كثيرة هي التسميات والمصطلحات التي تتردد يومياً على ألسنتنا، وخاصة في المجال السياسي ـ أو ما له علاقة بهذا المجال ـ ولا نلقي إلى دلالاتها البعيدة بالاً، فتجدنا نتداولها على علاّتها دون تدقيق في تلك الدلالات أو تمحيص.
وحينما يدقق الفطن الحصيف في الكثير من هذه التسميات والمصطلحات فإنه لن يشكّ للحظة في أنها ثمرة مُرّة من شجرة خبيثة زرعت بليل حالك وسقيت من ماء المكيدة الفاجرة والدسيسة الخسيسة، ذلك أن الهدف من مثل هذه التسميات والمصطلحات هو تمرير وتثبيت أفكار مضللة من خلال الدلالات البعيدة والعميقة لهذه التسميات والمصطلحات، وهذا ما يوجب على الجماعة المستهدفة أن تكون لها مصطلحاتها وتسمياتها، وأن تعمل على تثبيتها، من خلال المناهج ووسائل الإعلام لتكون المصطلحات والتسميات التي تعكس الواقع بدلالاتها المختلفة هي الفائزة فيما يمكن لنا أن نسميها معركة التسميات!
وفي هذا السياق، وفي مجال التسميات، يمكنناـ على سبيل المثالـ أن نورد اسم (جامعة الدول العربية ) أو ( الجامعة العربية ) وهي التسمية التي يرددها الكثيرون من أبناء الأمة منخدعين بالمعنى القريب المباشر للتسمية، باعتباره يشير إلى مؤسسة تجمع الأقطار العربية ـ أو هذا ما ينتظر منها.
ولكن القليل من الناس هم أولئك الذين توقفوا عند هذه التسمية ليفترضوا أن (الجامعة) إنما أعطيت هذه التسمية من أجل الإيحاء بأن الغرض من هذه المؤسسة هو العمل على جمع كيانات متفرقة متنوعة، بينها اختلافات وخلافات، وهل يجمع الجامع إلا ما هو مفرّق أصلاً ؟ ولعل الغرض من ذلك هو أن تتثبت في الأذهان الصورة النمطية لأقطار الأمة وهي صورة الفرقة والتجزئة والتنوّع، وهو ما يخدم الذين عملوا على إنشائها، في ذلك الحين، من العرب والغرب.
وفي المقابل، يمكننا أن ننظر نظرة مقارنة إلى هذا الأمر لدى فقراء إفريقيا، لنجد أنهم ليس فقط أكثر تقدماً من العرب الأغنياء في التمرد على السيد، وذلك عندما رفعوا الحصار الجوي المفروض على ليبيا في حينه على الرغم من معارضة ذلك السيد، بل نجد أنهم أكثر تقدماً أيضاً حينما أطلقوا على منظمتهم الإقليمية اسم ( منظمة الوحدة الإفريقية ) متفائلين من خلال هذه التسمية بالوحدة التي لم يتبارى الأفارقة بالتشدق بها أكثر من الحكام العرب في واقع الحال، ولم يكتف الأفارقة بذلك، بل سعوا إلى تطوير صفة هذه المنظمة، ولو معنوياً ودلالياً، فسموها ( الاتحاد الإفريقي).
أما على صعيد المصطلحات ،فيكفينا أن نسوق على سبيل المثال ـ من تلك الثمرة المرةـ تسميتين لنفس المسمى، وهو ( الوطن العربي )، والذي يسميه البعض منا أيضاً ( العالم العربي ) وذلك ـ بقصد أو بدون قصد. كما تسميه الجهات الغربية، وشتان بين (الوطن) و(العالم) من حيث المعنى والدلالة، فكلمة الوطن توحي بالانتماء والوحدة بمقدار ما توحي به كلمة العالم من التعدد والتنوع والاختلاف!
وليس بعيداً عن هذا السياق، بل في الصميم منه، وفي القطر السليب من الوطن العربي، أي فلسطين، تجد تلك الشجرة الخبيثة قد أثمرت الكثير من الثمار المرة، وهي تلك التسميات التي ناقشها بتعمق صديقي الباحث والناقد عزيز العصا في كتابه ( فلسطينيو 48)، والمعروف أن تلك الشجرة الخبيثة لم تتوان في أن تعطي الكثير من ثمار التسميات المرّة ، والتي لم تتوقف عند الأرض والإنسان فقط، بل تجاوزت ذلك حتى إلى عالم الحيوان أيضاً، فسمت الغزال الجبلي الفلسطيني ـ وهي تسميته العلمية. بما يروق لها، فأطلقت عليه تسمية ( الغزال الجبلي الإسرائيلي)، أما الحية الرقطاء السامة فلم تجد بأساً في أن تبقي على اسمها العلمي المعروف: أفعى فلسطين!