أطلق القطاع الخاص الفلسطيني نهاية العام الماضي مبادرة لتطوير الاقتصاد الوطني الفلسطيني أطلق عليها إسم “مبادرة القطاع الخاص للاستثمار..نمو وتوظيف” وقد قامت على صياغة هذه المبادرة ووضعها بشكلها النهائي مؤسسة بورتلند ترست، وهي مؤسسة أبحاث بريطانية غير ربحية تم تأسيسها عام 2003 بهدف ترويج السلام والاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن طريق التنمية الاقتصادية. وتقول اللجنة التنسيقية للمبادرة، إنه :”لا يمكن لنا، كشركات القطاع الخاص الفلسطيني، أن نقف مكتوفي الأيدي، إذ يتوجب علينا أن ندعم الجهد السياسي المبذول بأن نتحمل مسؤولية قيادة الاقتصاد المستقبلي، فعلى شركات القطاع الخاص أن تعمل على زيادة مرونة الاقتصاد والمساهمة في نموه بشكل مستدام، لضمان خلق فرص عمل على المدى الطويل.
وتضيف اللجنة التنسيقية أنه: “ولكون القطاع الخاص هو القطاع الأكثر توظيفاً في الاقتصاد الفلسطيني، فعليه أن يوجه جهوده من أجل خلق نمو ووظائف مستدامة. وكنا قد أطلقنا هذه المبادرة المدفوعة من القطاع الخاص، وبدعم من مؤسسة بورتلاند ترست في يناير عام 2013، من أجل تحديد الرؤية طويلة الأمد وخلق خطة عملية من أجل المبادرة، وقد تم إشراك عدد كبير من الشركاء على طول الطريق. كما ونأمل الاستمرار بتوسيع دائرة الشراكة ودفع تنفيذ هذه الخطة معاً، وبالشراكة مع المزيد من الزملاء من القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني وفلسطينيي الشتات. وتركز جهودنا على عدد من فرص الاستثمار القابلة للتنفيذ، من أجل التقدم في الاقتصاد الفلسطيني وزيادة مرونته وتقليل نسبة اعتماده على الدعم الخارجي. ويقوم هذا التقرير بتحديد عدد من المشاريع القابلة للتطبيق عبر المستثمرين والشركات وأصحاب المشاريع، كما تمثل مبادرة في طور التطبيق، مما يدفعنا لتوقع تطوير وتوسيع المشاريع كلما مضينا قدماً.”
وحول اختلاف هذه المبادرة عن مبادرة اللجنة الرباعية توضح اللجنة التنسيقية بأن هذه المبادرة: “تختلف عن العمل المأخوذ به حالياً عن طريق مكتب ممثل اللجنة الرباعية (OQR)، ولكنها مكملة له.... وستقوم هذه المبادرة المدفوعة من القطاع الخاص على دعم عمل اللجنة الرباعية، كما أنها ستتعزز بلا شك في حال الوصول إلى تقدم في الجبهة السياسية”.
وتقوم الحدث بنشر النص الحرفي لهذه المبادرة، لوضع جمهور المواطنين والمختصين في ضوء أبرز معالمها.
