ربما هي وسائل الاتصال الحديثة، من صار يطلعنا على يهود يتفاعلون مع الموسيقى والأغاني العربية، صرنا معها قادرين على ملاحظة هذا الانتشار الواسع في ما يدعى " إسرائيل" للأغاني العربية الواردة إليهم من العالم العربي، سواء الأغاني الكلاسيكية كأم كلثوم، أو المعاصرة من مثل أغاني الراي في شمال إفريقيا.
بل ومنذ أيام قليلة شهدنا أحد المستوطنين اليهود يقف راقصا على ظهر سيارته أمام إحدى شارات المرور متفاعلا مع إحدى الأغنيات العربية، ومنذ مدة كنت أقرأ عن المسيري معلومات تفيد بوجود مدرسة لتعليم الرقص الشرقي في إسرائيل.
مؤخرا وقع بين يدي كتاب إيلان بابيه " فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة" الصادر عام 2015 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وفيه يتحدث عن ( يهود عرب/ مزراحيين) يتوقون لموسيقى تركوها وراءهم، يحنون إليها، ويجدون عبر المذياع والتلفزيون والإنترنت فرصتهم للاستماع إليها.
يلفتنا هنا حديث الكتاب عن أوركسترا عربية إسرائيلية، لا تخلو من رغبة في الاندماج مع العالم العربي، أو حتى الاستيلاء على كثير من خصوصياته كما الطعام أو حتى الثوب الفلسطيني.
مؤلف هذا الكتاب الآنف الذكر يرى أن الموسيقى ليست لها تأثيرات سياسية أو ثقافية بالنسبة لهويات المجتمعات، بدليل أن أحزابا يمينية متطرفة تستخدم الموسيقى العربية في حملات انتخابية توظف خطابا معاديا للعرب، بل إن القناة السابعة لمستوطنة غوش أمونيم تذيع نسخا معبرنة من بعض الأغاني العربية.
ومن هذا الباب شاعت موسيقى مزراحية بدأت في التسعينيات بموسيقى عربية الطراز تخلو من أية كلمات عربية.
ولا يظنن احد أن إسرائيل ترحب دائما بهذه الوجهة، فكثيرا ما عبّرت عن استيائها الشديد منها، ووصفت من يتبناها بأنهم ناشطون مخربون يتحدون هيمنة الموسيقى الغربية، خصوصا أن هؤلاء اليهود المزراحيين يتحدون في موسيقاهم مسلمات صهيونية، كما فعل مغني البوب اليهودي أفيف غيفن الذي تبنى خطا سياسيا انتقد فيه حالة العسكرة في إسرائيل، إلا أنه عاد وخضع للضغط الإيديولوجي، وهو ما ينقلنا إلى الحديث عن الفنون وإمكانية توظيفها لشجب مفاسد الاحتلال الإسرائيلي، كما أغنية مائير باناي في ثمانينيات القرن الماضي التي تعبر عن تساقط الشرعية الصهيونية وإحساس المستوطنين بذلك، وكما فعل منذ مدة إسحاق لاؤور حين سخر من هالة القداسة المفترضة للجيش.
ما تقدم من أمثلة ترصد فنونا قادرة على نقل وجهة نظر مخالفة للصهيونية يقودنا إلى إمكانية التعبير في المجتمعات الإسرائيلية عن النظرة الفلسطينية للحقيقة الإسرائيلية، من خلال ترجمة الرواية العربية للعبرية، عند هذه النقطة يشرح لنا الكاتب دورا لعبته دور نشر إسرائيلية في هذا السبيل، وهي الدور المعروفة باهتمامها المتزايد بترجمة مشاهير الكتاب من العالم العربي، وبالأخص أولئك الروائيين من فلسطين ومصر، دون أن يخفي أن دور النشر هذه كانت تستثني القصص الفلسطينية التي تحمل رسائل سياسية، لأنها بكل بساطة لم تكن لتحظى بفرص كبيرة في التوزيع، ولن تنال إقبالا واسعا من القراء.
هنا مرة أخرى، وبالاتساق مع المطروح سابقا، يحضر السؤال الآتي: إلى أي حد أتاحت ترجمة رواية إميل حبيبي إلى العبرية فرصة إعادة رسم صورة الحكم العسكري الذي فرض على الفلسطينيين عام 1966؟
وهل يمكن القول إن لهذه الرواية فضلها في تعريف القراء الإسرائيليين على تلك الفترة التي اقترفت خلالها الدولة جرائم ما كانوا ليعرفون عنها شيئا لولا الرواية، خصوصا أن دور نشر معروفة وإن على نطاق ضيق كانت قد تبنت أعماله، الإجابة تتعقد ونحن نستحضر حيازه عام 1992 على جائزة إسرائيل؟
عموما الكتاب يظهر أن اهتماما بالروائيين العرب قد انقطع في نهايات التسعينيات، بل إن كل محاولة لإعادة الاهتمام بها منيت بالفشل، علما أن دور النشر التي أخذت على عاتقها هذه المهمة قامت على رجل واحد أو امرأة واحدة، كما دار " أندلس" التي تخصصت في العقد الأول من القرن الحالي بنشر الترجمات من العربية إلى العبرية، وصاحبتها يائيل ليرير التي كانت تختار الترجمات بعناية، وخصوصا تلك التي تركز على بيان رأي العرب والفلسطينيين بالغرب وإسرائيل. وهي الدار التي عرّفت القراء في إسرائيل بنجيب محفوظ الذي ترجمت أعماله قبل ذلك في دور نشر مشهورة في إسرائيل، وكذلك عرّفتهم بالطيب الصالح وبرواية باب الشمس التي حكت قصة النكبة وما ترتب عليها من آثار.
أنهي مما لا بد من قوله وهو أن الغالب على دور النشر الإسرائيلية رفضها نشر أعمال تنتقد الصهيونية والاستشراق الغربي، أما ثانيا وهو الأهم أن دور النشر التي خالفت الشائع، وقدّمت وجهة النظر الفلسطينية لم ولن تعترف بشرعيتها.