهِ الفِكرَةْ

2017-05-22 09:59:58 PM
الفاصل بيننا وبين الهزيمة
بقلم: نور عودة
نور عودة

الفرق بين شعبنا والشعوب التي انتصرت على الاستعمار بكل أشكاله هو النهج والقدرة على التجدد ومواجهة الفكر بفكر وعدم الاستكانة للشعارات الرنانة والخطوات التي يسهل التنبؤ بها. الفرق بيننا وبينهم أنهم أنتجوا فكراً وكانوا قادرين على المبادرة والمفاجئة ونحن فشلنا في هذا الامتحان فشلاً جمعياً مدوياً.

 

جزء أساسي من الإحباط الذي يعاني منه الرأي العام الفلسطيني هو معرفته المسبقة بما سيصدر عن كل اللاعبين من مواقف وبيانات وهجوم هنا وهناك في أي ظرف من الظروف. الصحافيون يعرفون مسبقاً نوع التصريحات والمواقف التي سيحصلون عليها حتى أنهم بالكاد يستمعون لما يقال لأنه مكرر وممجوج.

 

هم يعرفون مسبقاً من أين يحصلون على تصريح "حردان" أو آخر "ناري" أو رد "مناكف" أو تعليق اعتيادي. والمواطن الفلسطيني يمكن أن يخمن أي جهة تتحدث حتى لو أغمض عينيه ولم يسمع اسم المتحدث لأن المفردات من كل جهة واحدة والمواقف مكررة و"الجكر" مستمر.

 

لا أفكار جديدة، لا مبادرات، لا حوار– نحن، الشعب، لا نحصل إلا على المواقف الإعلامية ولكل فصيل أسلوبه الخاص في التصريح بمعزل عن الموضوع أو مايتطلبه. الرد واحد ومعروف مسبقاً.

 

هذه البرمجة المسبقة تنم عن حياة سياسية واجتماعية بائسة، خالية من المبادرة وتنافس الأفكار لأن التنافس الآن يقتصر على المايكروفونات. ونحن، الشعب، ارتضينا أن نتعايش مع هذا الفراغ البائس وأن نتسلح بسلبية مزمنة باتت هي أيضاً من الأشياء المكررة والمتوقعة.

 

من الطبيعي إذا أن ينتج هذا الواقع مناخاً من البلادة العامة بحيث نراكم بشكل جمعي أخطاءً وخطايا وسابقةً تلو الأخرى ترسخ ما نزعم أنه أساس الخلل في حياتنا: عدم استخلاص العبر.

 

باسم منع التطبيع، ارتضينا حصار أهلنا في الداخل من قبل الدول العربية والإسلامية وغيرها لعقود. وحتى بعد أن مارسنا غير ذلك وأدرك البعض منا أهمية هذه القلعة الفلسطينية المنيعة والعصية على التطويع، قرأنا خبر طرد المناضل محمد بركة ورفاقه من جامعة بير زيت باسم منع التطبيع ولم نثٌر بشكل جمعي ضد هذا الجنون والانحراف الفكري.

 

وحيث أن الخلل الكامن في فكر الطلاب المنتمين للفصائل فلسطينية الذين طردوا بركة لم يكن محط نقاش عام أو عميق، لم يكن مفاجئاً أن تصدر كتل اليسار في الجامعة العربية الأمريكية بياناً ضد أيمن عودة تستنكر فيه حضوره للجامعة للتضامن مع الأسرى وتعتبره صهيونياً! صحيح أن فصيلين أصدرا بيانات تعتذر عما صدر من الكتل الطلابية التابعة لهما، إلا أن الخلل الكامن في استفحال الجهل السياسي والوطني مزمن ومتجذر وغير مطروح للعلاج.

 

باسم الديمقراطية نشجع الانتخابات الدورية في الجامعات وباسم الحداثة والعلم نؤكد باستمرار أن جامعاتنا منارات للعلم والفكر المستنير والحوار ومبادئ الديمقراطية.

 

ثم تتحطم شعاراتنا الكبيرة هذه عند أول مناظرة بين الكتل الطلابية يغيب فيها الحوار وتنعدم فيها مبادئ الديمقراطية ويختزل فيها التنافس إلى من يصرخ بصوت أعلى ومن يسدد هدفاً مدوياً في مرمى الخصم في مباراة الجكر الفصائلية.

 

باسم المعارضة نعارض كل شيء ونرفض كل شيء ونعلن انسحابنا من معظم الأشياء أو مقاطعتنا لبعضها، لكننا لا نكلف أنفسنا عناء العمل لتغيير ما لا يعجبنا أو تصحيح ما نراه من أخطاء أو حتى طرح البدائل العملية لما نرفضه.

 

باسم المعارضة نتمترس في فضاء "يجب كذا" و"علينا أن كذا" لكننا نتنصل من مسؤولية طرح كيف نصل إلى هناك.

 

باسم النضال وإسناد الأسرى، نقرر فعاليات ونصدر بيانات ونخط شعارات لا تضيف لمخزون إرثنا النضالي أسلوباً نضالياً جديداً بل تكرس مفاهيم كنا في زمن ليس ببعيد نقول إننا لن نقبل بتقويضها. كأن تعلن الفصائل إضرابا شاملاً أو جزئياً ثم تنشر فتية مسلحين بغضبٍ فاقد للتوجيه لكي يفرضوا الإضراب بحناجرهم أو أكثر.

 

أو أن تعلن وزارة التربية والتعليم عن تضامنها مع الأسرى والتزامها بالإضراب على حساب عشرات آلاف الطلبة وذلك إما خوفاً من هجوم المضربين أو عجزاً أمام قرار الإضراب الذي لم يعتبر المسيرة التعليمية أولوية وطنية ضحى من أجلها الأسرى والشهداء.

 

وباسم إسناد الأسرى، نملأ فضاءاتنا صراخاً وألماً حقيقياً لكنه رغم ذلك تائه.ننشغل بكيل الاتهامات لبعضنا بالتقصير والتخاذل والفشل في إطلاق سراح الأسرى ونعفي إسرائيل من مسؤولية اعتقال أسرانا البواسل والتنكيل بهم.

 

في الأثناء، نفقد فرصة ذهبية للتوحد والارتقاء لمستوى تضحيات الأسرى والشهداء لأننا عاجزون بشكل جمعي عن إنتاج فكر يرتقي بحالتنا النضالية ويقدم نموذجاً متجدداً من النضال الفلسطيني الذي ألهم الشعوب في عقود مضت. 

 

تحت مسميات كثيرة وباسم أشياء كثيرة وسامية، تكثر الشعارات وتندر إبداعات الفكر وتنعدم المحاسبة فكيف للمحاسبة أو التغيير أو التطوير أن يحدث في ظل انشغالنا بكل هذا العبث؟

 

هذا المقال ليس بهدف جلد الذات لكنه حتماً بهدف تغيير نوع النقاش وطبيعته حول ما يجري في الوطن من نضال وتجاذبات ومخاطر وأزمات. لا يكفي أن نكون محبطين وأن نحزن على ما آلت إليه أوضاعنا من عبثية وغياب للفكر فإما أن نضع النقاط على الحروف ونضع الجميع، بما فيهم أنفسنا، أمام مسؤولياتنا أو أن نعلن هزيمتنا واستسلامنا للعبثية. الخيار الأول صعب لكنه يَعدُ بغدٍ أفضل والثاني سهل ولكنه عنوان للضياع والهزيمة مهما حاولت الشعارات والصراخ إيهامنا بأنه عكس ذلك.