التحديات
بلغت نسبة البطالة عام 2012 ما يقارب الـ %23، مقابل %39 من البطالة بين الشباب، وتعتبر هذه النسب الأعلى في المنطقة
بلغ التباطؤ في نمو الناتج الإجمالي المحلي ما نسبته %50 في عام 2012، بعد معدل متوسط للنمو بلغ %8.2 في الفترة الواقعة بين عام 2006 و2011
ستكون هنالك حاجة لخلق 1,000,000 وظيفة جديدة للتقليل من نسبة البطالة، والوصول بها إلى %10 بحلول عام 2030
مواجهة التحديات
تم إعطاء الأولوية لخمسة قطاعات كأركان أساسية لخطة عمل القطاع الخاص: الزراعة، تكنولوجيا المعلومات والمشاريع الرقمية، السياحة، البناء والطاقة
تم تحديد أكثر من 50 مشروعاً عبر القطاعات الخمسة كمشاريع محفزة للنمو
الأثر المحتمل
ما يزيد عن 8 مليارات دولار من الناتج الإجمالي المحلي، بالإضافة إلى خلق أكثر من 150,000 وظيفة مباشرة جديدة، وحوالي 220,000 وظيفة غير مباشرة بحلول عام 2030 عبر هذه المشاريع
الملخص التنفيذي
نما الاقتصاد الفلسطيني ما بين عامي 2006 و2011 بمتوسط معدل سنوي بلغ %8.2، كما وظف ما يقارب الـ 860,000 شخص بحلول عام 2012. وقد تم تغذية هذا النمو في هذه الفترة بشكل جزئي بسبب النسب العالية من المساعدات (ما يقارب الـ 2.2 مليار دولار أمريكي عام 2008، بما يمثل أكثر من %30 من الناتج الإجمالي المحلي لذلك العام)، مما أدى إلى توسع سريع للقطاع العام.
ولكن هذا التوسع أثبت بأنه غير مستدام وسريع التأثر بالعوامل الخارجية، ومع تراجع نسبة المساعدات وصولاً إلى عام 2012 عانت الحكومة من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية، مما أدى إلى أزمة مالية شهدت تأخيرات في دفع رواتب الموظفين الحكوميين. وهبط نمو الناتج الإجمالي المحلي عام 2012 إلى %5.9 (مما يمثل أخفض نسبة منذ عام 2008)، ووصل الناتج الإجمالي المحلي الاسمي إلى 10.3 مليار دولار أمريكي، كما وصلت نسبة البطالة إلى %23.
وبسبب محدودية الخيارات فيما يتعلق بتحقيق المزيد من النمو في القطاع العام، أصبح للقطاع الخاص دور هام في إعادة التوازن للاقتصاد الفلسطيني وتقليل اعتماده على المساعدات الخارجية. وقد أثبتت المشاورات المكثفة والتحليل للقطاع الخاص بأن المبادرات المستهدفة لخمسة قطاعات ذات إمكانيات عالية بمقدورها إضافة ما يقارب الـ 8 مليار دولار أمريكي من الناتج الإجمالي المحلي الإضافي، وخلق أكثر من 150,000 وظيفة مباشرة، وحوالي 220,000 وظيفة غير مباشرة بحلول عام 2030، وبإمكان هذه المستويات من النمو المستدام وخلق الوظائف أن تتسبب بزيادة مرونة الاقتصاد والوصول إلى استقلالية اقتصادية أكبر.
ويتميز هذا التقرير عن أعمال سابقة بكونه يبحث في فرص استثمارية ملموسة يمكن للقطاع الخاص تطبيقها لتعزيز وترويج النمو وخلق فرص العمل والوظائف.
التحديات المرتبطة بتشغيل العمالة
تشهد فلسطين نمواً سكانياً بنسبة %2.9 سنوياً، ويمثل الشباب (تحت سن الـ 25) ما نسبته %58 من إجمالي عدد السكان، وقد أدى هذا النمو في القوى العاملة إلى تزايد الحاجة لخلق وظائف جديدة ومستدامة.
وبالرغم من النمو القوي للناتج الإجمالي المحلي منذ عام 2006، إلا أن نسب البطالة بقيت مرتفعة، وقد أدت محاولات الحكومة لوقف الزيادة في نسب البطالة، عن طريق زيادة القوى العاملة في القطاع العام في العقد الأخير، إلى رفع مجموع الأجور لتمثل ما نسبته %17 من الناتج الإجمالي المحلي. هذه النسبة المرتفعة، مقارنة بالدول المجاورة كمصر (%8) والأردن (%5)، تدل على أن المجال للمزيد من التوسع في القطاع العام كمصدر لخلق الوظائف أصبح محدوداً.
ويتضح لنا حجم التحدي عند النظر إلى الأرقام، حيث أن هناك حاجة لخلق 750,000 وظيفة جديدة فقط للمحافظة على نسبة البطالة الحالية البالغة 23% حتى عام 2030، ولخفض نسب البطالة إلى %10 بحلول عام 2030، يتوجب خلق مليون وظيفة جديدة، بما يمثل أكثر من ضعف عدد العاملين الحاليين.
وبالرغم من أن التاريخ يثبت إمكانية تحقيق هذا الهدف (لم تأخذ أكثر من 12 عاماً بعد توقيع اتفاقية أوسلو لمضاعفة إجمالي العمالة في الضفة الغربية وغزة)، ولكن تحقيق نسب نمو متشابهة في الـ 17 عاماً المقبلة تمثل تحدياً كبيراً بسبب الحالة الأكثر نضوجاً لسوق العمل الفلسطيني هذه الأيام.
الدور الحاسم للقطاع الخاص
بعد محادثات مع مئات الجهات المعنية، تبينت قدرة القطاع الخاص على خلق عدد كبير من الوظائف المستدامة على المدى الطويل، حيث كانت الشركات الخاصة وأصحاب المشاريع مسؤولين عن خلق ما يزيد عن %65 من صافي فرص العمل. كما تمكن القطاع الخاص، وبالرغم من الظروف الصعبة، من أن يحقق نسب نمو بلغت %13.5 عام 2011 و%10.1 عام 2012، وبالرغم من إيجابية هذه المؤشرات، إلا أنه ما يزال هنالك مجال للمزيد من التقدم.
وبمقدور قطاع خاص قوي أن يقود الطريق من أجل زيادة المرونة الاقتصادية عبر الاستثمار المباشر، بشكل يعطي الأولوية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل مع تحقيق عائدات اقتصادية جيدة، وهذا قادر بدوره على تحديد وتعزيز السياسة العامة لتطوير الرفاه العام.
مبادرة في طور الحركة
يهدف هذا التقرير إلى دراسة إمكانية تطوير وترجمة هذا النمو في القطاع الخاص، بالاستعانة بالدعم من الحكومة، إلى نمو اقتصادي على نطاق واسع وخلق فرص عمل بشكل مستدام. ويقوم التقرير بتحديد عدد من الفرص الاستثمارية سهلة التنفيذ وطويلة الأمد الواجب اتباعها من القطاع الخاص، وهذه الفرص هي نتيجة لتحليل مستفيض ومكثف، بالإضافة إلى تشاور مع الجهات المعنية عبر مدى واسع من القطاعات الاقتصادية. ومن المقترح خلق نظام أساسي لتطبيق هذه الخطة بقيادة من القطاع الخاص، ومن المتوقع تعزيز الفرص الاستثمارية المعرفة في هذا التقرير وتوسيعها وصقلها مع تقدم هذه المبادرة وزيادة عدد الشركات المشاركة في هذه العملية، ولهذا، يجب النظر إلى هذا التقرير على أنه قاعدة أساسية لبرنامج مستمر، كمبادرة في طور الحركة.
خمسة قطاعات ذات إمكانيات عالية
أظهرت التحليلات بأن قدرة القطاع الخاص على المساهمة بأكبر قدر من الفعالية تكون عبر تركيز جهوده على الخمسة قطاعات ذات الإمكانيات الأعلى وهي: الزراعة وتكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال الرقمية والسياحة والبناء والطاقة.
ولتحديد هذه القطاعات ذات الأولوية العالية، تم تقييم أكثر من 20 عنصراً من مجالات الاقتصاد الفلسطيني، لدراسة مساهمتهم المحتملة لنمو الناتج الإجمالي المحلي وخلق فرص العمل على المدى الطويل، كما تم تقييمهم على أساس مستوى الاستعداد والزخم الحالي وإمكانات التصدير. وبالرغم من وجود فرص مهمة لمبادرات تعمل على دفع النمو في عدد كبير من المجالات الـ 20 (تشمل قطاعات هامة كقطاع الصناعة)، إلا أن القطاعات الخمسة التي أعطيت الأولوية تمتلك القدرة الأكبر على تحقيق أقصى قدر من الفرص مباشرةً وعلى المدى البعيد، بالإضافة إلى العوامل الخارجية الإيجابية.
