الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مروان كنفاني يكتب لـ "الحدث" | لماذا فشلت المصالحة.. لماذا فشل التوافق؟

2017-05-23 10:15:27 AM
مروان كنفاني يكتب لـ
مروان كنفاني

 

ربما يجيب الكثير من الفلسطينيين بأن السبب ببساطة يكمن في أنه لم يكن هناك منذ البداية رغبة في إنجاحها من نفس الأطراف التي دعت إليها. ويمكن أن يكون هذا التفسير مقنعاً لهم نتيجة للتجربة التي تمت في هذا الصدد خلال العقد الماضي من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني الطويل، تلك السنوات العشر الماضبة التي شهدت حكومة منفردة لحركة حماس في شهر مارس/ آذار عام 2006، ثم مصالحة واحدة أنجبت حكومة وحده وطنية فلسطينية أولى في شهر فبراير/ شباط عام 2007، وحكومة توافق ثانية لم تترافق مع مصالحة جديدة في عام 2014. هل سنرى حكومة توافق ثالثة وجديدة وفق هذه المتتالية الزمنية في العام 2021؟

 

المصالحة هي تعبير ومفهوم لغوي يعبّر عن التوصل بين شخصين أو طرفين متخاصمين إلى صيغة توافقية جديدة للعلاقات بينهما قائمة على فهم مشترك لطبيعة هذه العلاقة والشروظ التي تحكمها. هذا يعني ببساطة أن هذه العلاقة وشروطها المتفق عليها من قبل الطرفين هي علاقة مبنية على أسس جديدة تتجنّب الخلافات والإصطدامات التي شابت العلاقة القديمة، علاقة قائمة على اتفاق مشترك جديد حول أبعاد التفهّم والشراكة والمواضيع التي تم الإتفاق عليها والتي تهدف إلى تجاوز الخلافات والصدامات المستقبلية.

 

ولكن المصالحة الفلسطينية التي تم الحديث عتها خلال السنوات العشر الماضية لم تعكس ذلك التعريف، ولم تتم بذلك الأسلوب ولم تهدف سوى إعادة توزيع تقاسم السلطة والغنائم وتأكيد الخلاف حول الأهداف والوسائل بين الطرفين المعنيين، بالرغم من الإبتسامات والمجاملات والموائد والرحلات السياحية في بلدان عربية مختلفة. وإلاّ لماذا استغرقت المصالحة الفلسطينية بين تنظيمين فلسطينيين يواجهان نفس العدو ويعاني شعبهما نفس الاحتلال والقتل والهدم وسرقة واستيطان الأرض تلك المدة الطويلة المجللة بالفشل؟ لماذا استغرقت تلك المصالحة بين أشقاء في الدم والهم أكثر مما احتاج التوصل إلى "مصالحة" بين الولايات المتحدة وإيران، رغم بعد المسافة والاختلاف في العرق والدين والأهداف والوسائل؟

 

المصالحة والتوافق يحتاجان أول ما يحتاجان لضمان النجاح إلى التوصل لاتفاق مشترك حول نقاط الخلاف وكيفية التعامل المشترك والموحّد حولها. الاتفاق حول الأهداف، ووسائل تنفيذها، ومواجهة العالم بأسره بموقف فلسطيني موحّد وثوابت فلسطينية أساسية متفقة مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة وتأييد كافة أعضائها. إن الإختلاف والإنتظار هما صنو الفشل في تحقيق أهدافنا ورفع الظلم والعذاب عن شعبنا.

 

تشكّل الدول، كل الدول، وزاراتها التنفيذية وأهدافها المرحلية وسياساتها الخارجية والداخلية وفق مفهوم الأغلبية المطلقة في البرلمانات التي تعطي تلك الوزارة الشرعية للحكم. أو، في معظم الحالات، يتم تشكيل الوزارات من ائتلاف بين حزبين أو عدة أحزاب لضمان تمريرها في البرلمانات ومنحها شرعية الحكم. ولكن هذا الإئتلاف لا يتحقق من خلال الولائم والسياحة، بل من خلال إتفاق الأحزاب والأفراد اللذين سيشاركون في الوزارة على برنامج عمل مشترك يضم كل كبيرة وصغيرة تم الإتفاق عليها، بحيث تكون الوزارة الائتلافية كتلة واحدة موحدة لا اختلاف أو تعارض في أدائها، وحين يخرج أحدها أو فصيل من أعضائها عن بنود الإتفاق المشترك يتم خروجهم من الاختلاف والعودة لانتخابات جديدة أو إعادة تكليف رئيس الوزراء أو تكليف رئيس جديد لوزارة جديدة. هكذا يتم تشكيل الوزارات الائتلافية في بلدان العالم المختلفة.

 

تمّ، في عام 2006 وبعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية تكليف رئيس وزراء منها لتشكيل الوزارة الفلسطينية، بعد أن رفضت معظم الفصائل الفلسطينية ومنها حركة فتح المشاركة في تلك الوزارة، قيام حركة حماس في شهر مارس/ آذار بتشكيل وزارتها منفردة، ولكن تلك الوزارة، التي لم تشهد نجاحاً واحداً لحين تشكيل وزارة أخرى بعد عام تقريباً، تولت قيادة العمل الفلسطيني على أرضية لا تقود إلاّ للصدام. ويكفي لتأكيد ذلك المقارنة بين فحوى بيان الرئيس محمود عباس التوجيهي الموجّه، وفق الشرعية والتقاليد، إلى رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية، وبين فحوى خطاب رئيس الوزراء هنية أمام المجلس التشريعي الجديد الذي منحه الثقة على برنامجه الوارد في ذلك الخطاب والذي يتعارض نصّاً ومعنى مع توجيهات الرئيس عباس له.

 

استغرق التخبّط والصدامات اللفظية والمسلّحة أحياناً بين أنصار خطاب وبرنامج الرئيس عباس وبين أنصار خطاب وبرنامج رئيس الوزراء هنية، وعرض الرئيس عباس إعادة الإنتخابات ورفضت حماس، وفشلت مبادرة قطرية في رأب الصدع. بعد قرابة عام تقريباً على الإنتخابات الفلسطينية تدخّل المرحوم الملك السعودي عبد الله بن عبد العزبز لجمع الطرفين و"مصالحتهما" وكما قيل "مكافأتهما" أيضاً، في مكة المكرمة في شهر فبراير/شباط من عام 2007. تم نتيجة لتلك المصالحة تشكيل "حكومة وحدة وطنية فلسطينية" شاركت فيها غالبية الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح. هذه المصالحة وتلك الحكومة هما اللتان حققتا فصل قطاع غزة ومن فوق أرضه من فلسطينيين عن الضفة الغربية وما فوق أرضها من فلسطينيين لأول مرة في تاريخ فلسطين منذ خمسة عشر قرناً أو تزيد. كان ذلك مثالاً محرجاً للعمل بدون التوصل لبرنامج سياسي مشترك أو ربما لتجاهل متعمّد لذلك البرنامج.

 

وما زال شعبنا، بعد حوالي ثلاث سنوات من حكومة ائتلافية فاشلة أخرى، ينتظر مصالحة وحكومة ائتلافية أخرى.

 

مروان كنفاني- مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات