الحدث- عامر بعلوشة
مشوار صغير من غزة على طريق البحر من غزة حتى رفح، يجعلك ترى وتشمّ كم القذارة الفظيعة، الت غطّّت على معظم مناطق وشواطئ القطاع. فرائحة البحر وهواءه الطلق تقريباً قد اندثرت، وحطّت مكانها رائحة القاذورات ومياه الصرف الصحي، وهو الأمر الذي لم يكن جديداً على سكان القطاع، ولكنه في هذا الصيف تحديداً؛ زادت وتيرته وانتشاره، مما شكّل انتكاسة جديدة لأهل غزة المحاصرين، بحكم أن البحر هو منفسهم الوحيد، للهروب من حرارة الصيف، وقطع الكهرباء.
ماهيّة المشكلة ؟
بحسب مصادر مطلعة فإنه يومياً يتم ضخ ما يزيد عن مئة وعشرة ألاف كوب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، ويتم ذلك من خلال ثلاثة وعشرين مصرفاً لمياه الصرف الصحي، تنتشر على طول شاطئ بحر قطاع غزة، ومنها من يصب بشكل ثابت، ومنها من يصب بشكل مؤقت "أي في أوقات الطوارئ". ويأتي الإزدياد في كمية هذه المياه غير المعالجة، بالتناسب مع قطع الكهرباء وتوقف محطات تصفية المياه الصحي قبل ضخها إلى البحر دون معالجتها، وهو ما يشكل خطراً بيئياً وصحياً محدّقاً، تزداد وتيرته في كل صيف، بالإضافة إلى أن بلديات القطاع تحتاج إلى ما مقداره (400 ألف لتر) على الأقل من الوقود شهريا، لتشغيل المضخات في حال انقطاع التيار الكهربائي، وفي حالة زيادة ساعات الانقطاع اليومي للتيار تزيد الحاجة لكميات الوقود، وبالإشارة أيضاً لعدم توفر قطع غيار لمولدات الكهرباء، وعدم المقدرة على معالجة مياه الصرف الصحي بشكل عام، مما يؤدي إلى ضخّها للبحر مباشرة، بالتزامن عدم وجود أي مشاريع بديلة للتخلص من المياه العادمة أو الإستفادة منها.
الخطر الذي يسببه التلوث
وفي تقرير حقوقيّ لمركز الميزان لحقوق الإنسان حول مخاطر هذا التلوث على حياة الإنسان، لفت إلى أنّ السباحة في مياه البحر الملوّثة تسبب الإصابة بالميكروبات التي تسبب عدة أمراض يمكن أن تهدد حياته، منها: الأمراض الجلدية لدى الصغار والكبار (وتسبب طفحاً وحساسيّة)، وانتشار الإسهال والمَغص خاصة لدى الأطفال، وانتشار الطفيليات المعوية (كالجارديا، الأميبا، وغيرها)، إضافة لإصابات في العين وفي الأذن قد تتطور إلى ضعف في النظر والرؤية في العين أو ضعف في السمع.
وقد اعتبر مركز الميزان في تقريره بأن هذا التلوث خطر على حياة الإنسان، وأن إغلاق البحر وتحويله إلى مستنقع كبير من مياه الصرف الصحي كارثة بيئية بكل المقاييس، وأنّ عدم العمل لزيادة ساعات الكهرباء وإيقاف تقليصها سيكون له خطورة بالغة وأبعاد كارثية. ولفت التقرير إلى أنّ ساحل قطاع غزة يمتد بطول 42 كيلو متر تقريبا، ويتعرض لأنواع كثيرة من التلوث والممارسات الضارة التي تؤثر بشكل سلبي على البيئة البحرية، وعلى مناطق الاستجمام والثروة السمكية، وغير ذلك من أوجه الحياة العامة، وأن أكثر من بلدية من بلديات القطاع تضخّ مياه الصرف الصحي في مياه البحر، نظراً لقصور محطات معالجة مياه الصرف الصحي الموجودة في القطاع في معالجة المياه العادمة بالشكل المطلوب، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود ومنع دخول المضخات وقطع الغيار نتيجة للحصار، لذلك اختصرت محطات معالجة مياه الصرف الصحي دورات المعالجة، ما أدى إلى زيادة مستويات التلوّث في مياه الصرف الصحي المعالجة جزئيا أو غير المعالجة والتي يجري تصريفها في البحر.
وقد حذّر المهندس منذر شبلاق مدير عام مصلحة مياه الساحل في تصريح سابق له، من خطورة السباحة في بحر غزة، مشيراً إلى نسبة التلوث الكبيرة التي تعاني منها مياه البحر، جرّاء ضخ المياه العادمة غير المُعالجة، وعدم إيجاد سُبل وقاية بيئية ملائمة.
وأكّد شبلاق على أن قطع الكهرباء وبعض الإجراءات الإسرائيلية التي تعيق دخول المواد والاجهزة المناسبة، أدت إلى هذا الارتفاع في ضخ المياه العادمة.
كما وطالب البلديات والهيئات المختصة بوضع يافطات تحذيرية للمواطنين في المناطق شديدة الخطورة للحفاظ على صحتهم، مشدداً على أهمية إيجاد دور سريع لحل المشكلة.
آراء المواطنين
وفي تقصّي الحدث لبعض آراء المواطنين حول المشكلة؛ قال أيمن زقوت، وهو جريح ومصاب بإعاقة حركية جراء إصابته، في مداخلته لمراسل الحدث: " انا مقعد على كرسي منذ سنين، وفي غزة كما نعلم لا يوجد أي منفس أو وسيلة من شأنها أن تخفف عن أي أحد، وتابع بالقول: "البحر طيلة عمري كان ملاذي الأول، ننتظر الصيف كيّ نذهب إليه، وحين نذهب نجده بهذا الشكل"، وأضاف زقوت: "لا بد من وضع آلية جديدة تحمي بحر غزة من هذا التلوث، وتحافظ على ما تبقى من جمال في غزة".
وعلى غراره قال المحامي وديع العرابيد للحدث: " تلوث بحر غزة هو إضافة لمعاناة الناس وزيادة في خنقهم. و أضاف: "أشعر بالحزن فعلاً على بحرنا، وأتمنى أن يكون هناك خطة شاملة وجادة لحل هذه المشكلة، لما لها من أبعاد بيئية وصحية خطيرة".