وقد تم تقييم عدد من المبادرات والمشاريع المحددة لكل قطاع من القطاعات الخمسة، ووجد بأن عدداً من هذه المشاريع لديه القدرة على تحفيز خلق فرص العمل والنمو على المدى الطويل (بشكل مباشر وغير مباشر)، وقد تم تلخيص هذه المشاريع غير الشاملة في الجدول التالي.
وتمتلك هذه القطاعات الخمسة الإمكانية على توليد ما يقارب الـ %40 من الوظائف اللازمة للتقليل من نسبة البطالة إلى %10 بحلول عام 2030. وقد تم إيجاز وتفصيل كل من هذه القطاعات مع عدد من المبادرات ذات الأثر المرتفع، ومدعومة بالتحليل المستفيض، في الصفحات التالية.
الزراعة
ساهم قطاع الزراعة بـ 502 مليون دولار (ما يقارب الـ %5) من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2012، كما ووظف القطاع ما يقارب الـ %12 من مجمل الأيدي العاملة في الضفة الغربية وغزة. وبالرغم من أن مناخ المنطقة يسمح بالإنتاجية على مدار العام، إلا أن الفلسطينيين لا زالوا يعتمدون على استيراد الطعام، بينما تقوم إسرائيل بإنتاج معظم حاجتها من الطعام للاستهلاك المحلي تحت نفس الظروف المناخية ونفس طبيعة الأرض. كما وأظهرت الحسابات عن طريق البنك الدولي أن الإنتاجية الزراعية، بقياس إنتاجية العامل الواحد، قد انخفضت إلى النصف بين عامي 1995 و2011.
%20 فقط من الأراضي المزروعة في الضفة الغربية مخصصة للمنتجات ذات القيمة العالية، ويجب العمل على استغلال الفرص المربحة المتمثلة في المحاصيل عالية الإنتاجية ذات القيمة العالية عن طريق توسيع إجمالي الأراضي الزراعية، حيث أن %12 من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية خاضعة للري (مقارنة بـ %78 من الأراضي في غزة)، ويمكن لتقنيات المياه الجديدة، مثل تحلية المياه والري ومعالجة المياه العادمة، أن تزيد من مساحات الأراضي المزروعة. كما يمكن لهذه الأساليب المساعدة في تحويل القطاع إلى محاصيل ذات قيمة أعلى (تشمل على سبيل المثال التمر أو الأعشاب أو الخضروات). وبالرغم من أن المياه العادمة المعالجة يمكن استخدامها بشكل آمن لعدد محدد من المحاصيل (كأشجار الفواكه والمحاصيل العلفية)، إلا أن استخدامها سيتيح المجال لاستخدام المياه العذبة لمحاصيل أخرى ذات قيمة عالية. ويمكن بدأ العمل على التقدم في هذا الاتجاه فوراً عن طريق مشاريع مثل إعداد مزارع عالية التقنية على نموذج المزارع التجارية، أو عن طريق بناء محطة لمعالجة المياه العادمة (تحت نماذج إشراك القطاع الخاص المختلفة).
ويمكن للاقتصاد الفلسطيني أن يظهر مع الوقت كمحور زراعي جديد في الشرق الأوسط، وأحد أبرز المصدرين لعدد من المحاصيل ذات القيمة العالية. ويمكن للقطاع الزراعي أن يصبح بحلول عام 2030 مسؤولاً عما يصل إلى 350 مليون دولار من الصادرات، بالإضافة إلى الوصول إلى أكثر من ضعف إنتاجه، أي إلى ما يزيد عن 1.4 مليار دولار، وإضافة أكثر من 36,000 وظيفة جديدة.
الركائز الاستراتيجية:
التحول إلى محاصيل ذات قيمة عالية
زيادة إنتاجية القطاع وصادراته
زيادة مساحة الأراضي المروية
تكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال الرقمية
ما يزال قطاع تكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال الرقمية في مراحله الأولى، إذ أنه مسؤول فقط عن %1 من الناتج الإجمالي المحلي (يقدر بحوالي 105 مليون دولار في عام 2012)، ويوظف ما يقدر بـ 1,500 شخص. ويكمن مجال هذا القطاع في البحث والتطوير وتعهيد البرمجيات وتوفير الحلول المعقدة للعملاء متعددي الجنسيات، وبالرغم من أن حجم الإنتاج في هذا القطاع منخفض، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن النوعية ومستوى القيمة المضافة وتعقيد العمل جديرة بالملاحظة وبتكاليف تنافسية.
إلا أن الجهود من أجل إيجاد علامات تجارية منسقة لقطاع التعهيد الفرعي ما تزال غير متواجدة، بالإضافة إلى عدم تواجد موارد بشرية كافية للإيفاء بالمتطلبات المرتفعة لشركات تكنولوجيا المعلومات (ينوه أصحاب العمل إلى وجود فجوة واسعة في القدرات تكمن في التفكير النقدي وحل المشكلات، بالإضافة إلى المهارات التقنية المتطورة مثل البرمجة وصياغة الرموز التشفيرية). كما يوجد نقص واضح في هندسة البرمجيات والتعليم الرقمي، بالأخص في المستويين الأساسي والثانوي، كما تشير الأطراف المعنية بتواجد أوجه من التقصير على مستوى الجامعات، وبرامج التدريب على مستوى الدراسات العليا.
وهناك إمكانيات واعدة فيما يتعلق بالابتكار الرقمي وريادة الأعمال، بالأخص مع إطلاق صندوق رأس المال الاستثماري المتركز على التكنولوجيا والمُسرِّع المطور حديثاً، بالإضافة إلى إعداد عدد من البرامج للمساعدة في نمو النظام الإيكولوجي القائم على الريادية.
كما ويعتبر التعليم من العوامل المساعدة الأساسية من أجل نجاح قطاع تكنولوجيا المعلومات، وعلى الأخص الوصول إلى تدريب تقني محسن على جميع المستويات. ويمكن لقطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين أن يصبح على المدى الطويل في مكان أفضل ضمن سوق المعلومات والتكنولوجيا الرقمية في المنطقة، عبر تطوير التعليم والتدريب لإنتاج قوى عاملة أكثر تعلماً وإبداعاً.
أما على المدى القصير، فهنالك فرص للتوسع في مجال تطوير البرمجيات (مثلاً لشركات تكنولوجيا المعلومات الدولية)، أو في التعهيد للعمليات التجارية المتطورة والمتخصصة (مثل مركز دعم لغوي للبنوك باللغتين العربية والإنجليزية مع متطلبات أمنية). وتقوم الخطة على المدى المتوسط على دمج قطاع تكنولوجيا المعلومات مع قطاعات أخرى وتطوير بيئة قائمة على المبادرة من أجل الشركات الناشئة، بشكل يدفع النمو في الاقتصاد الرقمي، مع إمكانية تحفيزه بشكل إضافي عبر مبادرات القطاع العام القائم على الحوكمة الإلكترونية. ويمكن لكل هذا بأن يحدث بسرعة، مثلاً عن طريق مبادرات قصيرة الأمد تبحث عن تأمين عقود تعهيد للبحث والتطوير من خمسة أو عشرة شركات متعددة الجنسيات.
ويمكن للعقد القادم أن يشهد تطورات كبيرة في مجال ريادة الأعمال الرقمية وتكنولوجيا المعلومات، حيث يمكن للقطاع بأن يتطور بحلول عام 2030 ليصل إلى 9 أضعاف حجمه الحالي، أي لما يقاربب الـ 960 مليون دولار من الإنتاج، ويوظف ما يصل إلى 20,000 شخص بشكل مباشر في وظائف تتطلب مهارات عالية.
