أحدهما عملت على ترقية موظفيها والأخرى حرمتهم من حقوقهم الوظيفية
غزة - حامد جاد
أثارت حملة الترقيات الوظيفية التي أجرتها حكومة غزة خلال الأسابيع الاخيرة الماضية على عدد من موظفيها انتقادات واسعة في صفوف الشارع الغزي بمختلف أطيافه من العامة والخاصة ممن انتقدوا سواء عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي هذه الحالة التي اعتبرها البعض منهم محاولة للمساومة ولفرض وقائع جديدة على الأرض بينما وصفها آخرون منهم بأعمال صبيانية تفتقر للمهنية وتسيئ للمصالحة.
وفي المقابل طاولت هذه الانتقادات السياسة التي اتبعتها السلطة الوطنية تجاه تعاملها مع الموظفين المستنكفين قسراً عن ممارسة مهامهم الوظيفية منذ الانقسام، حيث رأى الكثير من ذوي الاختصاص والمتابعين والمهتمين بقضايا شريحة الموظفين المستنكفين أن هذه الشريحة تعرضت لظلم وانتهاك فاضح لحقوقها الوظيفية نتيجة لحرمان هؤلاء الموظفين من العلاوات والترقيات الوظيفية التي كفلها لهم قانون الخدمة المدنية.
وعلمت الحدث من مصادر موثوقة أن حملة الترقيات شملت 120 موظفاً جلهم تم ترقيتهم إلى مدراء ونواب ومدراء عامين ووكلاء حيث أكدت المصادر ذاتها أن 62 موظفاً من بين الحاصلين على الترقيات الوظيفية كانت درجاتهم الوظيفية تتراوح من مدراء C+B وتم ترقيتهم إلى نائب مدير عام وتم ترقية 13 مديراً عاماً إلى وكلاء مساعدين.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن الترقيات الأخيرة كافة نفذت ووقع قرار تعيينها من قبل مجلس وزراء حكومة غزة بأثر رجعي بداية من شهر شباط وحتى نيسان مؤكدة في ذات الوقت أن البعض ممن تم ترقيتهم كانوا من الموظفين غير المحسوبين على حركة حماس.
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع عدد من المسؤولين وذوي الاختصاص من كتاب وحقوقين ومحللين سياسيين حول مجمل القضايا المتعلقة بموظفي الوظيفة العمومية رأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن التوظيفات والترقيات الأخيرة التي أجرتها حكومة حماس في الوقت الذي تجاهلت فيه السلطة حقوق الموظفين في غزة لمدة سبع سنوات أفضى إلى مشكلة كبيرة في صفوف الموظفين الذين شعروا بالمظلومية مشدداً على ضرورة معالجة مسألة الترقيات والازدواجية في المسميات الوظيفية لدى الحكومتين بجدية وموضوعية بعيداً عن الحسابات الحزبية والمحاصصة.
ولم يستبعد عوكل إمكانية الاصطدام بحالة موظف ما كان يعمل برتبة وظيفية متدينة لدى مدير في إحدى وزارات السلطة قبل سبع سنوات ومن ثم تنقلب الأمور رأساً على عقب ليصبح هذا الموظف هو المسؤول على مديره السابق، وعلى سبيل المثال لايعقل عند عودة موظف في السلطة القديمة كان يعمل برتبة مدير A مثلاً إلى وظيفته ليجد الموظف الذي كان يعمل في نفس دائرة عمله برتبة وظيفية متدنية وليس لديه أقدمية في العمل أصبح هو من يدير هذه الدائرة وبالتالي هذا الأمر يستوجب تشكيل لجنة فنية متخصصة تبحث في كل ما يتعلق بعملية دمج الموظفين وتعالج كافة هذه القضايا وفق معايير الخدمة المدنية وبعد ذلك تتم عملية دمج الموظفين.
وقال عوكل “بدون تشكيل لجنة مختصة بتصويب أوضاع الموظفين سيكون هناك خدم وأسياد في مؤسسات ووزارات السلطة فحل هذه المشكلة له جانب سياسي وليس هناك مشكلة في قضية تمويل كلفة رواتب الموظفين فالأوربيون استعدوا لتمويل كلفة الرواتب كما استعدت قطر لتمويل رواتب حكومة الوفاق لمدة ستة أشهر لذا فهذا الأمر له وجهة سياسية وليس مالية حيث أن الدول المانحة تمول الرواتب منذ 20 عاماً من أجل هدف سياسي وليس لديها مشكلة في مواصلة التمويل”.
واعتبر عوكل أن استمرارية تمويل رواتب موظفي السلطة سيظل رهن التطور السياسي اللاحق ما يعنى بحسبه أنه في حال إنضمام حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية وتعمل ضمن إطارها المؤسسي لن يكون هناك مشكلة في مواصلة مجتمع المانحين لتمويل رواتب الموظفين.
وبين عوكل أن عملية دمج الموظفين تحتاج لفترة طويلة طالما ستتم وفق المعايير والكفاءة بينما لو تم التعامل مع هذه العملية بموجب ما لدى كل من حركتي فتح وحماس من حصة كبيرة من الموظفين فستنتهي هذه العملية خلال فترة وجيزة سيما وأن هناك موظفين يعملون في بعض الوزارات كالصحة والتعليم ويتقاضون رواتبهم من حكومتي رام الله وغزة بينما ستظل المشكلة الاكثر تعقيدا تتمثل في اصحاب الوظائف العليا من المدراء والمدراء العامين ووكلاء الوزارات.
ويتفق د. أيمن اليازوري مدير عام ديوان الموظفين لدى حكومة حماس مع عوكل في ضرورة أن تتم عملية دمج الموظفين وفقاً للكفاءة والاعتبارات المهنية ولكنه يرى في ذات الوقت أن عدداً كبيراً من الموظفين المستنكفين بلغوا سن التقاعد والبعض الآخر ممن ترك العمل أصبح من الصعب عليهم العودة إلى ممارسة مهامهم الوظيفية بعد أن فقدوا بحسبه المهارات المهنية خلال سنوات انقطاعهم عن العمل الحكومي.
وأعرب اليازوري عن تفاؤله تجاه إعادة دمج الموظفين مستنداً بذلك إلى ما لدى وزارات ومؤسسات السلطة من مواقع وظيفية شاغرة أما فيما يتعلق بتعارض إشغال الوظيفة ذاتها من قبل الموظف الجديد المعين من قبل حكومة حماس والموظف القديم العائد لوظيفته فاعتبر أنه من الممكن تنفيذ عملية الاستيعاب عبر ما أسماه بالتدوير الوظيفي بمعنى إمكانية أن يشغل أحد الموظفين مسؤولية الدائرة الوظيفية في وزارة أخرى لديها شاغر وظيفي.
وحول ما أثير أخيراً عن الترقيات الوظيفية التي طبقتها حكومة حماس على عشرات الموظفين لديها قال “لا أعتقد أن ما أثير في الاعلام كان دقيقاً فالذي تم اتخاذه في هذا الشأن كان تنفيذاً لاستحقاقات وظيفية وقد يكون تم ترقية مدير برتبة وظيفية على سبيل المثال من مدير (B) إلى مدير عام A 4 وذلك بتنسيب من مجلس الوزراء وهذا الامر معمول به منذ أعوام لدى السلطة السابقة وممكن ان يعتبر هذا الامر تطوراً نوعياً ولا يتناقض بحسبه مع قانون الخدمة المدنية.
وبين أن عدد الموظفين المدنيين العاملين فعلياً في محافظات غزة يقدر بنحو 55 ألف موظف منهم17 ألف يتقاضون رواتبهم من حكومة رام الله والباقي يتلقون رواتبهم من حكومة هنية.
من جهته اعتبر الحقوقي سمير زقوت من مركز الميزان لحقوق الانسان أن الترقيات والعلاوات التي أجرتها حكومة غزة على عدد من الموظفين لديها يعد انتهاكاً للقانون يعادل انتهاك الحكومة في رام الله لحقوق الموظفين عندما حرمتهم من العلاوات والترقيات الوظيفية على مدار السنوات السبع الماضية حيث حملت السلطة الموظفين عبء انقسام لا علاقة لهم به.
