الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن الثالوث الصحفي في بلادنا ! بقلم : محمد شريم

إشارة

2017-06-05 08:34:01 PM
عن الثالوث الصحفي في بلادنا !
بقلم : محمد شريم
محمد شريم

لا أحد ينكر ما للصحافة في عصرنا الراهن من الأهمية في خدمة الأمم والأوطان ،حتى أنهم سموها السلطة الرابعة.

 

ولكن حتى تقوم الصحافة بدورها خير قيام، يجب عليها أن تقوم في عملها على أسس متينة أهمها: المهنية والموضوعية، وقبلهما الإيمان برسالة الصحافة من قبل العاملين فيها ، وهي الأسس التي أعتبرها الثالوث الصحفي غير القابل للتجزئة.

 

فالمهنية ـ في العمل ـ تجعل العاملين في الصحافة تواقين لتطوير أنفسهم في مجال مهنتهم ، من خلال الاطلاع على تجارب العاملين الآخرين في هذا المجال ، وتهوّن عليهم تقبل الملاحظات والنقد ، وتحفزهم على تنمية مهارات التواصل والبحث عن وسائله ، وتشجعهم على حسن توظيفها ، ذلك بالإضافة إلى حثهم على تطوير أدواتهم المهنية ، وفي مقدمتها اللغة والقدرة على التعبير، فما دامت مهمة الصحفي هي استقبال الأخبار والمعلومات والبحث عنهاـ وتحليلها أحيانا ـ وصياغتها وإرسالها إلى المتلقي ، فإن للغة الدور الأكبر والمحوري في مهمته ، وهذا ما يفرض عليه إعطاءها عناية خاصة.

 

أما الموضوعية، وهي ذلك الحيز الذي يعمل فيه الإنسان بعيداً عن أية غايات أو ميول شخصية تؤثر على أدائه في عمله، فإنها تجعل من العاملين في الصحافة رقباء على أنفسهم في التجرد من الهوى الشخصي ، ومن سطوة الانتماءات والعلاقات بمختلف مسمياتها أثناء عملهم الصحفي.

 

وفيما يتعلق بأهمية الإيمان برسالة الصحافة ، فهو المدخل الأول للعاملين في هذا الميدان ، والأساس الأقوى للبناء الصحفي ، وبغير هذا الأساس ينتفي ـ أو يضعف ـ وجود الأساسين السابقين .

 

والسؤال الذي يجب أن يطرح الآن يتعلق بمدى التزام صحافتنا ، والعاملين فيها بهذه الأسس . وللإجابة على تساؤل بهذا المعنى يلزمنا إجراء دراسة بحثية أكبر من هذه المقالة وأشمل ، ولكنني من خلال هذه السطور أستطيع أن أقول إنمن الصعب أن نجد واحدة من مؤسساتنا الإعلامية ملتزمة بها التزاماً صارماً ، ولكن يمكنني أن أقول أن هذه المؤسسات متفاوتة بمدى التزامها بهذه الأسس ، ودليلي على ذلك هو أن عدداً من المؤسسات الصحفية قد ضعفت بعد قوة ، وأخرى كان مصيرها الانهيار والاندثار ، وما كانت لتتردى إلى هذا المصير المؤسف لو التزمت بدرجة معقولة من الأسس التي أشرنا إليها.

 

والمتابع للحالة الصحفية ، أو القريب منها ، تطالعه الكثير من الأمثلة التي تدلل على قلة الالتزام بالأصول المهنية في بعض هذه المؤسسات ، ومن هذه الأمثلة : الضعف في اللغة ، وهو الأمر الذي يودي بالصحفي أحياناً ـ دون قصد منه ـ إلى منزلقات قد تصب في خانة خدمة أطراف معادية ، ومنها أيضاً عدم تقبل الملاحظة بصدر رحب ، بل بعداء شديد ،قد يصل إلى درجة المقاطعة أو التعتيم على أخبار بعض الشخصيات التي تبدي حول عمل هذا الصحفي أو تلك المؤسسة الصحفية ملاحظة أو رأياً، وأنا أعرف بعض تلك الشخصيات ، ولي شخصياً في ذلك قصة ، سأشير إليها لاحقاً.

 

أما عدم الالتزام بالموضوعية في نقل الحدث والتعليق عليه ، فهو أمر ملاحظ عند الكثير من مؤسساتنا الصحفية التي تتعامل مع الحدث بمنطق القبيلة ( وما أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ ..) ، فإن هذه المؤسسات لا تترك باباً يمكنها من خلاله التهليل للحزب أو الفئة أو رب النعمة إلا طرقته ، ولا تدع مجالاً لشيطنة الخصم أو المنافس والتعتيم على أخباره إلا أتته ، دون أن يكون لديها من الموضوعية ما يسمح لها بممارسة مهارة دس السم في الدسم كما يقال ، كتلك المهارة التي تبرع فيها وسائل إعلام معادية للأمة ، وهي المهارة التي كانت كفيلة بأن تستحوذ بها وسائل الإعلام تلك على مساحة ليست بالضيقة من الجمهور.

 

وبالعودة إلى قصتي ، فقد أهديت نسخة من كتابي (الوهج) الصادر عام 2004  إلى مراسل إحدى الصحف آنذاك ـ وهي في الحقيقة من الصحف التي تسير على عكازتين ـ وعندما لم تنشر الصحيفة خبر صدوره راجعت المحرر هاتفياً ، بناء على نصيحة المراسل ،فقال المحرر: نشرنا الخبر قبل يومين .فقرأت له العنوان الرئيس لكل واحد من أعداد الصحيفة الصادرة منذ أسبوع ،مؤكداً له أن الخبر ليس في أي منها ، فما كان منه إلا أن قال : هل تكذبني؟ فقلت : أستغفر الله! أعداد الصحيفة التي قرأتها على مسمعك الكريم هي من فعلت هذا! ومنذ ذلك الحين وضع اسمي على قائمته السوداء ، ولكني لم أخسر الكثير!