ترجمة الحدث- أحمد بعلوشة
ناريندرا مودي، الذي غادر إسرائيل يوم الخميس، كان أول رئيس وزراء هندي يزور البلاد ويقضي فيها 49 ساعة، شارك خلالها في أكثر من اثني عشر فعالية، وتحدث علناً خمس مرات. وخلال فترة تواجده، لم ينطق أبداً كلمة "الفلسطينيين" علناً.
هناك العديد من الأسباب التي جعلت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يكره رحيل نظيره الهندي، زعيم أكبر ديمقراطية في العالم .
وأظهرت الزيارة أن إسرائيل - على الرغم من أي شيء قد تقوله تسيبي ليفني ويائير لابيد- ليست سوى شيء معزول في العالم. وحولت إسرائيل انتباه الجميع إلى قضية الجدار الغربي التي هيمنت على الأخبار في الأسبوع السابق، وكانت وسيلة لجلب العلاقات بين الهند وإسرائيل إلى المستوى التالي.
لكن أحد الجوانب الأكثر إنعاشاً لنتنياهو، كما تقول صحيفة جيروسالم بوست، كان بالتأكيد أن مودي لم يحاضر علنا حول القضية الفلسطينية. وفكرة أنه جاء إلى إسرائيل ولم يقرن زيارته لها برحلة سريعة إلى رام الله للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فإن ذلك كان كافيا في عيون نتنياهو.
ولكن مودي فعل أكثر من ذلك، ولم يشر حتى إلى الفلسطينيين علناً، ولم ينتقد إسرائيل حول المستوطنات. وفي البيان المشترك الذي وضعه الجانبان بعناية والذي يلقي الضوء على دعم العلاقات بين البلدين، لم يرد ذكر الفلسطينيين في الوثيقة التي تضمنت 22 بنداً.
حتى الهند، التي كانت أول دولة غير مسلمة تعترف بفلسطين في عام 1987 أصبحت تتحدث بشكل عام عن "سلام عادل ودائم في المنطقة" دون أن تدعو صراحة إلى حل الدولتين. وكان نتنياهو يرغب دائماً أن يتصرف كل ضيوفه -وخاصة من أوروبا- مثل مودي.
لماذا؟ ماذا حدث؟ كيف يقوم مودي الذي كانت بلاده منذ عقود في طليعة مناصرة القضية الفلسطينية بعدم ذكر القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
هناك العديد من الأسباب، بعضها يرتبط بكيفية قيام الآسيويين بأعمال تجاري، والبعض الأخر يتعلق بكيفية إعداد مودي للرحلة.
وحول أسلوبها، فإن الهند وعلى عكس العديد من الدول الأوروبية، لا تحب دبلوماسية "مكبر الصوت".
وقد نوقشت القضية الفلسطينية خلال زيارة مودي خلال اجتماعاته مع نتنياهو، كما يتضح من صورة أظهرت وجه نتنياهو بشيء يتعلق بالفلسطينيين، كما أظهرت الصور اسحق مولكو، ورئيس الموساد يوسي كوهين.
لكن النمط الدبلوماسي للبلاد، وفقاً للمسؤولين الهنود، يتميز بمعالجة القضايا بهدوء ومن وراء الكواليس، وليس في وهج وأضواء الكاميرات. وقال المسؤولون إن هذا الأمر كان شائعاً بين الهند وقوى آسيوية أخرى مثل اليابان والصين التي تختار أيضا -على عكس الأوروبيين- عدم الحديث عن إسرائيل علنا وفق سياساتها.
كما أن مودي حاول الابتعاد عن جعل هذه الرحلة ثنائية، خاصة وأنه خطط بعناية لهذه الرحلة.
تم انتخاب مودي عام 2014، وكان هناك حديث عن أنه سيأتي إلى إسرائيل في صيف في صيف عام 2015 إلا أنهلم يفعل ذلك، حيث انتظر، وذهب أولاً إلى السعودية وإيران وقطر، وأوضح طبيعة علاقة الهند مع إسرائيل، وأن تحسين العلاقات مع إسرائيل لن يأتي على حساب بلاده.
وكان مودي قد دعا رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس إلى نيودلهي في مايو الماضي، ودعم تأييد دولة فلسطينية وتعهد بأن الدعم الهندي التاريخي للفلسطينيين لن يتراجع.
وبعبارة أخرى، حصل مودي على كافة النقاط على التوالي قبل أن يقوم برحلته التاريخية إلى إسرائيل، وهو أمر هام من منظور هندي.
وفي الوقت نفسه، ومن خلال انتخابه في عام 2014، استمرت العلاقة مع إسرائيل في النمو، وسط الحديث عن زيارة وشيكة. ومع ذلك لم يكن هناك فقط احتجاج من العالم الاسلامي، بل أيضا من المسلمين في الهند، والذين يبلغ تعدادهم 170 مليون شخص.
وأحد الأسباب التي كانت تكبح علاقة الهند مع إسرائيل، هو أن علاقة رفيعة المستوى من شأنها أن تثير غضب المسلمين في الهند.
ولكن الآن، بات من الصعب أن نصدق مثلا أن السعوديين سيخفضون مبيعات النفط للهند لمعاقبة مودي على المجيء إلى إسرائيل، خاصة وأنهم أيضاً يملكون علاقة مع إسرائيل.
أما عن الفلسطينيين، وعلى الرغم من أن ظلهم كان خفيفاً في زيارة مودي التي استمرت ليومين، إلا أن هناك الكثير مما يمكنهم القيام به، حيث أنهم يسعون إلى الهند العملاقة، أكثر بكثير مما قد تحتاجهم الأخيرة.