قد تكون حركة حماس من وجهة نظر بعض فصائل العمل الوطني وفي عرف العمل السياسي الفلسطيني، حركة فلسطينية انتهازية، فيما يراها الوعي الفلسطيني الجمعي، حركة وطنية مقاومة، وإن اختلف معها، حول اساليبها وسياساتها.
وقد يثبت بالأدلة القاطعة أنها وأقصد "حركة حماس" قد قامت بإرهاب المحتل، وكلمة الإرهاب كمصطلح لها أكثر من دلالة، خاصة وأنها أصبحت مصطلحاً مركباً ومعقداً في آن، ما جعلها حمالة أوجه من حيث التعريف، فهي في لسان العرب : "رَهِبَ بمعنى خاف والاسم الرَّهَبُ ، كقوله تعالى: "مِنْ الرَّهْبِ" أي بمعنى الرهبة"، وهو في المعجم الوسيط، الإرهابيون: "وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية". وفي المنجد كلمة الإرهابي تدل على كل" من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطة".
ولكنها في كتاب الله، القرآن الكريم وردت في بعض آياته ذكرٌ لكلمة "الإرهاب"، في مناسبات عديدة من سوره، وبصيغ مختلفة، منها قوله عز وجل: "يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" (البقرة: 40).
وكذا قوله: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" (الأنفال: 60).
تأسيساً على ما ذكر اعلاه ، فإن وصف حركة حماس، "وبخلاف أنه وصف طبيعي من دولة ترعى إرهاب الدول، وهو ما تحدث عنه المعجم الوسيط والمنجد"، فهو وصف لا عيب فيه ولا إجرام، وذلك لأسباب ذكرنا بعضها تضميناً في الآياتين القرآنيتين الواردتين في سورة البقرة والأنفال، والله هنا يخاطب بني إسرائيل، بشكل مباشر وواضح ومسمى.
وعليه لا أجد في الوصف أي اشكال المفترض أن نتوقف أمامه، خاصة ونحن نعلم أن كافة حركات العمل الوطني الفلسطيني مارست ذات الممارسة لإرهاب المحتل لأرضها، والاحتلال لم يقصد به الوطن فقط، أو الأرض فقط، وإنما هو احتلال بمفهومه الفردي والجمعي، ما يعد عملا إرهابياً بوصفه عملُ تعدٍ على الآخر.
الإشكال الحقيقي الذي أجده اليوم، يكمن في ذلك الجدل العقيم الذي أخذ يتسع حتى بات يمس رصيد الوعي الجمعي فيما يخص مفهوم تعاملنا المفترض مع قضيتنا الوطنية الأساس، ألا وهي الاحتلال، فنرى الكثير من الأصدقاء، والبعض منهم يحسب للأسف على النخب المثقفة، نجدهم يناقشون الأمر من وجهة نظر المحتل للمصطلح، وهو رواية إسرائيلية بكل معنى الكلمة، فيما أساس الصراع بيننا والمحتل، هو صراع رواية قبل أن يكون صراع أرض.
حين نقرأ لأحد الكُتاب على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي سؤالا من قبيل: " بماذا يختلف تفجير الباصات في المدن الإسرائيلية عن عمليات داعش الإرهابية في اوروبا؟ " فنحن حتماً أمام أكثر من كارثة بالبعد الفكري للكلمة، حيث نجد صديقنا هنا يعترف ضمنياً بأن المدن الفلسطينية المحتلة، هي "مدن إسرائيلية مدنيّة" وفي هذا الاعتراف شرعنة واضحة للاحتلال، وإدانة مباشرة لكل فعلنا الوطني منذ ما قبل النكبة وحتى يومنا هذا
غير أنه وضع البيض الفاسد في سلة البيض الصالح دون أن يرف له جفن، وهو يساوي ما بين تعدي منظمات متطرفة ومصطنعة كـ "داعش" وبين حركات وطنية مارست حقها القانوني والإنساني والأخلاقي في الدفاع عن أرضها ومحاولة تحريرها، والحديث هنا لا يتوقف عند حركة حماس وحدها، وإنما يطال كافة فصائل العمل الوطني.
والمشكلة لا تتوقف عند صفحة صديقنا المشار إليه أعلاه، ولكن تنزاح لتصل لأسماء فكرية وثقافية وازنة في المشهدين الثقافي والوطني الفلسطيني المعاصرين، ونحن نقرأ لأحد هذه الأسماء عدة محاولات متتالية لمساوة الإرهاب بمفهوم المنجد - وهو يتحدث عن إرهاب من يلجأ إلى فعل الإرهاب لإقامة سلطة- ويقصد حركة حماس بسيطرتها على قطاع غزة، الأمر المرفوض وطنيا وأخلاقيا، وبين إدعاء زعيم استعماري كترامب وهو يحاول إدانة كل فعل وطني مقاوم للاحتلال.
نعم هنا يكمن الإشكال الحقيقي لما يدور في أفق الحوار حول ما ورد في خطاب ترامب، وهو أمر بديهي وطبيعي، قد يراه بعض المتابعين والمحللين للشؤون السياسية، فعل تلميع يُقصد به الدفع بحالة التفاف جماهيري حول حركة حماس للدفاع عنها، لتهيئتة الوعي الجمعي لقبول تنازلات قد تطلب منها مستقبلاً، وهو بالمناسبة أمر حدث من قبل مع حركتنا الوطنية ولو بشكل جزئي مختلف نوعاً ما.
لذا علينا ألا نقع في فخاخ الرواية الإسرائيلية المدعومة إعلاميا وسياسياً من هذا الغرب المستعمر لبلادنا، والحديث هنا لم يأت للدفاع عن حركة حماس، وإنما لإدانة أي محاولة لاستيلاب الوعي الجمعي الذي بات مستهدفاً بشكل مكثف في ظل تطور تكنولوجيا الاتصال، وانتشار ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، وهي تلعب دور مواقع الإلهاء الجمعي، وفي نظرية الإلهاء، كتب العديد من الكتاب والمفكرين العرب والأوروبيين ومنهم نعوم تشومسكي ضمن استراتيجياته العشر للتحكم في الشعوب.