تجليات
دائماً ما يكرر وزير الخارجية الإسرائيلي اليميني المتطرف "أفيغدور ليبرمان" مقولة رئيسة الوزراء الإسرائيلي الأسبق "جولدا ميئير"، وهي التي كانت كلما صدر قرار دولي لصالح العرب، تردد كلمة (أوم شوم)، أي أن الأمم المتحدة وقراراتها لا شيء ولا تساوي قشرة الثوم.
ولكي لا يسمع المسموع، لم يستدعِ رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وزير خارجيته إلى جلسة مجلس الوزراء المصغر لشؤون الأمن، لمناقشة تداعيات اعتراف كل من السويد ومجلس العموم البريطاني بالدولة الفلسطينية، واحتمالية أن يرتفع عدد الدول التي ستحذو حذوهما.
وكانت الأخبار الواردة من مدريد، قد تحدثت عن ضخ مشروع اقتراح لمجلس النواب الإسباني، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن التقديرات الإسرائيلية التي تحدثت عن احتمالية وصول عدد الدول الأوربية المعترفة بالدولة في المدى القريب، إلى أكثر من عشرين دولة، وبالرغم من ذلك، ادعى وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارات "يوفال شتايمتس"، أن الفلسطينيين لن يحققوا أي شيء، على الأقل خلال الخمسة أو العشرة أعوام القادمة، لأن هذه الفترة ستشهد تطورات في العالم العربي، تغير من ملامحه وترسم خارطة غير تلك التي عُرف بها الشرق الأوسط قبل الربيع العربي، مضيفاً أن الانتصار، سيكون انتصاراً معنوياً للفلسطينيين، أما عملياً، فليس لمثل هذه المواقف أية قيمة عملية، أو أنها ملزمة حتى بالنسبة للدول التي أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية مثل بريطانيا، قائلاً: "إن هذا الإعلان لم يصدر عن الحكومة البريطانية على غرار وعد بلفور في عام 1917 الذي صدر عن الحكومة البريطانية والتزمت بتطبيقه".
لو ربطنا ما تقدم مع المواقف والتحركات الأخيرة لسكرتاريا الأمم المتحدة برئاسة "بان كي مون"، إلى جانب مواقف الخارجية الأمريكية بزعامة "كيري" تحديداً، سنلحظ دون عناء يذكر، ملامح تغيير واضحة في سياسة تعاطي الغرب مع فكرة الحق الفلسطيني، وإدانة الممارسات الإسرائيلية، ليس حباً في الشعب الفلسطيني خاصة أو العربي عامة، وإنما درءاً للمخاطر التي باتت تهدد المصالح الغربية في المنطقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
في الأثناء، هناك شبه غياب تام عن الحضور أو الفعل، سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي أو الدولي، عما يجري في القدس من تهويد كامل للمدينة، وإنهاء فعلي للوجود العربي، في مقابل محاولات مستميتة من فئة شباب القدس، في ظل عدم وجود قيادة سياسية أو ميدانية تقود الفعل المقدسي.
والخطر في الأمر أننا ومعنا المجموعة العربية، ما زلنا نتحدث عن تقسيم زماني ومكاني، فيما تعمل المؤسسة الإسرائيلية بكامل أركانها على إنهاء الوجود العربي، تحديداً داخل باحات المسجد الأقصى، ومن حوله، وما تفاعل وتعاظم هجمة الاستيلاء على عقارات المدينة، إلا شكل من أشكال الوصول إلى الغاية المرجوّة لاختلاق وضع ديمغرافي مختلف عما كان، وإن كانت نسبة اليهود أقل من نسبة العرب، تحديداً في القدس الشرقية.
وهنا يمكننا القول، نعم هناك فاعلية مهمة للعمل السياسي على المدى الاستراتيجي، وهو الدور الذي يجب الانتباه له ومقارنته مع فعل الآخر المحتل، أي إسرائيل، الذي وظفته وعملت عليه تحت مظلة الحركة الصهيونية عقوداً طويلة لإنشاء دولة للشعب اليهودي، الأمر الذي يؤكد نجاعة هذا المسلك، وإن استهلك الكثير من الوقت والدماء معاً، ولكن بشروط وأدوات وممارسات محددة وواضحة من الفعل، وهنا يأتي السؤال، هل ستساوي القرارت الأممية شيئاً في ظل غيابنا شبه التام عن الفعل على أرض الواقع، مما سينتج عاجلاً أو آجلاً تغييراً كاملاً لوجه المدينة المقدسة؟ أم أنه سينتهي مآل المدينة بدخولها دائرة التغيير الذي بدأت تشهده المنطقة بأكملها في سياق تغير ملامح وحدود الشرق الأوسط الذي عُرف به قبل ما يسمى بـ "الربيع العربي"، ما يعني عملياً أن أمر القرارات الأممية لن يعدو كونه "أم شوم" أي لا تساوي أي شيء ولا حتى قشرة الثوم؟