عالم المثقفين
بقلم: عفاف خلف
أدخل بوتقة الزمن الآني، أو ربما هي بوتقة الصهر، أبحث عبثاً عن سم ألج منه إليك، أعيد ترتيب الوقت المتشظي، وسائدي، ملاءاتي، وخيط التطريز الأول، لأحيك ثوبَ عرسٍ قد لا يكون مضبوط القياس، كقهوتنا المضبوطة على مقاس الحب دون سكر، فالحب لا يحتمل الرتوش، وثوبي مزركشٌ أكثر مما يجب، هكذا شاءت جدتي، وإرثي طويل.
أشتاق.. وعلى الثوب عينٌ كليلة المدى، يتلألأ فيها الدمع، حاسرة، والشوق سياجٌ من شوك.
علموني، منذ البدء، أن حزام العفة نار، وطوق الحب حرام، وترانيم الشعر غواية، والنظرةَ، محض النظرة، رجسٌ من عمل الشيطان، والصوت سياطٌ يُكوى بها ظهري، والجسد نجاسة، والتفكير شرك، ختموا عيني، وضعوا أمام الخيمة بنادقهم، وارتحلوا، واتسعت ألفُ عينٍ لهم تمّد أصابع اتهامها كخناجر، صلبوك أمامي، وقالوا: تحجّري.
أدخلُ شرنقتي الآن، فما جدوى الفضاء اللاسع، وأجنحتي مطية اللهب!
أتعلم، أحياناً لا أعرف بماذا أدعوك!
تقول: طفلتي، صغيرتي، وقد تجرؤ وترسمها... حبيبتي.
أما أنا فقد صادروا لغتي، لذا سأبقيك بلا عنوان...
بحق ما سلبوه مني، لا تحاكمهم الآن.
محرجةٌ منك، ومحرجة بك، وخائفةٌ عليك ولأجلك، وأعرف أن النهايات التي تقتلنا، هي ذات النهايات التي نحلم بأن تكون.
تقول: ضعيفة، وخائرةٌ، ومشتتة، و... شرقيةٌ وقت الغروب.
و... نسيتَ أن هوسي شرقي الجذور. لن أحاكم فيك أنوثتي الآن، هناك شيءٌ ما كُسر، مذ أوهموني بأني ضلعٌ قاصر، كي لا أبحث عن كمالٍ أبعد من حدود عينيك، وكي أظل وفية للمحيط! محيطٌ يغرقني إذا ما عنَّ على باله الطوفان، لذلك أوصدُ أبوابي أمام وهج الشمس.
كل شيء رهن الحياة، وأنا رهينة السياط، والأفواه القاذفة، اللاعنة، المدينة.
ربما لأن المدينة التي تقيم لي حفلة العرس، هي ذات المدينة التي تحيك لي ثياب الكفن.
ستجلس أمامي مهزوماً، وألف انكسارٍ يهدهد الوجع فيك، تخبرني كم أن “الشرقية” لعنة، وكم تتمنى لو “نكون” أكثر حريةً وانعتاقاً، ولو... أرفع رأسي قليلاً حين يصموني بالحب، ولا يتمرغ جذعي بتراب العادات، ويتعفر جبيني بتقاليد بالية.
وسأتذكر أبداً أن الكينونةَ سلاحٌ ذو حدين، تقلّبنا جراحاً كيف تشاء.
لماذا رأيتنا دائماً على قدمٍ من المساواة، ولم أرَ كيف تستطيل عكازك لتسير في حياتك عرجاً، دون أن يجمعنا طريق!
ولماذا أراني في لحظات ألغي ذات العكاز التي تعين، وذاتها التي تجلد؟!
ألأنك تشترط الحرية سلاحاً في زمن العهر!
أيها الرجل...
ما زلتُ أحار في تسميتك، وما زالت أصابعي رهينة القبيلة، وأحلام الجدة الكبرى.
لذا لن أغازل جوع العراة برغيف، ولن أقتسمني معك.
ولن تخرج عن جوقتك الآن، لتطالب بحصتك من الشمس، وحصتك برغيفٍ تشتهيه.
فقط
حين تتحرر أنت، سأهبك الاسم الذي تحب.
همسة:
الحرية تبدأ بكم وتنتهي عند بابِ بيتٍ لكم، كذا علّمني انفصامك، وانفصامي عن حريةٍ أردتها إكليلاً ومشنقة.