لحماماتك السلام، وللساحة الواسعة التي تتخلل الروح وهي تحيط بالأمنيات الزرقاء حول القبة من جهاتها الست...
لم أعد أذكر منك غير رائحة العطارين والخبز الصاعد حديثاً من الفرن، كنت أتعجب صغيراً كيف يضعون السمسم ولا يحترق حين ينضج الخبز، وكنت أركض أمام أبي في أول مرة يأخذني إلى هناك وأتفحص بقدمي الصغيرتين أرضية المدينة القديمة لأرى أي زيت سكبوه عليها، لأكتشف لاحقاً أنه انعكاس الشمس الأسطوري، وأنه لا يوجد زيت من أي نوع انسكب من قارورة فلاحةٍ على الأرض...
أراهم من بين الشقوق يخرجون على شكل أزهار، قال لي شيخ مرةً إنهم الشهداء يرفضون مغادرة المدينة فيخرجون من بين شقوق حجارتها كأزهار وأعشاب بعد أن يعطيهم الله الخيار بين الجنة وبين أن يكونوا بين مفاصل الحجارة، ينهار كل شيء مثل حلمٍ سيء، وتبقين واقفةً في الذاكرة، حتى عندما تنهار الذاكرة.
اعتذاري ليس عن اغتصابك، ولن يكون عن الشهداء الذين سقطوا فيكِ أو بسببك، بل عن ظنِّكِ الطيب بالناس حولكِ، تمنيتُ أن أقولها لك منذ أن أحرقوا المآذن قبل أربعة عقود، لكنك كنتِ تبتسمين كطفلة بضفائر سوداء منكوشة، وتفرشين الأمل على المقاهي التي بقيت من نحت التاريخ، وتحجلين على قدم واحدة وتقولين: أنا القدس، وهذا يكفي لأكون سيدة المدن، لا اسمَ يعلو فوق اسمي، لم يكن غرور في صوتك، بل كان ثقة طفلة بأبيها وأمانها بين يديه، وأبوكِ مات، لكنهم لم يخبروكِ كي لا يصيبك ما يصيب الأيتام، ولم تكوني لتقبلي الشفقة على أية حال.
ليتنا لم نكن من هنا، ليكون اعتذارنا أخف وطأةً، لنبرر لأنفسنا ما لا يمكننا فعله، لكنك بعيدة فقط كمنزل جار في آخر الحارة، وكل المشكلة رغم كل هذا القرب، أن الجميع يدير ظهره وينظر إلى الناحية المعاكسة ويقول: أين هي؟ لا أرى شيئاً مما تقولون.