لم يتطرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال كلماته الرسمية التي ألقاها في واشنطن أثناء استقبال الرئيس محمود عباس، ثم في بيت لحم والقدس خلال زيارته للمنطقة، إلى أي من الحقوق السياسية والوطنية للفلسطينيين. فلا ذكر لحل الدولتين، ولا لإنهاء الاحتلال، أو حق تقرير المصير مكتفيا بالحديث المبهم عن نيته بذل جهود لتحقيق تسوية سلمية.
لكن الأبرز كان في تبني ترامب الحرفي لرؤية نتنياهو عن السلام الإقليمي وتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، ( يعلن نتنياهو صراحة استحالة تحقيق تسوية سلمية خلال عهد الجيل الحالي ويستعيض عن ذلك بالحديث عن سلام اقتصادي)، ثم يستفيض في الحديث عن مسؤوليات السلطة الفلسطينية في محاربة الإرهاب ومنع التحريض ويمتدح التنسيق الأمني، وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن المطالب الثمانية التي نقلها مبعوث ترامب، جيسون غرينبلات للفلسطينيين هي في الحقيقة مطالب إسرائيلية معروفة ومكررة، وكأن المبعوث الأميركي لم يكن أكثر من ساعي بريد.
من الواضح أن ترامب لا يملك أية تصورات تفصيلية للحل، وأن إدارته ما تزال في طور بناء الرؤية، ثم إن نتائج زيارة ترامب والصفقات السياسية والاقتصادية التي أبرمها في السعودية مع دول الخليج بشكل خاص ومع معظم الدول العربية والإسلامية، ستغنيه عن الحاجة الماسّة لحل عقدة الصراع التي استعصت على 12 رئيسا أميركيا من قبله، منذ هاري ترومان وحتى باراك أوباما.
سيكتفي ترامب إذن ببعض الصور التذكارية لإطلاق مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، ضمن عملية سلام إقليمي. مفاوضات لا تفضي إلى شيء، وغير محكومة بمرجعيات قانونية وقرارات أمم متحدة، ولا بجدول زمني أو هدف واضح، ومن دون رعاية أو إشراف دوليين، عدا الاحتكار الأميركي لهذا الإشراف، والمشاركة العربية الخليجية إلى جانب الأوروبية في التمويل.
من الممكن أن يترافق إطلاق المفاوضات مع بعض إجراءات بناء الثقة، من قبيل تخفيف بعض القيود والحواجز الإسرائيلية، وتمديد أوقات العمل على الجسور، وتفعيل اتفاقيات سابقة لبناء مناطق صناعية مشتركة على حدود الضفة والقطاع. ومن الجانب الفلسطيني الالتزام بتنفيذ دفتر شروط غرينبلات، ويبدو أن القيادة الفلسطينية لم تعد متمسكة بقوة بالشروط التي سبق إعلانها لاستئناف المفاوضات كوقف الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى ( الدفعة الرابعة ومن أعيد اعتقالهم من محرري صفقة شاليط).
هناك عدة عوامل قد تدفع القيادة للالتحاق بالمفاوضات وفق هذه الشروط المجحفة ومنها إحساسها بأن قطار ترامب المندفع سيتجاوزها إن لم تلتحق به، إضافة إلى ما يحصل في الإقليم من دمار وحروب أهلية فضلا عن مواقف غير ودية من بعض الدول، وفوق كل ذلك التحولات الجارية في حماس وآخرها الوثيقة المعدلة، والتي بدل أن تصب في خدمة تعزيز وتصليب الموقف الفلسطيني فقد بدت وكأن حماس تؤهل نفسها لكي تكون بديلا لفتح والمنظمة.
خلاصة القول أن القيادة الفلسطينية إذا التحقت بهذه المفاوضات فإنها ستلتحق من موقع الضعف والانكشاف، والوحيد الذي يفرك يديه فرحا بهذا الاستئناف هو نتنياهو الذي يريد استئناف المفاوضات ولا يريد حلا في الأمد المنظور، الخيار الأفضل للقيادة الفلسطينية سواء التحقت بالمفاوضات أو لم تلتحق، هو أن تعمل على تحسين أوراق القوة المتاحة ودون ذلك ستدخل وتدخلنا معها في متاهة جديدة كالتي عايشناها وخبرناها على جلودنا طوال ربع القرن الماضي.