الركائز الاستراتيجية:
توسيع التعهيد في مجال تكنولوجيا المعلومات عن طريق البحث والتطوير، بالإضافة إلى تعهيد العمليات التجارية المتطورة والمتخصصة.
تطوير وتحسين التعليم في مجال تكنولوجيا المعلومات على جميع المستويات.
تأسيس نظام إيكولوجي قائم على الريادة.
السياحة
ساهم قطاع السياحة في عام 2012 فيما يقارب الـ %2.5 من الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني (250 مليون دولار)، وخلق ما يقارب الـ %2 من مجمل الوظائف (حوالي 17,000 وظيفة)، وبعد فترة من الانحدار السريع في الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2006 (بعد نشوب العنف في المنطقة)، تعرض قطاع السياحة إلى عودة قوية إلى مستويات جيدة، ويتمثل هذا بالنمو السنوي البالغ %23 من المساهمة الإجمالية للناتج الإجمالي المحلي عبر نشاطات الفنادق. وتجذب المواقع الدينية والتاريخية أكثر من مليون سائح دولي، بالإضافة إلى ما يزيد عن الـ 3 مليون سائح محلي سنوياً.
ويتسبب عدد من العوامل الخارجية بإعاقة نشاطات هذا القطاع (تتمثل بشكل رئيسي بالمعيقات على الحركة وإمكانية الدخول)، ولكن عدداً من الثغرات الداخلية تساهم كذلك في إعاقة السياحة في فلسطين، مثل التخلف الإنمائي في عدد من المواقع المحورية والأنشطة المساعدة، بالإضافة إلى نقص تعدد الخدمات والمنتجات عالية الجودة (كأماكن الإقامة والطعام)، وضعف تأسيس العلامات التجارية، وضعف كامن في الترويج وقنوات المبيعات، وضعف جودة الخدمات المقدمة. نتيجة لهذه العوامل، يبقى عدد السياح الدوليين أقل بكثير من الـ 3 مليون سائح الذين يقومون بزيارة إسرائيل سنوياً. وقد بقي السياح الذين قاموا بزيارة كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بالبقاء لما يعادل الـ 1.2 مليون ليلة في الفنادق المحلية، بما يمثل أقل من %6 من إجمالي الليالي التي سجلت في إسرائيل (21.8 مليوناً)، كما وتصل نسب الغرف الشاغرة ما يقارب الـ %26 بنسبة أقل بكثير من نسبة الـ %66 التي سجلت في إسرائيل. ويمكن خلق آلاف الوظائف الجديدة عن طريق تشجيع الزوار على تمديد إقامتهم من يوم واحد إلى عدد من الأيام، ولتحقيق هذا يجب على القطاع أن يعمل على تطوير المزيد من المرافق من أجل إقامات أطول. وتشير تحليلاتنا إلى وجود أفضل إمكانية في 4 قطاعات في السياحة هي: (1) السائحين الدينيين و(2) السائحين الثقافيين و(3) السياحة الترفيهية من العرب والإسرائيليين و(4) فلسطينيي الشتات.
ويمكن مع الوقت تطوير وترويج ووسم عدد من المدن كعلامات تجارية، مثل بيت لحم وأريحا، لجعلها محوراً سياحياً مع إمكانية تطويره للوصول إلى درجات العالمية، على اعتبار أنها توفر تجارب دينية وتاريخية وثقافية وترفيهية على مدار العام. ويمكن لعدد من المبادرات الإضافية في كل من هذه المحاور (مثل متحف في أريحا)، مع الشراكات الدولية والاستثمار في التدريب أن تساهم في تطوير هذا النمو في القطاع.
الركائز الاستراتيجية:
تطوير مدن لتصبح زيارتها أمراً لا بد منه.
توسيع المرافق والتقديمات من أجل القطاعات السياحية ذات الإمكانية العالية.
توسيع انخراط فلسطينيي الشتات
البناء
يمثل قطاع البناء حالياً ما يقارب الـ %14 من الناتج الإجمالي المحلي (1.4 مليار دولار)، وما يقارب الـ %15 من إجمالي التوظيف، مما يجعل هذا القطاع مساهماً رئيسياً ومهماً في الاقتصاد، ولكن هناك نقص واضح في المساكن الميسورة لأصحاب الدخل المنخفض والمتوسط: ويبلغ حجم العائلة لكل وحدة سكنية 6 أفراد، ولا يزال آخذاً في الازدياد. ويبقى ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى المشكلة المتعلقة بتسجيل الأراضي، من أبرز التحديات التي تعيق هذا القطاع من التطور والتقدم.
ويتصف جزء كبير من نشاطات هذا القطاع بأنه غير مسجل، ويشرك عمالاً غير رسميين ويستخدم تكنولوجيا قديمة، مما يؤدي إلى إنتاجية منخفضة وعدم كفاءة في الإنتاج. بالإضافة إلى هذا، وبسبب ارتفاع الطلب على المنتجات الراقية، لم يتم إجراء محاولات كافية من أجل التقاط جزء أكبر من سلسلة القيمة لخفض تكاليف البناء. وقد بدأت بعض المحاولات في هذا الاتجاه، والمتمثلة في مدينة روابي (5,000 وحدة سكنية)، والتي خفضت التكلفة بنسبة %25 عن طريق شراء المزيد من المواد من المصنعين المحليين (مثل الفولاذ والأبواب)، ولكن ما زال هناك المزيد من العمل المطلوب في هذه المنطقة، ويمكن تكوين ائتلاف لقطاع البناء من أجل إطلاق دراسات الجدوى لتقييم الإمكانيات الاقتصادية للإنتاج المحلي.
ويمكن للقطاع بأن يخفض هيكل التكاليف وأن يعالج مسألة سوق المساكن الميسورة بشكل مربح، حيث يمكن لشركات البناء بأن تكوّن استراتيجية شراء تعاونية، وتسعى لتوسيع مشاريع المساكن الميسورة لتمتد إلى عدد من المدن، ويجب دعمها عن طريق مشاريع بنى تحتية ضخمة.
وإذا تم استغلال سلسلة القيمة بشكل أفضل وتم خفض التكاليف، يمكن لقطاع البناء أن ينمو ليصل الـ 2.8 مليار دولار، ويوظف أكثر من 175,000 عامل بحلول عام 2030.
الركائز الاستراتيجية:
تطوير التنسيق داخل القطاع وتحسين التكاليف.
توسيع العمل على المساكن الميسورة.
زيادة الإنتاجية العامة للقطاع.
الطاقة
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل رئيسي على الاستيراد للإيفاء باحتياجاته من الطاقة، مع استيراد %95 من هذه الطاقة من إسرائيل، كما يتصف السعر العام للطاقة بأنه مرتفع نسبياً. وتشكل الطاقة ما نسبته %6.4 من معدل إنفاق الأسرة الفلسطينية، مقارنة مع 2.7 في إسرائيل. وتشير النسب المنخفضة من استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة إلى أن محدودية توفر (وارتفاع تكلفة) الطاقة تشكل أحد أهم المعيقات أمام إمكانيات تطور ونمو الصناعة. وقد قدر الاحتياجي الإجمالي للطاقة في الضفة الغربية وغزة عام 2010 بـ 6,200 جيجا واط في الساعة، مقابل الإمدادات البالغة 4,300 جيجا واط في الساعة. وفي عام 2008، وبسبب نقص هيكلي في الإمدادات، عانت معظم العائلات في غزة من انقطاع في تيار الكهرباء لفترة تصل على الأقل إلى 8 ساعات يومياً، مع وجود عدد من العائلات التي تواجه انقطاع تيار الكهرباء لـ 12 ساعة يومياً.
