"كتبت هذا المقالة قبل ثلاثة أسابيع وتوقعت فيها انتصار الأسرى لسبب بسيط وهو أن لاخيار أمامهم غير ذلك، واظن أنها صالحة أيضاً اليوم للنشر".
لم يكن الأسرى الأبطال عندما أقدموا على معركتهم الاستراتيجية بإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام منعزلين عن صعوبة الواقع وما تتعرض له الحركتين الوطنية والجماهيرية من صعوبات بل وتراجعات خطيرة، لسنا بصدد بحث دوافعها وجذورها ودلالاتها على مسيرة الكفاح الوطني الذي دفع الأسرى و قبلهم الشهداء سنوات عمرهم وحياتهم في مجراها المتدفق.
ولم يكن بالإمكان في ظل استفحال حالة الانقسام والتشرذم وضياع البوصلة وتغييب الأولويات، أن ينتظر الأسرى معالجة هذه القضايا للنهوض من أجل الدفاع عن حقوقهم الانسانية ومواجهة استراتيجية المحتل لمخططات إخضاع ارادتهم وسلبهم إنجازهم التي حقوقها بدمائهم على مدار خمسين عاماً من النصال داخل السجون وخارجها، فهذه القضايا الخطيرة الجاثمة على صدر الشعب وفي مقدمتهم الاسري هي كلمة السر لجوهر و خلاصة الاستراتيجية العدوانية ضدهم ، ناهيك عما كان يخطط لمصادرة ما تبقى من إنجازات وتفتيت الحركة الأسيرة، بالإضافة إلى محاولات حكومة الاحتلال اشطب حقوقهم المعنوية وحقوق اسرهم وفي مقدمتها حقها في الحياة الكريمة، ومحاولات وصم نضالهم بالارهاب ، بل إن وضع هذه القضايا في مجري المكاشفة الشعبية كانت واحداً من دوافع الأقدام على معركة الإضراب لإعادة تسليط الضوء علي حقيقة التناقض الرئيسي الذي علينا الأمساك به متمثلاً بالاحتلال و استراتيجيته التصفوية التي تطل برأسها في كل مجالات حياتنا و قضايا شعبنا وفي مقدمتها قضية الأسرى عنوان الكرامة والتحدي و الوحدة .
بدخول الإضراب أسبوعه الثالث وما حققه من إنجازات وما يطرحه من تحديات و دلالات علينا أن ندقق بما حققه حتى الآن،
أولا: لقد وضع الإضراب قضية الأسرى كقضية توحد الشعب بصورة ملموسة و بأنها ليس فقط فوق الخلافات و الانقسامات العبثية، بل فهي مدخلاً لاسترداد الوحدة ، و في هذا السياق ، فقدزاظهر الإضراب أن كل من يدير الظهر لقضية الأسرى لحسابات خاطئة أو فئوية سيجد نفسه في عزلة شعبية تتعمق يوميا .
وثانياً: فقد أكدت هذه المعركة أن أولوية الشعب هي قضيته الوطنية و استعداده الدائم للانخراط فيها و التضحية العالية من أجل بلوغ أهدافها . وعلينا ألا نستخف بهذا الإنجاز، فقبل يوم واحد من بدء الإضراب و في ظل تعمق الانقسام كان الاحباط من القدرة على استعادة الروح الكفاحية هو السائد رغم هول التضحيات التي قدمها شعبنا على مدار خمسين عاما من الاحتلال وسبعين عاماً من النكبة .
وثالثاً: فقد أزاحت هذه المعركة المستمرة الغبار الكثيف عن جوهر القضية الوطنية ، وأطاحت بسنوات من التردد التي اضرت بقضية شعبنا و حقوقه التي دفع الأسرى أعز ما يملكون مت أجل نيلها و تجسيدها .
إن مساراً جديداً تشقه الحركة الأسيرة و تضعه أمام شعبنا كاستحقاقات لمراجعة عملية و ملموسة لواقع الحركة الوطنية و متطلبات النهوض بدورها و ليس فقط استمرار الدعوات لفظية المجردة للقيام بهذه المراجعة .
لقد تمكنت الحركة الأسيرة من إلقاء حجر معاناتها من سياسة الاحتلال ضدها ، و التي تكثف و تبرز طبيعة سياساته لمحاولة تصفية الحقوق الوطنية ، في بركة الحالة الانتظارية و التردد و أنصاف المواقف و الرهانات التي ثبت فشلها، فالدوائر التي أحدثها الإضراب تتسع يومياً وتطرح أسئلة ومهام الحركة الوطنية كحركة تحرر وطني وتعيد التذكير بأن دور المؤسسات الوطنية سواء الحكومية منها أو الأهلية يتمثل فقط في تعزيز صمود الشعب و تطوير قدرته على مجابهة الاحتلال و سياساته الهادفة إلى مصادرة أرضه ومصادر رزقه وحياته تمهيداً لتهجيره في أي لحظة مؤاتية و يقترب خطرها يومياً .
نعم أيها الأخوات والإخوة لقد أعاد الإضراب ترتيب أولويات الاجندة الوطنية وفي مقدمتها وحدة شعبنا بديلاً عن الانقسام و تعزيز هذه الوحدة من أجل النهوض الوطني لافشال مخططات الاحتلال .
ورابعاً ، لم يكن للأسرى أن يستمروا بالإضراب دون المساندة الشعبية ، وها هو الإضراب و ما يرافقه من تحركات شعبية يدفع مؤسسات الاحتلال لإدراك أنه لا يمكن تجاهله ولا تجاهل مطالبه و ستكون مضطرة لبدء التفاوض مع قيادة الإضراب خلال الأيام القادمة ، وعلينا أن ندرك و كما علمتنا التجربة أن دخول اسرائيل بالتفاوض مع قيادة الأسري لا يعني التسليم لمطالبهم بقدر ما هو محاولة للالتفاف عليها وعلى التحركات الشعبية ، إن هذا الإنجاز سيكون بالتأكيد معرضاً للخطر إن لم يترافق مع مضاعفة تحركات المساندة الشعبية والسياسية هنا في فلسطين المحتلة و كذلك على الصعيدين العربي والدولي .
خامساً لقد أربك الإضراب مخططات ادارة السجون و محاولات حكومة السجانين العنصرية من الانقضاض على حقوق الأسرى و انجازاتهم و المطلوب إفشال هذه المخططات و اسقاطها وهنا التحدي و جوهر المعركة .
الأيام القادمة حاسمة والاسناد الشعبي أساسي لحسم المعركة وتتويجها بالانتصار. وهذه هي الرسالة الأهم بأن الانتصار ممكن والهزائم ليست قدراً.
ويبقى إذكاء روح المقاومة كخيار أول لمواجهة المحتل هو الدرس الأهم والاستخلاص الأول لمعركة لا خيار لنا فيها سوى الانتصار .