ما يدور في الشرق من إعادة ترتيب للمنطقة، وصياغة تحالفات جديدة، بصياغات متجددة، ليس حلماً نتمنى انتهاءه مع انتهاء غفوتنا، ولكنها الحقيقة التي سلم بها القادة والزعماء العرب ليس فقط في القمتين الأخيرتين، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن منذ صعود هؤلاء القادة إلى سدة الحكم، ولهذه قصة أخرى.
ما يدور في المنطقة هو الشق التطبيقي لنظرة الفوضى الخلاقة المطروحة قديماً من قبل ثعلب السياسة الأمريكية، السياسي الصهيوني الداهية هنري كيسنجر، الذي أدلى قبل عام من اليوم بتصريحات غاية في الخطورة والأهمية، إن عدنا لها، سنرى ما كان يشير إليه، وهو يحدث اليوم أمام أعيننا بدقة عالية.
وكان كيسنجر قد أكد لجريدة “ديلي سكيب” الأمريكية في شهر يوليو 2016: "إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط".
وأضح كيسنجر في تصريحاته الأخطر على الاطلاق، "لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لنا، خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى". ولننتبه لاستخدامه صيغة الجمع في القول: "لقد ابلغنا" وأظنه يقصد "الماسونية العالمية"، لكون المتلقي هنا هو الجيش الأمريكي".
خاصة ونحن نتابعة يضيف: أن أمريكا وإسرائيل قد جهزتا نعشاً لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش، لتتمكن "أمريكا الماسونية" من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان سوى لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة” انتهى الاقتباس.
إشارة كيسنجر لحكومة واحدة تُسير دفة حكم العالم يأخذنا مباشرة، لإطلاق الإعلام المصري بقصد أو دون قصد لمسمى "مجلس إدارة العالم" في تعليقه على صورة يظهر فيها الرئيس السيسي واقفاً إلى جوار الرئيس ترامب والأخير على مكتبه وسط حشد من معاونية، ما أثار ضجة من التأويل والسخرية أحياناً.
إلا أننا علينا ملاحظة ما ورد في خطاب الرئيس السيسي تعقيبا على الحادث الإرهابي الذي ضرب محافظة المينا، حينما استخدم مصطلح "سيدي الرئيس" موجهاً كلامه للرئيس ترامب، فضلا عن ما يدور الحديث حوله من تحالف عربي إسرائيلي بزعامة أمريكية لمحاربة الإرهاب ومواجهة إيران.
علينا أن نربط بين هذه الأقوال والأفعال من جهة، وبين ما صرح به كيسنجر من جهة أخرى. لنجد أنفسنا أمام نظام عالمي جديد بالفعل بلا بالقول.
ولكن ما علاقة كل ذلك بالنظام القطري قد يسأل سائل؟ وهو سؤال هام ومشروع، فمن البديهي القول: إن وضع ومكانة النظام القطري في الإقليم بعد ترامب، لم يعد، وقد لن يعود، كما كان، ببساطة لأن سلوك شخصية بمواصفات شخصية ترامب، تشبه إلى حد بعيد سلوك فرسان الأمراء الرومان، من جهة تطبيق العُرف القائل: "إن انتهى الدور الوظيفي للعبد، تخلص منه"
قد يقول قائل: أبهذه البساطة يمكننا أن نقرأ الدور القطري في المنطقة؟ الإجابة نعم، بهذه البساطة هو الدور القطري وإن بدى صغيراً وتافهاً، ولكنه لا شك لدى المُشغل كبيراً وفاعلاً، أو كان كذلك، وهذا لا يعني أن العلاقات الأمريكية أو الإسرائيلية ستقطع مع النظام القطري، كأن يغلق المكتب التمثيلي الإسرائيلي في الدوحة أبوابه في وجه زواره ومريديه من صناع الموت في المنطقة، أو أن تنقل أمريكا قاعدتي السيلية والعديد من قطر إلى محمية أخرى.
أما علاقة كل ذلك بالدور القطري في المستقبل، فيأتي من كون هذه الترتيبات التي تشهدها المنطقة بحاجة لدول رائدة لا دول وظيفية، والقصد دول تملك قدرات تؤهلها للعب دور محوري في أي مواجهة قادمة ضد موجة الإرهاب التي تضرب العالم أجمع، قدرات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالابعاد الثقافية والحضارية قبل الاقتصادية،
وهو ما لا تتمتع به دولة صغيرة مثل قطر، حتى وإن دفعت ملايين الدولارات لخلق حضارة، لا يمكن لقناة تلفزيونية مهما علا شأنها أن تشتريها، ولا مراكز يديرها مرتزقة هاربون أن تصنعها، ولا اقامة جوائز كجائزة "كتارا" يمكنها أن تحمل دولة عرفت من خلال شاشة، لتصبح واجهة لثقافة خلقت من رحم حضارة.
فالثقافة وكما يقول أصحاب الرأي والفكر، معارف وعادات وتقاليد وتراث ونمط حياة ووسائل وأدوات انتاج وسلوك.. هي محمول لا يباع ولا يشترى، ولا يورث أو يلقن، إنها حضارة أمم لا تلعب إلا الأدوار الريادية، لا الأدوار الوظيفية.