وهناك إمكانية لتقليل الاعتماد على استيراد الطاقة بحلول عام 2030 عبر زيادة الإنتاج المحلي، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وبالذات الشمسية.
ويمكن البدء في هذا عن طريق تركيب الألواح الكهروضوئية على سطوح العمارات السكنية والتجارية والصناعية والمباني العامة، كما أن هنالك حاجة لتطوير كفاءة استهلاك الطاقة في كل من المنازل الحالية والجديدة والمباني التجارية والبنى التحتية. وعلى المدى الطويل، تشير تحليلاتنا إلى أن %70 من إجمالي الكهرباء في متطلبات الطاقة في فلسطين يمكن تزويدها من مصادر محلية، مع %50 من الإنتاج المحلي عن طريق مصادر الطاقة المتجددة، بشكل يتيح المجال للعائلات بصرف هذه الأموال على الاستهلاك، وللشركات على الاستثمار. ويمكن لهذا أن يخلق أكثر من 17,000 وظيفة جديدة (مقارنة بأقل من 1,000 في عام 2012)، وإضافة ما يصل إلى 2.2 مليار دولار من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2030.
الركائز الاستراتيجية:
توسيع الإنتاج المحلي للطاقة عن طريق المصادر المتجددة.
تطوير البنى التحتية للطاقة.
توسيع قاعدة إمدادات الطاقة.
التطبيق: التنظيم من أجل النجاح
سيكون التطبيق الناجح للمبادرات التي تم نقاشها في هذا التقرير بمثابة تحدٍّ كبير، بحيث سيستلزم تنظيماً مركزاً وتصميماً قوياً ورقابة كافية، بالإضافة إلى دعم واسع من القطاع العام.
وقد دار النقاش في خصوص آلية التطبيق مع الجهات الفلسطينية المعنية، وتوصل إلى تحديد خمسة عناصر مركزية لاستراتيجية التطبيق:
(1) لجنة تنسيقية مكونة من كبار رجال الأعمال، وتشمل أعضاء من الشتات، لمراجعة التقدم في كل من القطاعات المحورية.
(2) الحوار الدائم بين قادة القطاعات والجهات المعنية الخاصة والعامة، للمحافظة على الزخم وتوقع أثر المشاريع الجارية.
(3) ’نصير’ (فرد أو مؤسسة) لكل مشروع محفز، لتولي ملكية المشروع والتماس المساعدة من الآخرين وتقديم تحديثات عن التقدم في المشروع.
(4) تأسيس أمانة عامة لتسهيل إجراء الاجتماعات وتحضير المواد وقيادة تنفيذ المهام الناشئة عن الاجتماعات والمشاريع.
(5) مؤتمرات للمستثمرين تستهدف عدداً محدوداً من المستثمرين ذوي الاهتمام بالقطاعات والمشاريع المقترحة، وقد أبدى عدد كبير من الشخصيات العامة والمؤسسات اهتمامهم بالمشاركة في مؤتمر مشابه.
ويمكن لهذه العناصر الأساسية، في حال دعمها بشكل لائق بالعمل الجماعي والمنظم من الحكومة والشتات والشركاء الدوليين، أن تساعد في التأكد من أن مبادرات القطاعات تم تصميمها وتمويلها وتشغيلها وتكرارها بشكل فعال.
تتصف التحديات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني بأنها خطيرة وهيكلية، ويلعب القطاع الخاص دوراً محورياً في مواجهة هذه التحديات. ويشير تحليلنا إلى أن المبادرات المستهدفة في هذه القطاعات الخمسة، وبقيادة من القطاع الخاص ودعم من السلطة الوطنية الفلسطينية، قادرة على خلق عدد كبير من الوظائف الجديدة وجسر الفجوة الموجودة فيما يتعلق بالتوظيف، وهذا، في المقابل، سيساهم في النمو المستدام وطويل الأمد للاقتصاد الفلسطيني، مما يجعله أكثر مرونة أمام التغيرات والصدمات الخارجية.