تفاجأت كما تفاجأ الجميع بالقانون الصادر عن مجلس الوزراء والخاص بمعاقبة كل من يتناول الطعام جهراً خلال شهر رمضان المبارك بالحبس شهرا كاملا، وكأن جميع مشاكلنا الوطنية والاجتماعية والسياسية والتربوية والأخلاقية والديمقراطية والمدنية على ما يرام، ولا ينقصنا إلا هكذا قرار.
إن نضال الشعب الفلسطيني منذ نشوء منظمة التحرير الفلسطينية قام على إعادة الحقوق المغتصبة، وحق تقرير المصير، وإقامة دولة ديموقراطية تقوم على عدم التمييز بين أبناء وفئات الشعب الفلسطيني بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين ... إضافة إلى المساواة الكاملة في الحقوق، وهذا ما ورد بشكل واضح وجلي في إعلان الاستقلال.
أعتقد كمواطن فلسطيني أنه من الأحق والأجدر العمل على الحد من العديد من الظواهر التي تقض مضجعنا مثل ظاهرة التحرش الجنسي والجرائم التي ترتكب على خلفية الشرف وملاحقة تجار المخدرات التي أصبحت آفة فتاكة تدمر شبابنا وتعديل القوانين التي تساوي بين أفراد المجنمع في حرية المعتقد والانتساب ومراقبة ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتطبيق أنظمة وقوانين السير وغيره...
ما المغزى من هذا التشريع؟ هل وراء الأكمة ما وراءها؟ هل يريد مجلس الوزراء الإثبات لبعض القوى السياسية الأخرى بأنه الحاكم بأمر الله؟ وهو أشد تطبيقا للقوانين المتعلقة بأمور الدين، مع العلم أن هذه الخطوة تعود بالضرر على السلطة أولاً بتخليها عن أهم المبادئ التي قامت عليها منظمة التحرير ودونما قراءة جيدة لعواقب هذا القانون على العديد من الصعد وأهمها فيا يتعلق بحرية الرأي والممارسة واحترام الآخر، وثانيها لم يُرضِ مجلس الوزاء معارضيه إن سار على دربهم ونهجهم.
إن كل ما تم تناوله لانتقاد ونقد هذا التشريع لا يعني بأي شكل من الأشكال عدم احترام عقائد ومبادئ الآخرين والمجاهرة بخرقها، بل جعل من الرقابة والحصانة الذاتية طريقا حرا لاحترام معتقدات الآخرين دون فرضها وإسقاطها.
من هنا أرى أن هذا القرار جاء مخالفا للتركيبة والتوليفة الفلسطينية التي اعتدنا، إضافة إلى أنه يجمح ويفرمل بشكل فض حرية التعبير والممارسة، ولا يعتبر في الاختلاف قاعدة صلبة للبناء والتقدم، ناهيك عن بذور التطرف الذي يحمله هذا التشريع في محتواه وطياته، في ظل محيط موبوء.
لذلك أدعو مجلس الوزراء الموقر بالتراجع عن هذا القانون لما فيه احتراما للتنوع الفلسطيني، كذلك أهيب بمؤسسات المجتمع المدني التصدي لهذ القرار والاعتراض عليه حتى يمنع تنفيذه. إذ أن أهم ما يميز المجتمع الفلسطيني التنوع الثقافي والفكري والديني، والذي على أساسه خاض الشعب الفلسطيني نضاله ومقاومته من أجل إقامة دولة فلسطينبة ديمقراطية تكون مثالا ونبراسا ومنارة يحتذى بها...فدعونا نحافظ على ذلك.