النتيجة ... تضخم في المديونية وتزايد في عجز الموازنة وارتفاع في نسب الفقر ومعدلات البطالة
رام الله ـ خاص بالحدث
فلسطين قد تكون الدولة الوحيدة المستباحة ساحتها بالتدخلات المباشرة، ليس فقط في سوقها الاقتصادية ومواقفها السياسية وأوضاعها الداخلية، وإنما في خططها التنموية القطاعية الإنتاجية منها والخدماتية، وهي الوحيدة التي تجد فيها تزاحم خطط الساسة الأجانب ودولهم وشروطهم، وخطط القطاعات المحلية الخاصة والمجتمعية للخطط الوطنية، والنتيجة تضخم في المديونية وتزايد في عجز الموازنة وارتفاع في نسب الفقر ومعدلات البطالة.
وفي كل الأحوال، فإن تزاحم تلك الخطط لا يفقدنا دفة القيادة فقط، وإنما يعطب عجلة التنمية، حتى وإن ادعى فيها أصحابها بأنها خطط تكاملية، ولو كانت كذلك فكان من الممكن أن تكون فلسطين هانوي العرب، كما كنا نحلم.
ولأن فلسطين حبلى بالوعودات، من مشاريع تنموية واستثمارات غير مسبوقة تطرح فرص عمل تحد من بطالة 370 ألف عاطل عن العمل، فقد طرحت الحكومة الفلسطينية الخطة التنموية الفلسطينية 2016/2014، وهي خطة وطنية شاملة تتناول أربعة قطاعات: الحكم والقطاع الاقتصادي والقطاع الاجتماعي والبنية التحتية. وتمثل هذه الخطة وجهة نظر الحكومة، عدا عن كونها تتناول جميع القطاعات.
وبدلاً من أن يكون القطاع الخاص الفلسطيني واحداً من أركان خطة التنمية الفلسطينية الأساسية، ويصب جام ماله وأفكاره فيها، فقد بادر لطرح خطته منفرداً للاستثمار والنمو والتشغيل لغاية عام 2030، في حين ربط الساسة الدوليون عملية السلام بما طرحوه من خطة ومبادرة اقتصادية دولية، اتفق على تعريفها بـ»خطة كيري».
وهناك خطط أخرى ومؤسسات دولية عاملة تضع خططها لتنفيذ مشاريعها وهي تحاول الاسترشاد بالخطط الموجودة، وفي هذه الحالة لا يتطلعون إلى الخطة الوطنية الحكومية، ومن نافل القول أن الخطة التي يجب الاسترشاد بها هي الخطة الوطنية، إلا أن هناك محاولات دائمة للنظر بالأفكار الأخرى، فهل الخطط أو المبادرات الأخرى التي يمكن الاسترشاد بها هي في اتساق مع الخطة الوطنية؟ أو، هل الخطط الثلاث في اتساق مع بعضها البعض؟ هل هناك تضارب في الأهداف فيما بينها؟ هل هناك اتفاق حول الأولويات؟ ومن يحدد هذه الأولويات؟
خطة التنمية الوطنية (2014 - 2016) والتي تركز على المناطق (ج) والقدس والأغوار
إذ يُقر معدّو خطة التنمية أن الجهد التنموي في فلسطين يأتي في ظل مناخ سياسي مضطرب ومربك. فقد حصلت فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة باعتراف غالبية الدول الأعضاء في المؤسسة الأممية، وتم استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ولمدة تسعة أشهر، تنتهي أواخر شهر نيسان من العام الحالي. ومن المهم أيضاً التذكير بالأبعاد السياسية السلبية لانشغال الدول العربية باضطراباتها الداخلية، وانعكاس ذلك على تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
ويرون أن السيناريو الأساسي في خطتهم يظهر انخفاض معدل النمو في الناتج المحلي (بالأسعار الثابتة) خلال الأعوام 2014 - 2016، حيث يصبح %1 في العام 2016 مقارنة بـ %1.5 في العام 2013، بينما يظهر السيناريو المتفائل، زيادة معدل النمو في الناتج المحلي، ليصل في العام 2016 إلى %12.
وفي الاستثمار، فإن نسبة إجمالي الاستثمار من الناتج المحلي بلغت (%11.4)، ومن المتوقع أن تنخفض خلال الأعوام 2014 - 2016 لتبلغ %10.9 و%10.6 و%10.3 على التوالي، ويتوقعون أن ترتفع خلال الأعوام 2014 - 2016، لتبلغ %16 و%19.2 و%21.6 على التوالي، ولا تشير الخطة إلى استهداف في المستوى العام للبطالة، لكنها تستهدف تخفيض نسب البطالة بين خريجي التعليم المهني والتقني من %32 إلى %26، والبطالة بين خريجي التعليم العالي من %25 إلى %22، والبطالة بين الشباب من %37 إلى %34.
حجم ومصادر التمويل
وتتطلع الخطة إلى زيادة الدعم الخارجي لتغطية العجز الكلي (الجاري والتطويري) على مدار الأعوام الثلاثة، ليبلغ في العام 2016 حوالي 1,788 مليون دولار، ليشكل ما نسبته %12.2 من الناتج المحلي، وهو نفس مستوى العام 2013، وخفض قيمة ونسبة الدعم الخارجي على مدار الأعوام الثلاثة ليبلغ في العام 2016 ما يقارب 1,151 مليون دولار، ليشكل ما نسبته %7.2 من الناتج المحلي.
ويبيّن منسق خطة التنمية الوطنية خليل نجم أن الخطة تشكل المرحلة الثالثة من مراحل التخطيط الوطني الشامل التي بدأتها الحكومة في العام 2007، والتي تهدف إلى تعزيز التكامل بين عمليات التخطيط وإعداد الموازنات.
ويشير نجم إلى أن الخطة تستند إلى سيناريوهين اثنين: أولهما سيناريو الأساس، ويفترض هذا السيناريو بقاء الأوضاع الاقتصادية والمالية دون تغيير. أما السيناريو الثاني فيستند إلى تخفيف القيود الإسرائيلية، وتسهيل عمل القطاع الخاص، واستغلال كامل للموارد الكامنة في المنطقة ج، وإنهاء الانقسام الداخلي واسترجاع العلاقات التجارية والمالية بين الضفة وغزة.
ويؤكد أن أكبر إشكالية تواجه المجتمع الفلسطيني هي الوضع الاقتصادي المتراجع، والأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة نتيجة للتراجع الاقتصادي الوطني، وارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر ومحدودية الموارد.
وارتأت الحكومة أن القضيتين الأساسيتين اللتين يجب التركيز عليهما في الخطة هما الإنعاش الاقتصادي أولاً، والذي يزيد من إمكانية تشغيل الأيدي العاملة ويحسن المدخول العام ويحسن مدخول الحكومة، ما يؤدي إلى التقليل في عجزها، وإعادة توزيع النتائج على الفئات المهمشة ووقف التراجع الاقتصادي ثانياً، إذ أن هناك دراسات تحذر من انهيار الوضع الاقتصادي إن ساءت الظروف أكثر.
وقال نجم: «ليس بالصدفة أن تقاطعت العديد من الرؤى التي جاءت من القطاع الخاص مع الخطة، لأنهم مشاركون بفرق تخطيطية مختلفة»، ولا يرى من ناحية مبدأية خلافاً أو صراعاً أو نقاشاً بين أن تأتي خطة من القطاع الخاص أو من الحكومة.
خطة القطاع الخاص ليست بديلة، وتوفر فرص عمل دائمة
يؤكد الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، عمار العكر، أن تضافر الجهود وتوجيهها، بقيادة القطاع الخاص، جعلهم يبادرون لطرح خطتهم لخلق نمو مستدام وتوفير فرص عمل دائمة، وزيادة مرونة الاقتصاد، والتي تستهدف زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 8 مليارات دولار بحلول العام 2030 عن مستواه في العام 2012 (بالأسعار الجارية)، وزيادة إجمالي الاستثمار على المدى القصير بحوالي 600 مليون دولار، وخفض البطالة إلى %10، وخلق أكثر من 150 ألف فرصة عمل مباشرة جديدة، وخلق حوالي 220 ألف فرصة عمل غير مباشرة في المشاريع المنفذة.
ويرى العكر أن فلسطين بحاجة إلى مليون فرصة عمل حتى عام 2030، حيث أن أرقام البطالة مخيفة، ولكنه قال: «إذا لم نوفر خطة نمو اقتصادية، سيكون لدينا تحدٍ كبير، فأجيالنا كلها تصبح بلا عمل ولا وظائف، ما يشكل خطراً على المجتمع في ظل محدودية فرص التوظيف وترشيد الإنفاق الحكومي وتخفيف التعيينات في القطاع العام، والتي ألقت جميعها ثقل خلق الوظائف على القطاع الخاص».
وقال: «من هنا انطلقت فكرة عمل خطة ليس الهدف منها منافسة الحكومة في دورها، وإنما هي بمثابة محاولة من القطاع الخاص لإيجاد مشاريع توفر وظائف للناس. إضافة للمساهمة في نمو الدخل القومي، والذي هو في بعض مؤشراته تراجع يلقي بظلاله على الاقتصاد الوطني، فالأرقام مخيفة للمستقبل».
ويشدد العكر بقوله: «نحن لسنا بديلاً لأية خطة، وإنما خطتنا تكاملية مع الخطة الوطنية، لكن فيها تفصيلاً أكبر يختص بنا كمستثمرين، ونحاول أن نستغله لخلق وظائف».
وكانت مجموعة من ممثلي القطاع الخاص الفلسطيني أطلقت في كانون ثاني 2013 مبادرة للاستثمار والنمو والتشغيل حتى العام 2030، وفي ظل محدودية فرص نمو إضافية في القطاع العام، يبقى القطاع الخاص هو اللاعب الأساسي في إعادة التوازن للاقتصاد الفلسطيني وتقليص اعتماده على الدعم الخارجي.
ويرى العكر أن وجود قطاع خاص قوي سيمنحه إمكانية قيادة المرحلة القادمة لتحقيق المزيد من المرونة الاقتصادية لتوجيه الاستثمار، بطريقة تعطي الأولوية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، مع تحقيق عوائد اقتصادية معقولة، وهذا بدوره يمكن أن يسهم في تحديد وتعزيز السياسات الهادفة لتحسين الرفاه العام.
وتستند المبادرة بشكل أساسي على إطلاق مجموعة من الفرص الاستثمارية الاستراتيجية في قطاعات محددة (الزراعة، تكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال الرقمية، السياحة، البناء والتشييد، والطاقة)، وبحيث يقود الاستثمار في تلك القطاعات إلى تحقيق نمو مستدام يساهم في استيعاب أعداد كبيرة من العاملين وخلق فرص عمل مستدامة. وهذا المستوى من النمو المستدام وخلق فرص العمل سيؤدي بدوره إلى زيادة المرونة وتعزيز الاستقلال الاقتصادي.
من خلال هذه القطاعات طورنا 50 مشروعاً باستشارة 250 شخصاً، وتم تشكيل لجان قطاعية لكل قطاع من رجال الأعمال والباحثين لتنفيذ المشاريع.
ويؤكد العكر أن خطتهم تسعى إلى تثبيت المواطن من خلال زيادة فرص التوظيف والتشغيل وخلق فرص عمل، ولا تشكل خطة بديلة لخطة الحكومة، ولا بديلاً لخطة كيري.
خطة كيري وعلاقتها بالمسار السياسي التفاوضي
ويتفق مستشار الشؤون السياسية والإعلام في مكتب الرباعية عوض دعيبس مع الآخرين على تكاملية الخطط، وهناك تنسيق مستمر ودائم على كل المستويات بين خطة كيري مع السلطة الوطنية والوزارات، وتهدف إلى تحقيق تنمية جذرية فعلية في الاقتصاد الفلسطيني، ورفع الدخل القومي بشكل ملموس، وتخفيض نسبة البطالة ورفع مستوى الدخل العام للفرد وللأسرة، واستثمار 10 مليار دولار أمريكي في نهاية مدتها، والتي هي 6 سنوات، غالبيتها العظمى استثمارات محفزة من القطاع الخاص، وليست على شكل دعم مباشر لخزينة السلطة الوطنية.
ومن وجهة نظر الرباعية، فإنهم يرغبون بتسمية «خطة كيري» بـ «مبادرة من أجل الاقتصاد الفلسطيني»، مؤكداً أن المسار الاقتصادي ليس بديلاً بأي حال من الأحوال عن المسار السياسي، وبالتالي فإن مقولة السلام الاقتصادي البديل غير مطروحة، ولم تطرح بالمطلق، فهو يأتي داعماً وبالتوازي.
ويقول دعيبس: «الخطة تشمل قطاعياً الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، والنظر إلى كيفية التحول إلى اقتصاد مستدام أكثر، والمبالغ التي تم الحديث عنها هي محاولة جذب استثمارات من القطاع الخاص عن طريق توفير البيئة اللازمة لها، عبر تعزيز موارد القطاع الخاص لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية».
وترى الخطة أن نمو الناتج المحلي خلال سنوات الخطة الثلاث سيزداد بنسبة %50 مقارنة بمستواه في العام 2013، ليصل إلى 15 مليار دولار، وتقدر أن إجمالي الاستثمار المتوقع من القطاع الخاص المحلي والدولي خلال سنوات الخطة من 5 - 6 مليار دولار، مع إمكانية توفير قروض لهيئات القطاع العام بقيمة 1.5 مليار دولار، إضافة إلى ضمانات قروض للقطاع الخاص بقيمة 3 مليار دولار، وستحقق انخفاضاً في معدل البطالة إلى %8 من خلال خلق 330,000 فرصة عمل جديدة، وزيادة بنسبة %30 على معدل دخل الأسرة، ليصل إلى 10,880 دولار سنوياً.
ويؤكد دعيبس: «أنه يجب على المواطن الفلسطيني أن يملك مقومات الصمود والبقاء، وأن يشعر بنتائج العملية السياسية، وبأنها ليست فقط سياسية، وإنما لها انعكاساتها على حياته اليومية على الأرض»، مشيراً إلى أن كل شيء مطروح على الطاولة مع إسرائيل، ولا شيء خارجها، سواء مناطق ج أو القدس الشرقية أو غزة، ولا توجد خطوط حمراء.
ويرى دعيبس أن ما يميز الخطة أنها طموحة وتهدف إلى التغيير الجذري وبالعوامل التمكينية، وهي ثلاث رزم: فلسطينياً لها علاقة بالإمكانيات وقدرة المؤسسات الفلسطينية على استيعاب هذا الكم من الخطة، ومن ثم المجتمع الدولي والمانحون، وهنا يجري التحدث عن تمويل ودعم مشاريع في مجال المخاطرة ومشاريع صغيرة ومتوسطة، والعوامل التمكينية من الجانب الإسرائيلي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد طرح خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي عُقد في أيار 2013 في الأردن، خطة اقتصادية للتنمية في الأراضي الفلسطينية، تهدف إلى إيجاد اقتصاد فلسطيني متطور ومستقر لنجاح العملية السياسية. وكلفت اللجنة الرباعية الدولية فريقاً من الخبراء لتطوير هذه المبادرة وتفصيلها، بحيث تصبح أكثر واقعية وقدرة على التطبيق لإحداث تغيير سريع وإيجابي على الاقتصاد الفلسطيني. وتُقدر الأموال المخصصة لتنفيذ هذه الخطة بنحو 4 مليار دولار يتم إنفاقها خلال ثلاث سنوات من خلال جهد جماعي من مختلف الأطراف، يقوده القطاع الخاص المحلي والخارجي.
ترتيب الأولويات وتحديد الاستهدافات
ويعقب مدير عام الأبحاث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) د. سمير عبد الله، على الخططة الثلاثة بقوله: «ننتظر اليوم الذي نحقق فيه التحرر لنكتشف أن الطريقة التي بنينا فيها مؤسساتنا واقتصادنا تحولت إلى عبء على المشروع الوطني».
في الوقت الذي أعرب فيه عن رفضه للنظرة السلبية لكل ما نراه ووصفه بالمؤامرة والتشكك، وقال: «منذ أن نشأت السلطة أعدت 8 خطط، لكن لم يسبق أن وضعت على الطاولة، فالخطط كانت تأتي من هنا وهناك وتنفذ من هنا وهناك، وليس شيئاً جديداً أن يتم طرح العديد من الخطط».
ويتوقع عبد الله أن كيري قد يكون متوقعاً لفشل المفاوضات، لذلك فهو يحاول إعطاء أمل للشعب بأن هذا الفشل مجرد أزمة عابرة.
ويرى عبد الله أن الجهود التنموية في ظل المناخ السياسي المرتبك تواجه مجموعة من التحديات والصعوبات الداخلية والخارجية، أبرزها الاحتلال الإسرائيلي واستمرار سيطرته على مقدرات الفلسطينيين، وإجراءاته المقيدة والمحبطة للجهود التنموية الفلسطينية، والفصل القسري بين شطري الوطن، ما يؤدي إلى إرباك في التخطيط وعدم توازن في المسؤوليات المالية والالتزامات بين الضفة وغزة، فضلاً عن الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وخاصة استمرار تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة.
ويؤكد عبد الله أن التحديات السابقة تفرض على صانعي السياسات والقرار في الحكومة الفلسطينية ترتيب الأولويات وتحديد الاستهدافات بما يتسق وحجم التحديات المفروضة، وقد استدعى ذلك تركيز الخطة وتأطيرها بمجموعة من الأولويات، تتمثل في توسيع السيادة الوطنية واستغلال القدرات الكامنة للاقتصاد، وخصوصاً في القدس والمناطق ج ومنطقة الأغوار، وتعزيز مقومات الصمود والمقاومة لدى المواطنين في جميع أنحاء الوطن بالتركيز على القدس والمنطقة ج وقطاع غزة، وإنهاء الانقسام ومعالجة تداعياته وإعادة اللحمة لمكونات المجتمع، وإنعاش الاقتصاد المحلي وتمكين قاعدته الإنتاجية وتحقيق الاستقرار المالي، بما يحقق مستوى معيشة لائق، ويوفر الحق في العمل للمواطنين.
لا يسمح لأي أحد بالتخطيط للبلد
ويرى مدير معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، د. جاد إسحق، وجود زحمة في الخطط المطروحة فعلاً، وقال: «يجب أن تكون هناك خطة وطنية واحدة، وأن لا يسمح لأي أحد التخطيط لبلد بدون قيادة، والقيادة يجب أن تشارك الجميع عملياً»، مشيراً إلى أنهم لم يشاركوا في خطة القطاع الخاص، ولم يشترك المجتمع في خطة كيري، وبالتالي فقد وصفها بالخطة الغريبة على الفلسطينيين، مستبعداً أنها يمكن أن تصب في خدمة الخطة الوطنية.
ازدحام تكاملي غير صحيح
ويشارك مدير عام شركة القدس للاستثمارات العقارية وليد الأحمد، د.إسحق الرأي، وقال: «إن ما يصفه الآخرون بازدحام تكاملي بين الخطط غير صحيح مطلقاً، وهناك تضارب شديد وكبير ما بين الخطة الرسمية للحكومة أولاً، وبين المبادرات «الخطط»، ولم أشهد في التاريخ أن يوجد قطاع خاص يعد خطة لدولة، والمبدأ الرئيسي الذي علينا الاتفاق عليه، والذي يجمع كل العالم، وفي مقدمته البنك الدولي، أنه بدون الخلاص من الاحتلال لن تكون هناك تنمية مستدامة ولا خطط اقتصادية قابلة للتطبيق».
ويلاحظ الأحمد أن خطة كيري والرباعية تتعايش تماماً مع واقع الاحتلال، بغض النظر عن اللغط اللفظي بأنها ليست بديلاً للسياسة، فلا يوجد ما يسمى بديلاً للسياسية، وينتقد خطة ما أسماه بالشرائح العليا من القطاع الخاص لتجزئتها لتأثير الاحتلال على القطاعات المختلفة، وقال: «نحن في تفاصيل حياتنا اليومية متأثرون بالاحتلال بكل جوانبه، فكيف لا تتأثر السياحة بالاحتلال؟»
ويشكك الأحمد بخلق فرص العمل، وبقدرة القطاع الخاص على بناء اقتصاد وقال: «وهذا يجعل خطة القطاع الخاص تتقاطع مع خطة كيري القائمة أساساً على التعامل مع الواقع كما هو عليه. ومنذ أن بدأنا بقصة بناء المؤسسات بتمويل دولي أخطأنا، مثلما أخطأنا عندما فقدنا بوصلتنا فيما يخص الأولويات، والجهة التي من مهمتها وضع خطة تنمية هي رأس القيادة الاجتماعية الوطنية، لذلك لا بد من مجلس وطني اقتصادي اجتماعي تشارك فيه كافة الشرائح».
وضع كل شيء على المشرحة
ويرد وكيل وزارة الاقتصاد الوطني د. تيسير عمرو قائلاً: «فرادة القضية الفلسطينية وخصوصيتها تجعلنا نناقش الخطط الموضوعة من قبل القطاع الخاص وكيري وغيره، وفعلاً لم يسبق أن سمعنا أن هناك شعباً معيناً وضعت له خطة تنموية خمسية أو عشرية من قبل قطاع خاص أو جهة خارجية، وهذا الأمر محصوراً في الحالة الفلسطينية، وربما يعكس خصوصيتها».
ولكن د. عمرو قال :»على الفلسطينيين ألا يفكروا دائماً بحسن نية، وإنما عليهم أن يضعوا كل شيء على المشرحة، وأعتقد أن هناك من يقول بأن خطة كيري قد تكون بمثابة جزرة يلوح بها، وهي ليست خطة، وإنما برنامج استثماري للقطاع الخاص اشترط التزام الفلسطينيين بالمفاوضات، ومن الممكن تقديم هذه الجزرة جزئياً أو كلياً، ولذلك لا بد من وضع كل شيء على المشرحة».
الكثير من الانطباعات والقليل من الحقائق
ويقول المستشار لشؤون التنمية والقطاع الخاص في مكتب الرباعية نسيم نور: «الخطط التنموية للسلطة الفلسطينية السابقة، والتي ساعدت في عدد منها، كانت تعتمد في أكثرها على الممولين، وحالياً أعتقد أن هناك، وللمرة الأولى، حديث عن أن القطاع الخاص هو الذي يجب أن يقود، في حين أن هذا القطاع والمستثمرين الأجانب لا يحصلون على أي توجيه بخصوص المجالات التي يمكنهم الاستثمار فيها، وهنا تأتي مبادرات القطاع الخاص والرباعية، والتي تحمل الكثير من الانطباعات والقليل من الحقائق، وبالنظر إلى خطة السلطة الشمولية نجد القليل من التفاصيل التي يمكن أن تتعارض مع غيرها من الخطط».
الخلاصة
يتضح مما سبق اختلاف الخطط في الرؤية المراد تحقيقها، والتباين في أهدافها، إذ تركز الخطة الوطنية على الجانب السياسي في طرح رؤيتها، في حين تركز مبادرتا القطاع الخاص وكيري على قيادة القطاع الخاص للجهود التنموية، بغض النظر عن الواقع السياسي السائد.
وتبين انعدام التنسيق أو الترابط في الجهود التخطيطية المقترحة، حيث تتوقع الخطة الحكومية تحقيق نسب نمو متحفظة في الناتج المحلي تصل إلى %12 في العام 2016، مقابل نسبة نمو تبدو متفائلة إلى حد كبير في خطة كيري، تبلغ نحو %50 خلال نفس الفترة.
ويطال التباين أيضاً مستويات البطالة التي ترغب الخطط في الوصول إليها، ففي حين أن خطة التنمية الحكومية لم تحدد المستوى العام للبطالة، واستهدفت شرائح مجتمعية محددة تتوقع أن تنخفض فيها البطالة، كالخريجين والشباب، توقعت الخطط الأخرى تحقيق إنجازات مهمة على صعيد تخفيض المستوى العام للبطالة وخلق مئات الآلاف من فرص العمل، إذ توقعت مبادرة القطاع الخاص تخفيض البطالة لمستوى %10، من خلال خلق 150 ألف فرصة عمل مباشرة و220 ألف فرصة غير مباشرة، بينما تتوقع خطة كيري أن يتم إيجاد حوالي 330 ألف فرصة عمل جديدة، ليتراجع بذلك مستوى البطالة من %23 عام 2013، إلى مستوى %8 عام 2016.
حجم ومصادر التمويل
يستلزم تنفيذ الخطط والمبادرات المقترحة توفير مصادر مالية كبيرة، ويتطلب ذلك جهوداً كبيرة من مختلف الأطراف لحشد الدعم اللازم. وبالاطلاع على الخطط يتبين وجود اختلافات هامة في المصادر المالية المقترحة لتمويل تنفيذ كل خطة، إذ تستعين الخطة الحكومية بالدعم الخارجي بشكل أساسي لتمويل الخطة، ويصل الدعم المطلوب إلى 1,151 مليون دولار وفق السيناريو المتفائل، ويرتفع إلى 1,788 وفق سيناريو الأساس.
في المقابل، تعتمد خطة كيري على تجنيد الأموال من القطاع الخاص المحلي والخارجي لتنفيذ المشاريع المقترحة، وتتراوح الأموال المطلوبة بين 6-5 مليار دولار قابلة للزيادة، مع إمكانية توفير قروض لهيئات القطاع العام بقيمة 1.5 مليار دولار، إضافة إلى ضمانات قروض للقطاع الخاص بقيمة 3 مليار دولار للمساهمة في تنفيذ المشاريع المقترحة.
أما مبادرة القطاع الخاص فيبدو أنها مفتوحة ودون سقف مالي، مع الإشارة إلى إمكانية مساهمة هيئة محددة، في حال تأسيسها، في تجنيد التمويل الخارجي وتوفير منح من أجل القطاع الخاص، ويمكن أن تساهم هذه المنح في نسبة من الاستثمار الكلي للمشروع كتمويل ابتدائي.