وقال زقوت “العلاوات والترقيات الوظيفية التي أجرتها حكومة غزة وبغض النظر عن عدم قانونيتها ووجود سوابق موروثة من حكومات ما قبل الانقسام إلا أن الدافع من وراءها استهدف تحقيق مكاسب وفرض وقائع على الأرض من أجل تحسين الوضع التفاوضي لحركة حماس فيما يتعلق بأتباعها من الموظفين فالترقية من مديرC إلى مدير عام على سبيل المثال سيتيح لحماس مساحة من التفاوض والمساومة للقبول بتعيين موظفها برتبة بمدير A بدلا من مدير عام لمدير، وأعتقد أنه مشروع في السياسة فكل حزب معني بتحقيق مصالحه فهذه الخروقات من قبل الحكومتين خارج نطاق القانون وتتناقض مع نصوص قانون الخدمة المدنية وخاصة الرتب الوظيفية السامية التي تحتاج إلى مرسوم رئاسي ولكن كل ماحدث يندرج ضمن إطار المساومة التي ستخضع لاحقا للتفاوض بين الطرفين فالهدف من هذه الترقيات هو تثبيت أمر واقع ومكاسب حزبية”.
وأكد زقوت أن الترقيات والبدلات والعلاوات هي استحقاق قانوني للموظفين وتجميدها يعد مساساً بحقوقهم الوظيفية التي تم المساس بها فعلياً عندما حرموا من هذه الحقوق بل وخضعوا لخصومات على رواتبهم التي من المفترض ان يحصلوا عليها كاملة كحق يكفله لهم القانون. ورأى أن الموظفين القدامى ظلموا مرتين الأولى عندما أجبروا على ترك وظائفهم بقرار من السلطة والثانية عندما لا يستطيعون العودة إلى وظائفهم والاستفادة من حقوقهم الوظيفية مشدداً أن من حق كل موظف أهدرت حقوقه الوظيفية أن يقاضي السلطة ويطالبها بتعويضه عن حقوقه المسلوبة.
وكانت حكومة هنية أكدت بلسان وزير ماليتها زياد الظاظا ونائب رئيس وزرائها أن الأمن الوظيفي للموظفين ومستحقاتهم المالية مضمونان ومكفولان، مشدداً أن الحكومات المتعاقبة تتحمل تبعات سابقاتها.
وحول مستحقات رواتب الموظفين قال “إنها ليست كبيرة على “الآخرين”، ولكنها كبيرة على إمكانات حكومته خاصة في الوضع الحالي” موضحاً في ذات الوقت أن حكومته ستسلم الحكم للحكومة المقبلة دون وجود ديون عليها لا لبنوك أو لدول.
وأضاف “إن لجنة خاصة سيتم تشكيلها من حركتي حماس وفتح للنظر في قضايا الموظفين، وستعطي توصيات بكيفية معالجة التكدس الوظيفي” مشيراً إلى أن حكومته جمدت أكثر من 580 رتبة، وتركتها للحكومة القادمة، وأن الترقيات التي أجريت عبارة عن أعداد ضئيلة، ومستحقة منذ فترة”.
وبين أن حكومته حين تسلمت مهامها، قامت بتسديد ديون للحكومة السابقة بقيمة 105 ملايين دولار للبنوك منوها إلى أن حكومته استطاعت تشغيل قرابة 40 ألف موظف مدني وعسكري و10 آلاف على بند التشغيل المؤقت خلال فترة حكمها.
واعتبر الظاظا أن قطاع الأمن كان من أهم إنجازات حكومته ، موضحا أن هناك 17500 رجل أمن، وبالتعاون مع الشعب الفلسطيني استطاعوا تحقيق أمن عالٍ في القطاع.
بدوره ذهب القيادي في حركة فتح فيصل ابو شهلا إلى وصف حملة الترقيات التي أجرتها حكومة حماس مؤخراً في بعض الوزارات بالأعمال الصبيانية وغير المنطقية مستبعداً بصفته عضو لجنة المصالحة “أن تكون تلك الترقيات وقعت من قبل أي من مسؤولي حماس ممن نتفاوض معهم واتفقنا معهم مؤخراً” .
وأكد أبو شهلا في تصريحات صحافية أن تلك التصرفات لا تصب في صالح المصالحة الفلسطينية بل تعمل على تعكير الأجواء مع حركة حماس موضحاً أن حركته ملتزمة بما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة.
وأشار إلى أنه تم التوصل لاتفاق قضى بعدم المساس بأرزاق المواطنين وموظفي حكومة غزة مستدركاً بقوله “لكن لا بد من تشكيل لجنة إدارية قانونية لتعمل على ترتيب الوزارات في ظل حكومة الوفاق وأن شكل اللجنة الإدارية القانونية موجود في اتفاق القاهرة وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني ستبدأ اللجنة عملها مباشرة.
وتعالت الانتقادات التي وجهها العامة والخاصة سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لحملة الترقيات في صفوف موظفي حكومة غزة إذ كان من بين أبرز المنتقدين التغريدة الذي نشرها المدير العام في وزراة الأوقاف في حكومة غزة يوسف فرحات على حسابه الشخصي في موقع الفيسبوك حيث اعتبر الترقيات التي تجري تفتقر للمهنية والأخلاق الوطنية وقال (وكيل، وكيل مساعد، مدير عام ، مدير، رئيس قسم) هي ترقيات تفتقر أولاَ إلى المهنية، ثم إلى الأخلاق والوطنية، فضلاً أنه توغر الصدور، وتنمي الأحقاد، لذا ينبغي أن ترتفع الأصوات الحرة بوقف كل الترقيات، وإحالة أمرها لأي حكومة قادمة).
وشهد الاسبوع الماضي عقد سلسلة من اللقاءات وورش العمل التي تناولت قضية الموظفين القدامى والجدد في ظل المصالحة منها ورشة عمل نظمها مركز التخطيط حول قضية الموظفين الحكوميين ومستقبلهم الوظيفي في ظل المصالحة إذ أجمع متحدثون مختصون على ضرورة تمكين الموظفين من إستعادة حقوقهم الوظيفية التي حرموا منها خلال سنوات الانقسام ومشاركة ذوي الاختصاص من النقابيين والموظفين المدنيين في قطاع غزة في أعمال اللجنة المكلفة ببحث قضايا الموظفين حسب ما جاء في اتفاق القاهرة الموقع في الرابع من أيار عام 2011.
وأكد المتحدثون أن السنوات السبع الماضية شهدت تجاوزاً في حقوق الموظفين التي أقرها القانون الأساسي حيث لم يتم المساواة بين الموظف في غزة وزميله في الضفة الغربية خلال تلك الفترة ولم تعمل السلطة على توفير وظائف جديدة في غزة كما تم حرمان الموظفين من المشاركة في اللجان التي عملت على تعديل بعض لوائح قانون الخدمة المدنيةحيث لم يكن للموظف في غزة أي دور في هيكليات وجدول الوظائف وموازنتها والتسكين والتعيينات حتى في قطاع التعليم لم يتم تسكين أعداد كبيرة من الموظفين رغم أنهم يداومون في وظائفهم.
ويشار إلى أن الاتفاق الخاص بمعالجة قضايا الموظفين الوارد في اتفاقية الوفاق الوطني لعام 2009 في القاهرة تحت عنوان معالجة القضايا المدنية والمشاكل الناجمة عن الانقسام تضمن التأكيد على حل مشاكل العاملين الذين تضرروا من الانقسام ومعالجة الآثار التي ترتبت علي القرارات التي صدرت بعد تاريخ 14/6/2007 ومنها تعيينات الموظفين وترقياتهم والتسكين الوظيفي والعلاوات لا سيما العلاوات الإشرافية ومعالجة القضايا ذات العلاقة بالفصل ووقف الراتب وذلك من خلال تشكيل لجنة إدارية تجمع بين خبراء إداريين وقانونيين متخصصين، يقومون بدراسة القضايا المذكورة واقتراح سبل معالجتها على ان تقدم اللجنة نتائج أعمالها للجهات التنفيذية المختصة في موعد أقصاه أربعة أشهر من بدء تشكيلها.