السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جرائم قتل النساء ... بين إزهاق أرواح النساء ومطالبات بإقرار قانون عقوبات صارم

2014-05-27 00:00:00
جرائم قتل النساء ... بين إزهاق أرواح النساء ومطالبات بإقرار قانون عقوبات صارم
صورة ارشيفية

الحدث- ميساء بشارات

بدت الثلاثينية أم أيهم كما أحبت أن تسمي نفسها، من إحدى قرى محافظة نابلس، أكثر انطواء وانعزالا عن الناس، مكروهة لا كارهة، فمحياها مليء بآثار كدمات عنف تتعرض له من قبل زوجها بشكل شبه يومي.

أم أيهم واحدة من آلاف النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجسدي والمعنوي من قبل أزواجهن، بتعدد الطرق وتنوعها، فزوج سيدتنا كان دائم التهديد لها بقوله بلغة ساخرة «كل رأس مالك سنتين سجن».

وكان زوج أم أيهم يستند في تهديداته إلى المادة 98 من قانون العقوبات رقم 12 لسنة 1960 «التي تنص على أنه «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه».

أما اليوم، أصبحت أم أيهم أقل قلقا من تهديدات زوجها؛ بعد أن سمعت بإصدار الرئيس قرارا بتعديل المادة التي كان يستند إليها زوجها في تهديداته، ليصبح مضمونها إلغاء العذر المخفف كل ما وقع الفعل على أنثى لدوافع ما يسمى قضايا الشرف، ما يعني عدم صلاحية القضاء في الخوض في الأسباب التخفيفية، كلما تبين للمحكمة أن الضحية أنثى، وتم ارتكاب الجريمة بدوافع ما يسمى «جرائم الشرف».

وتقول أم أيهم «الآن بعد أن صدر تعديل مادة القانون اختلف الأمر فلم يعد بإمكان زوجي تهديدي لأنه أصبح يعرف جيدا أنه سينال العقاب، أو هذا ما أرجوه».

وتضيف، «لا يكاد أسبوع يمر دون أن أتعرض للعنف الجسدي، ناهيك عن العنف اللفظي الذي أتعرض له يوميا لأتفه الأسباب (...)، هكذا هي حياتي قلق دائم وخوف من تنفيذ زوجي لتهديداته بقتلي مثلما حدث مع الكثير من النساء من دون رادع قانوني».

وتتابع أم أيهم وهي ترتب منزلها: «نحن النسوة نفتقد إلى حماية قانونية في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي لدى بعض الرجال في التعامل مع زوجاتهم أو شقيقاتهم أو قريباتهم».

وتحرص أم أيهم النحيلة ذات البشرة الحنطية، على كتمان ما تتعرض له من عنف، خوفا من عقاب أكبر عند إفشائه، قائلة «كل مرة يحذرني من البوح لأهلي عند زيارتهم بما يقوم به من تعنيفي، وفي حال وجدت آثار الضرب، يمنعني من زيارتهم خوفا من سؤالهم لي عن هذه الآثار».

وتشير بعد أن سرحت قليلا بفكرها، «أصبحنا في هذا الوقت نسمع عن حالات كثيرة من القتل، وكلها تصنف تحت ما يمسى بـ»جرائم الشرف» ويفلت الجاني من العقاب، لذلك كنت أخاف من اللجوء لأحد من أجل إيقاف زوجي عند حده».

تقول وهي تشير إلى آثار كدمات موزعة على جسدها: «كنت أشعر بالافتقاد إلى الأمان، وكنت أخاف على حياتي، فقد أتعرض للقتل في يوم من الأيام على يد زوجي أثناء غضبه كالحالات التي نسمع عنها في الإعلام، ويتطور ما أتعرض له إلى جريمة قتل؛ بالتأكيد أنه سيقول أنها على «خلفية الشرف» ليفلت من العقاب وأنا أخسر حياتي وأبنائي، لذلك فضلت التستر على أفعاله والصبر على ظلمه».

وتعبر أم أيهم عن سعادتها البسيطة في إقرار هذا القانون من قبل الرئيس محمود عباس، معربة عن أملها بأن يكون حماية لها ولمثيلاتها من النساء اللواتي يتعرضن للعنف وأمنا لحياتهن في المستقبل، وألا يوضع على رفوف المحاكم».


في العام 2013 رصدت إحصائيات رسمية 26 حالة قتل للنساء، وفي مطلع العام 2014 وصلت إلى 18 حالة.

وشهدت الأرضي الفلسطينية، ثورة على جرائم القتل التي اقتربت لتصبح ظاهرة في حال استمرت الجرائم بالتصاعد بنفس الوتيرة خلال العام الجاري، اعتصامات ومسيرات عديدة من قبل مؤسسات تعنى بحقوق المرأة والإنسان، طالبوا فيها بإلغاء العذر المخفف، وضرورة إقرار قانون عقوبات فلسطيني يتناسب والوقت الحالي، ليوفر حماية للنساء المعنفات.

كما تم رفع مشروع قانون العقوبات الفلسطيني، للرئيس محمود عباس لإصداره بقرار رئاسي، كباقي القرارات التي أصدرت بذات الطريقة، إلا أنه ما زال يراوح مكانه منذ عام 2010، في حين أعيد التأكيد عليه مرة أخرى مطلع العام الجاري.

الابتعاد عن الدين سبب ارتفاع الجريمة

يقول رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي القاضي يوسف دعيبس: «إن المجتمع يقف أمام ظاهرة مجتمعية باتت بحاجة ماسة لتكثيف الجهود الرسمية والمدنية لردعها وإيقافها، وإن كانت متعلقة بعادات وتقاليد منافية لتعاليم الدين والشريعة الإسلامية».

ويشير دعيبس إلى أن أسباب إرتفاع الجريمة وقتل النفس البشرية في مجتمعنا متعددة، أولها يعود إلى الثقافة الغربية التي غزت ثقافتنا وحلت مكان الثقافة الإسلامية، وثانيها العادات والتقاليد التي أصبحت تحكم الناس أكثر من الدين الإسلامي، وغياب الوعي الديني. 

ويؤكد أن التأثر بوسائل التواصل الإجتماعي والإستعمال السلبي لها أدى إلى خروج الناس عن تعاليم كثيرة من الإسلام، لتصل إلى إباحة القتل دون مسوغات شرعية أو قانونية.

ونفى أن يكون الدين الإسلامي قد شرّع إرتكاب الجريمة أو قتل النساء، مذكرا أنه لم يحدث على زمن الرسول أو التابعين، أن أُرتكبت جرائم على خلفية الشرف.

ويضيف: “هذا خروج عن المألوف، وهو دليل على أن الناس تركت الدين الحنيف، وتعاليمه، وتخلت عن القيم الإنسانية، وأصبحت تتحكم بهم شريعة الغاب”. 

ويرى أن الحل للحد من جرائم القتل هو العودة إلى الدين الإسلامي، عودة صحيحة، إضافة إلى توعية المجتمع، “ما لا يزع بالقرآن يزع بالسلطان”، مطالبا بإصدار عقوبة رادعة لكل مرتكب جريمة قتل ليكون عبرة ورادعا لكل من تسول له نفسه بزهق أرواح البشر، فعقوبة القصاص التي وجدت في القرآن على القاتل وجدت لتكون ذاكرة لغيره.

قانون عقوبات غير عادل

وأرجعت مسؤولة المكتب التنفيذي لكتلة نضال المرأة تغريد كشك، السبب المباشر والرئيس لهذه الظاهرة إلى قانون العقوبات الأردني رقم 12 لسنة 1960، والمعمول به حاليا في فلسطين، والعائد لسنة 1966، الذي أعطى الرجل عذرا مخففا، عند ارتكابه لجريمة قتل لأحد قريباته، إضافة إلى ضعف حماية المرأة.

وتقول: “إن قانون العقوبات الفلسطيني قانون غير رادع لجرائم القتل التي ترتكب تحت مسمى جرائم الشرف، ولا يحتوي على عقوبة رادعة مؤدبة للمجرم وغيره، مؤكدة أن العقاب هو أكبر رادع لمثل هذه الجرائم”.

وتضيف أن هذه الجرائم ليست جرائم لحظية أو ناتجة عن عنصر الغضب والثورة، بل هي جرائم مخطط لها مسبقا وعن سبق اصرار وترصد وتخطيط من قبل الجاني، وذلك لاستهانته بالحكم الذي سيصدر عليه عند وقوع الجريمة.

وتتابع: “القاتل يعلم أنه لن يحاكم بشكل عادل، وسيجد لنفسه مخرجا ومبررا للقتل، عن طريق قوله إنها جريمة شرف”، مشيرة إلى أن معظم الجرائم التي ترتكب في فلسطين تحت هذا المسمى يكون دافعها الحقيقي أسباب آخرى كالميراث.

وترى كشك أن المهمة الأولى للحد من جرائم قتل النساء، هو توعيتهن بحقوقهن وكيفية الإبلاغ عن أي عنف يتعرضن له، وآلية اللجوء إلى الجهات المختصة لتوفير الحماية لهن، إضافة إلى تعاضد المجتمع ونبذ الجريمة والعنف، وتغيير المناهج التعليمية واستبدالها بمناهج تربي وتعلم الطفل بقضايا النوع الاجتماعي وحقوق المراة وواجباتها منذ الصغر لتخلق مجتمع واع وخال من العنف.

وطالبت بضرورة إقرار قانون عقوبات فلسطيني مناسب لهذا العصر، يشدد فيه على عقوبة الاعدام لتكون رادعا لجريمة القتل.

وقانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية هو قانون أردني يعود لعام 1960، و يحتسب جريمة القتل على خلفية الشرف جنحة وليست جناية، وكان ينص قبل التعديل على “العذر المحل”’، أي إذا فاجأ رجل زوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته مع آخر على فراش غير مشروع، وقام بقتلها لا يحاسب أو يحاكم، لأن لديه عذره الذي أحل له الشرع، والعذر المحل قد يخفف الحكم لشهور أو قد يلغيه.

وترى كشك أن الحل للحد من هذه الظاهرة هو نبذ العنف والوقوف وقفة جادة حقيقية من قبل مؤسسات المجتمع وافراده لوضع حد لهذه الظاهرة وعدم الاكتفاء بتسجيل المواقف وترديد الكلمات المؤيدة لحقوق المرأة دون تحويلها إلى قرارات وأفعال واقعية، إضافة إلى رفع الوعي لدى النساء بحقوقهن وكيفية تحصيلها، اصدار قانون عقوبات فلسطيني جديد يتناسب وعصرنا الحالي، ويوفر حماية اجتماعية واقتصادية للمرأة، وفرض عقوبة مناسبة لعمليات قتل النساء.

وتقول: “توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض، بحكم العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وعدم توفر الوعي الكافي يجعل النساء يصمتن مستسلمات عن حقوقهن”.

وتضيف ما تتعرض له النساء من جرائم عنف وقتل، يتطلب من الجهات المسؤولة إقرار رزمة من القوانين لحمايتها، وحماية الأسر من العنف، وسن قانون للأحوال الشخصية وحماية النساء في بيوت العدالة.

وطالبت بزيادة دور مراكز الإيواء، وقيام رجال الدين ووزارة التربية والتعليم بدورهم المجتمعي، عبر توعية المواطنين والطلبة وتثقيفهم، للحد من ظاهرة العنف ضد النساء.

وتؤكد كشك على أن مواجهة العنف ضد المرأة يتطلب جهودا متضافرة من المجتمع، والأحزاب والمؤسسات والحكومة، وقيام كل بدوره الجاد لوقف القتل بحق النساء، ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع.

فيما تقول الخبيرة النفسية والمحاضرة في دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة بيت لحم منيفة جرايسة إن أسباب ارتفاع الجرائم متعدد، منها أسباب تتعلق بسيادة القانون، والنظرة الدونية له من قبل الأفراد، والعقوبة غير المشددة، وامكانية استفادت الجاني من العذر المخفف.

وتضيف جرايسة أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالوعي، حيث كان في القدم ترتكب الجرائم دون علم او كشف من احد، لكن اليوم اختلف الوضع اصبحت الجرائم التي ترتكب تكتشف بوقت قصير وفوري، وأصبح الناس عندما يغيب شخص يعرفونه يبلغون عن اختفاءه، وهذا ما يجعل قضايا القتل عائشة وولن تموت.

وتتابع جرايسة ان هناك سبب اخر يدفع المجرم لارتكاب جريمته وهو يتعلق بالميراث، حيث ان فكرة تحصيل حقوق المرأة غير مقبولة عند الكثير من ابناء فلسطين لذلك يقومون بالقتل بهدف الاستيلاء على الورثة ويضعون حجة القتل على انه جريمة على خلفية الشرف خوفا من اعطاء المراة حقها في الميراث او خروجه خارج العائلة.

وتنفي جرايسة ان يكون الاحتلال كما يدعي البعض سببا للقتل،  أو الضغط النفسي أو الوضع الاقتصادي أو الأسر أو الإغلاق.

وتؤكد جرايسة أن جرائم القتل أصبحت ناقوس خطر يهدد كل بيت، ويجب أخذ وقفة جادة تجاهه لانه موضوع يقع على عاتق الجميع، وهو مسؤولية مجتمعية.

رفض مجتمعي لظاهرة القتل .. لا شرف في القتل

يقول الشاب بكر عبد الحق إن الله الوحيد القادر على محاسبة الناس، وهو من يهبهم الحياة وهو الوحيد القادر على أخذها منهم.

ويضيف عبد الحق أن سبب القتل وخاصة قتل النساء يكون بدوافع أخرى بعيدة عن الشرف، مثل الميراث وسفاح القربى، وضعف القانون المعمول به حاليا وعدم اعطاء عقوبة قاسية ضد القاتل تشجع على القتل.

ويشير إلى أن عدم تحقيق العدالة في قضايا الخلافات الأسرية يعزز الجريمة والعنف، ويرى عبد الحق ضرورة وجود مراكز مختصة مساندة للقضاء في البحث وراء الخلافات والنزاعات والعمل على حلها قبل ان تستفحل وتصل الى الجريمة.

وتقول الشابة سلام بني عودة: «لا شرف في القتل»، والقتل وإن تعددت أسبابه يبقى جريمة وزهق للروح البشرية، ويجب ان توقع في المذنب اقصى العقوبة لتكون رادعة لغيره ممن يفكرون بارتكاب فعل القتل او التخطيط له.

وتضيف سلام: «إلا أن الشرف لا يختص بالمرأة دونا عن الرجل، وان من يرتكب أي جريمة تحت مسمى الشرف تكون حجة من اجل الافلات من العقاب (…) كثيراً من اللواتي قتلن على خلفية الشرف تبين أنهن ما زلن بكراً».

ويقول الشاب أيمن أبو عيشة: «انه حتى لو وجد حالة زنا فعلاً فإننا نجد تمييزا وازدواجية في التعامل ما بين الشاب والفتاة واللوم يلقى كله على الفتاة».

ويضيف ابو عيشة ان افعال الزنا هي جريمه شنيعه ومعاقب عليها في القانون لكن الفكرة الأساسية من الذي يحكم على هده الفتاه او المرأه انها فعلت فعل مشين أم لا.» 

ويتابع أبو عيشة إن الاب والاخ يحكمون انفسهم قضاة وجلادين وياخدون احكاما مستعجلة على الفتاة ويقومون بقتلها بدافع غسل العار، وكم من فتاة قتلت ظلما بسبب العادات والتقاليد.

 

وما زال الفلسطينيون يطمحون بإقرار قانون عقوبات رادع لكل من تسول له نفسه على رتكاب جريمة قتل بحق المرأة، تغيير قانون الأحوال الشخصية ليوفر حماية وأمن للنساء.