لا ينبغي لأي فلسطيني من خصوم حماس أن يبتهج لتصنيف الحركة على أنها إرهابية، سواء جاء هذا التصنيف من قبل نتنياهو، أو من الرئيس ترامب، أو من جهات عربية. فدمغ حماس بالإرهاب سرعان ما سينسحب على باقي مكونات الحركة الوطنية وأساليب نضالها، وحتى على تاريخ الشعب الفلسطيني وروايته. كما أن ذلك بالإرهاب يعني إخراج حماس من دائرة شرعية العمل السياسي وهو حكم لا يقتصر على الحركة وهيكلها التنظيمي بل يطال تيارا ذا حضور في المجتمع الفلسطيني ومؤسساته.
في الوقت نفسه على حماس ألا تطمئن كثيرا، وألا تقلل من أهمية المعادلات الجديدة التي باتت تتشكل في الإقليم والعالم. فما كان مقبولا في الأمس القريب قد لا يكون كذلك اليوم، والخطاب الذي توجهه الحركة لجمهورها المتحمس لن يسعفها في قبول أوراق اعتمادها لا في الساحة الفلسطينية ولا على مستوى الإقليم.
وصف حماس بالإرهاب يضيرها ويضير الشعب الفلسطيني كله، والغريب أنه جاء بعد سنوات طويلة من امتناع الحركة الفعلي عن اي فعل مقاوم، باستثناء رد الفعل على سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وثمة شهادات على أن الإدارة الأميركية شجعت حماس على خوض الانتخابات التشريعية، كما حلّ قادة الحركة ضيوفا على الديوان الملكي السعودي في مكة، ولم تنفذ الحركة منذ اتفاق مكة 2007 أي عملية ذات شأن ضد الإسرائيليين سوى أسر الجندي شاليط، وخطف المستوطنين الثلاثة في الخليل في عملية كانت فردية حسب أغلب التقديرات.
لا توجد مسطرة دولية موحدة لتعريف الإرهاب، فثمة معايير خاصة بالأمم المتحدة وأخرى بوزارة الخارجية الأميركية، وغيرها للاتحاد الأوروبي، كما أن لكل دولة معاييرها وقوائمها الخاصة بها. وهذه المعايير والقوائم تتبدل بين مرحلة وأخرى، فكل الدول الاستعمارية صنفت حركات التحرر على أنها إرهابية ولكنها اضطرت لاحقا للتعامل مع هذه الحركات كممثلة لشعوبها وشريكا في عملية السلام، والأمثلة كثيرة من غاندي ومانديلا إلى منظمة التحرير وزعيمها الراحل ياسر عرفات والشين فين الايرلندي. ولا يمكن لنا كفلسطينيين أن ننسى سلسلة المجازر والعمليات الإرهابية التي مهدت وقادت إلى قيام إسرائيل سواء ارتكبت من قبل عصابات الاتسل وليحي والهاغاناه أو من قبل دولة إسرائيل، حيث يزيد عدد هذه المجازر الجماعية بحسب مصادر بحثية عن 120 مجزرة، لولاها لما قامت إسرائيل بحسب اعتراف مناحيم بيغين بعد مذبحة دير ياسين.
تغير العالم كثيرا منذ أحداث سبتمبر في نيويورك، وحتى موجة العمليات الإرهابية التي نفذتها القاعدة ومشتقاتها. وتداخلت عمليات المقاومة المشروعة مع العمليات الإرهابية إلى درجة بات من الصعب التمييز بينها، ما يملي على أصحاب القضايا العادلة أن يبادروا هم إلى تمييز أنفسهم ونمط كفاحهم عن الإرهاب الأعمى.
حماس مطالبة إذن باستيعاب المرحلة، بدءا من مراجعة تجربتها ودورها في الانقلاب والانقسام، والتصالح مع شعبها ومكونات حركته الوطنية، والرفض القاطع لأن تتحول الحركة إلى أداة لمنازعة منظمة التحرير، أو إلى ورقة في أيدي لاعبين إقليميين. وفي موازاة ذلك وإلى جانبه، على الحركة أن تكفّ عن التدخل في الصراعات الأهلية العربية، سواء بصورة مادية مباشرة كرعاية وتدريب مجموعات مقاتلة، أو بصورة دعاوية كإعلان البيعة لمرسي وتبني شعار رابعة، والحديث عن أولوية الجهاد في سوريا.
وعليها كذلك أن تراجع بعض أساليب المقاومة كالعمليات الاستشهادية واستهداف المدنيين، ويا ليتها تتدبر جيدا ما قاله الشيخ الشهيد أحمد ياسين يوما عن ضرورة "ترشيد المقاومة" وهو مطلب سبقه إليه الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة.