السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صندوق النفقة الفلسطيني قد يتوقف نهائياً

الحكومة تماطل بإقرار تعديل قانون سينقذ مئات الأسر المهمشة

2013-11-13 00:00:00
صندوق النفقة الفلسطيني قد يتوقف نهائياً
صورة ارشيفية

رام الله – خاص بـ «الحدث»

تأسس صندوق النفقة الفلسطيني بموجب القانون رقم (6) لعام 2005  بهدف ضمان تنفيذ حكم النفقة الذي يتعذر تنفيذه بسبب تغيب المحكوم عليه أو جهل محل إقامته أو عدم وجود مال ينفذ منه الحكم أو لأي سبب آخر. والفكرة الأسمى من تأسيس الصندوق هي ضمان تماسك النسيج المجتمعي الفلسطيني من التفسخ والحفاظ على الكرامة الإنسانية للأُسر المهمشة المستفيدة من خدمات الصندوق خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه المجتمع الفلسطيني، حيث يمكّن الصندوق النساء المحكوم لهن بالنفقة -المتعذر تنفيذها على المحكوم عليه- من الاستدانة من هذا الصندوق بالقدر المحكوم به، ويقوم الصندوق نفسه بالتحصيل من المحكوم عليه بالنفقة لاحقا ويتم تحميله غرامة مالية بقيمة %5 من المبلغ المصروف من الصندوق. 

لكن الصندوق، ورغم الرسالة الإنسانية النبيلة التي أُنشىء من أجلها، والتي تُشكل فكرة رائدة في عالمنا العربي، ورغم الآمال العريضة المعقودة عليه في تعزيز منظومة العدالة الاجتماعية وحماية الأُسر المهمشة المستفيدة من خدماته من الضياع باعتباره الملاذ الأخير لها، قد بات مهدداً بالتوقف نهائياً عن العمل نتيجة العجز المالي المتراكم الذي يعاني منه والذي من المتوقع أن يصل إلى 2 مليون شيكل، وأن يتفاقم هذا العجز المالي مع مرور الزمن، نتيجة ارتفاع أعداد الفئات المهمشة المستفيدة من خدمات الصندوق وقلة موارده المالية. 

سائدة دريعات، من مدينة أريحا، تركها زوجها وليس لها من معيل أو أي دخل مادي سوى أنها تتلقى مساعدة من صندوق النفقة الفلسطيني، تقول: «ستحل علينا كارثة كبرى، إن حصل وتوقفت مساعدات صندوق النفقة، فهي بالأصل لا تكفي للأكل والشرب، فما زلت أذكر حتى اللحظة ابتسامات ووعود المسؤولين أمام عدسات الكاميرات عندما جرف السيل بيتنا الخشبي أنا وطفلي وأخي المعاق ووالدي العجوز قبل عام، ووعدونا بمساعدات تقينا شر العوز، وها نحن اليوم دون كل تلك الوعود، وأنا أناشد كل ذي نخوة وضمير حي أن ينظر إلينا بعين العطف والشفقة، فالله وحده يعلم كيف أتدبر الأمور بـ400 شيقل فقط آخذها من الصندوق شهرياً، ونحن نعيش في سقيفة خشبية حيث لا ماء ولا كهرباء».

مؤقت: %70 من المستفيدين هم من الأطفال، والعجز في الصندوق قد يصل إلى 2 مليون شيكل

تقول المدير العام لصندوق النفقة الأستاذة فاطمة مؤقت في التعقيب على حال سائدة: «لا شك أن مبلغ 400 شيكل هو مبلغ زهيد جداً، ولا يكفي لأقل الاحتياجات الأسرية الأولية، ولكن حتى هذا الزهيد، قد يتوقف نهائياً إذا ما استمر الوضع الحالي للصندوق على ما هو عليه، فالفارق بين إيرادات الصندوق وبين نفقاته كبير جداً، الأمر الذي خلق عجزاً هائلاً بلغ حوالي مليون شيكل حتى اللحظة».

ووفقاً لقانون صندوق النفقة؛ فإن الموارد المالية للصندوق تتكون من: رسم بقيمة خمسة دنانير أردنية يفرض على كل عقد زواج أو حجة طلاق، ورسم بقيمة دينار أردني يفرض على كل مصادقة على عقد زواج يقدم للمحكمة المختصة، والأموال التي يحصّلها الصندوق من المحكوم عليهم، والمنح والهبات والمساعدات إن وجدت، والمبالغ المخصصة للصندوق من الموازنة العامة السنوية للسلطة الوطنية الفلسطينية. 

وبحسب كشوفات الصندوق؛ فإن قيمة الإيرادات التي جبتها المحاكم الشرعية تحصيلاً للمبالغ المفروضة عن كل عقد زواج هي 900 ألف شيكل سنوياً، في حين تبلغ قيمة المبالغ المستردة والتي يحصلها الصندوق ما يساوي 300 ألف شيكل سنوياً حيث لا يعد هذا المبلغ إيراداً بالمعنى المحاسبي الدقيق. 

وتقول مؤقت بأنه «مع وصول عدد متلقي الخدمة من الصندوق في العام 2012 إلى حوالي 596 مستفيد/ة بتكلفة مالية قدرها (1,625,000) شيقل أي بنسبة 1 من إجمالي الإيرادات، فمن المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة في العام الجاري إلى 2 مليون شيكل والذي يمثل ما نسبته %227 من الايرادات، كما أن زيادة النفقات التشغيلية نتيجة لنمو أنشطة الصندوق والفئات المستفيدة، يمثل تحدياً آخر يستنزف موارده، ويزيد من حدة الأزمة المالية الراهنة، فالنفقات التشغيلية بلغت في العام 2012 حوالي مليون شيكل أي بنسبة 2 من الإيرادات التشغيلية. كما ولا بد من الاشارة إلى أن إعادة نشاط الصندوق في قطاع غزة سيضاعف عدد المستفيدين/ات من خدمات الصندوق مما سيزيد من العبء المالي على ميزانية الصندوق مقارنة بالإيرادات الحالية». وتؤكد مؤقت أن الوضع المالي المشار إليه يعني أن الصندوق سيواجه عجزاً متوقعاً في الموازنة لعام 2013 بحوالي 2 مليون شيكل أي بنسبة %234 من الإيرادات التشغيلية المتوقعة.

وتضيف مؤقت “بعكس الصورة النمطية عن المستفيدين من الصندوق أنهن من النساء، فإن %70 من المستفيدين هم من الأطفال، وتتنوع النفقات لتشمل: نفقة أقارب، ونفقة تعليم، ونفقة علاج، ونفقة مسكن، ونفقة والدين، ونفقة ولادة، ونفقة صغار، ونفقة زوجة، ويعطي الصندوق مساعدات لطلبة جامعيين غير قادرين مالياً، وعجزة لا يجدون من يعيلهم”.

عدم التزام الغالبية بقرارات المحاكم الشرعية فاقم من أزمة الصندوق

وتشير مؤقت إلى أن واحدة من أخطر المشاكل التي تواجه عمل الصندوق هي عدم التزام المحكومين بقضايا النفقة بقرارات المحاكم الشرعية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن %7 منهم فقط يلتزمون بدفع المستحقات، ومع الجهد المبذول من قبل دوائر التنفيذ والتعاون المهم مع كل من وزارة النقل والمواصلات عبر الحجز على السيارات، وسلطة النقد بالحجز على الأموال، وسلطة الأراضي بالحجز على الأملاك، إلاّ أن ازدياد نسبة التحصيل نتيجة الجهد المبذول، رافقها تضخم أعداد المستفيدين ليبلغ في العام الجاري حوالي 1500 مستفيد/ة، ما يخفض قيمة الملتزمين بالدفع، عدا عن أن هناك 4 آلاف قضية نفقة في المحاكم الشرعية حالياً، فالأرقام تنذر بالأسوء».

وتوضح مؤقت ماهية ومغزى التعديلات المقترحة على قانون صندوق النفقة بقولها « تقدمنا بطلب لتعديل قانون صندوق النفقة، باستحداث فرض رسم على كل شهادة ولادة بقيمة 5 دنانير لمصلحة الصندوق، وهذا أقل من ثمن علبة شكولاتة يوزعها ذوو المولود، فهذه الدنانير الخمسة ستقي أسراً بكاملها من الضياع، فبحسب نسبة المواليد في الضفة وغزة والتي بلغت 32 مولود لكل ألف نسمة حسب جهاز الإحصاء المركزي في العام 2010 والتي تقارب 128000 مولود ، فإنها ستوفر للصندوق ايرادات بحوالي 2 مليون شيقل سنويا».

وتتابع «كما أن رفع قيمة الرسوم المفروضة على كل عقد زواج او حجة طلاق من 5 الى 10 دنانير، وإضافة رسم بقيمة دينارين بدلاً من دينار واحد على كل مصادقة على زواج يقدم للمحاكم المختصة يؤدي بالنتيجة إلى مضاعفة الإيرادات لتصبح ضعف المبلغ المحصل حالياً والبالغ في المتوسط 900 الف شيكل».

وتقول «وفيما يتعلق بتعديل المادة 14 من القانون الأصلي نجد أن زيادة نسبة الغرامة المفروضة على المحكوم عليه  من %5 إلى تكون مبررة إذا ما راعينا الفروق المالية المشار إليها أعلاه ومقدار الجهد المبذول من قبل الصندوق في تحصيل الأموال من المحكوم عليهم لمصلحة المستفيدين/ات». 

وتشير أيضاً، إلى أهمية التعديل المقترح المتعلق بتخصيص ريع بعض الوقفيات لرفع إمكانيات الصندوق المالية، وإلى أهمية وجود فتوى شرعية من المفتي العام لجمع التبرعات للصندوق تتيح ذلك، وهي سلطة جوازية للجهات المختصة في وزارة الاوقاف، ولا نجد أحق من صندوق النفقة في تلقي ريع تلك الوقفيات.

ياغي: اتصلت بكل المعنيين لحل الازمة...لكن لا أحد يكترث

يقول عضو المجلس التشريعي علاء ياغي (الأكثر متابعة لقضايا ومشاكل الصندوق بحسب مؤقت) “حاولت كثيراً مع مجلس الوزراء، ومع عدد من مستشاري السيد الرئيس أبو مازن أيضاً، لإقناعهم بأهمية دعم الصندوق والمصادقة على مقترح القانون المعدل، لكن للأسف لا يوجد أي جهة مقتنعة بضرورة إنقاذ هذا الصندوق الذي يُعيل مئات الأُسر، وأقول إنهم بمثابة متنازلين عن هذا الموضوع”.

ويضيف “للأسف الموازنة المخصصة من قبل السلطة الوطنية للصندوق لا تغطي إلاّ الجزء البسيط من احتياجات الصندوق، ومجلس الوزراء لا يدرج الصندوق ضمن أولوياته، وهناك من هم في إدارة مجلس الصندوق أيضاً غير مكترثين لهذا الصندوق”.

ويرى ياغي أن الحل هو بأن تتولى الكتل النيابية في المجلس التشريعي هذا الأمر، وأن تشكل ضغطاً حقيقياً على مراكز صنع القرار لإقرار هذا التعديل، حيث أنها قادرة على صنع التغيير وإقناع أصحاب القرار بضرورة التعديل.

ويحذر ياغي من أن العواقب «الاجتماعية الوخيمة» لانهيار الصندوق ستكون على كافة المستويات، وأخطرها المستوى الاجتماعي، حيث سيتسبب بحدوث العديد من المشاكل الاجتماعية ويساهم في تفكيك الأواصر العائلية التي تميز مجتمعنا الفلسطيني».

عابدين: السبب الحقيقي للأزمة أن التشريعات والسياسات الحكومية لا ترى الفئات المهمشة

التقت الحدث بالمستشار القانوني في مؤسسة «الحق»، والمحاضر في جامعة بيرزيت الدكتور عصام عابدين، والذي أكد أن الأزمة التي يواجهها الصندوق هي أزمة مركبة ومرشحة للتفاقم مع مرور الوقت وتهدد استدامته، وهي ناجمة بالأساس عن وجود خلل عميق في السياسات والبرامج الحكومية التي تُعاني من غياب في الأولويات، وبخاصة فيما يتعلق باحتياجات الفئات المهمشة عموماً، فهم يعانون من الحرمان والتهميش في برامج الحكومة وموازناتها العامة، كما ولا توجد خطة تشريعية واضحة المعالم والأهداف تعكس احتياجات وأولويات المجتمع الفلسطيني. 

ويقول عابدين «بكل ألم وأسف أقول إن الأولوية في المجال التشريعي والسياساتي هي لأصحاب النفوذ والاقتصاديين ورجال الأعمال، أما المهمشين فلا يجدون مكاناً لهم في أولويات الجهات التنفيذية والتشريعية، وفيما يبدو أن التشريعات التي تصدر منذ عدة سنوات لا ترى ولا تخاطب الفقراء والمحرومين والفئات المهمشة بقدر ما باتت تخاطب ذوي النفوذ والمصالح المسيطرين على الاقتصاد الوطني، والشواهد على ذلك كثيرة، والحال كذلك في شأن السياسات الحكومية التي تنفّذ التشريعات. باختصار: “نحن أمام أزمة حقيقية في مفهوم العدالة الاجتماعية”. 

ويضيف عابدين: من المفروض أن يكون القانون هو انعكاس لاحتياجات وأولويات المجتمع، وإلاّ فقد القانون فلسفة ومبرر وجوده، وقانون صندوق النفقة هو الملاذ الأخير للفئات «المسحوقة» التي تستفيد من الخدمات البسيطة التي يقدمها، والتي هي في تزايد مستمر، ومشروع تعديل قانون صندوق النفقة الفلسطيني يهدف بالأساس إلى زيادة موارد وإمكانيات الصندوق كي يتمكن من الاستمرارية في القيام بمهامه ومسؤولياته تجاه الأُسر المهمشة المستفيدة من خدماته، وتطويرها وتوسيعها في المستقبل، وأنا أتساءل هنا لماذا تتجاهل الحكومة ومستشارو الرئاسة احتياجات الصندوق ومقترحات تعديل القانون في حين يجري تعديل قانون ضريبة الدخل أربع مرات مثلا؟! بل أين موقع الفئات المهمشة عموماً من جميع التشريعات التي صدرت في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني؟! 

ويرى عابدين أن أطرافاً كثيرة مقصرة في هذا المجال؛ بدءاً من المجتمع الفلسطيني ذاته، مضيفاً «كيف يرضى المجتمع بإمكانية انهيار فئات مسحوقة مستفيدة من خدمات الصندوق التي تشكل ملاذاً أخيراً يحميهم ويحفظ كرامتهم بعد أن تقطعت بهم السبل؟ وأين دور مؤسسات المجتمع المدني من قوى وأحزاب ونقابات ومؤسسات أهلية؟ وأين الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي؟ وأين المسؤولية الاجتماعية للبنوك ورجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى الذين يراهم القانون تجاه فئات مهمشة بات لا يراها ولا يخاطبها القانون؟ ولماذا يغيب الإعلام عن قضية إنسانية وأخلاقية بهذه الأهمية؟ إذا كان أصحاب القرار مقصرين بطريقة لا يمكن السكوت عنها، فأين كل هؤلاء؟؟»