غزة- حامد جاد
أثارت قضيتا خفض كمية بعض أصناف السلع الرئيسة المنضوية ضمن ما يعرف بكوتة السلع الواردة للأراضي الفلسطينية من مصر والأردن، وغير الخاضعة بحسب اتفاق أوسلو لمعهد المواصفات والمقاييس الإسرائيلي (تيكن) بل تخضع لبلد المنشأ، حالة من الاستياء في أوساط التجار والمستوردين لهذه الأصناف.
وتزامنت هذه القضية مع شكوى العديد من الجهات ذات العلاقة تجاه الإبقاء على تعطيل عمل مؤسسة المواصفات والمقاييس في غزة، وعدم تمكينها وموظفيها من القيام بالدور المناط بها في فحص المنتجات وضبط وحماية السوق المحلية، حيث حمّلت أطراف عدة وزارة الاقتصاد الوطني المسؤولية عن هاتين القضيتين اللتين ألحقتا ضرراً بالغاً بالتاجر والمستهلك في قطاع غزة على حد سواء.
كوتة السلع
تضم كوتة السلع المذكورة 21 سلعة يسمح باستيرادها حسب اتفاق أوسلو من الأردن ومصر، وتأتي هذه السلع عبر معبر العوجا (نتسانا) ومن ثم تدخل أسواق غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وتشمل منتجات مختلفة منها المواد الغذائية، والأجهزة الكهربائية، والأسمنت، والسجاد، وغيرها من السلع التي لم تخضع منذ العام 1994 لأي زيادة في كمياتها الموزعة بعدالة منذ ذلك الحين بنسبة %60 لسوق الضفة الغربية، و%40 لسوق غزة، وذلك بحسب التعداد السكاني في شقي الوطن.
بدء خفض الكمية المخصصة لسوق غزة
فوجئ عدد من تجار غزة المستوردين لهذه السلع لدى توجههم في مطلع العام الحالي للجنة تنسيق دخول البضائع بطلب الحصول على الكميات المعتادة التي يستوردونها سنوياً من هذه السلع برد أحد موظفي اللجنة الذي أبلغهم بعدم إمكانية استيراد الكمية ذاتها نظراً لقرار قضى بخفض النسبة المخصصة لسوق غزة من بعض أصناف الكوتة حيث تبين لدى الاطلاع على القائمة الجديدة لكوتة السلع ومقارنتها بالكوتة القديمة أن حصة سوق غزة من أجهزة أفران الغاز انخفضت من 2500 جهاز إلى 1700 جهاز، وذلك من أصل إجمالي الكمية البالغة 5000 جهاز، ما يعني أن حصة سوق غزة أصبحت %34 إلى %66 لسوق الضفة الغربية، أما أجهزة المكيفات فانخفضت من 1250 جهازاً إلى 760 جهازاً من إجمالي الكمية البالغ عددها 2500 جهاز، ما يعني أن حصة سوق غزة أصبحت %30 إلى %70 بالنسبة لسوق الضفة.
وانخفضت الكوتة من أجهزة التنظيف (الغسالات) من 3500 جهاز إلى 2800 من إجمالي الكوتا البالغة 8000 جهاز، ما شكل نسبة %35 مقارنة مع %65 إلى سوق الضفة.
وانسحب أمر خفض كمية السلع المخصصة لغزة على أصناف أخرى منها السجاد الذي انخفض بنسبته %8، واللحوم المجمدة التي أصبحت نسبتها من لحم الضأن %22 لغزة و%78 للضفة، وبالنسبة للحم العجول انخفضت إلى نسبة %36 لسوق غزة، و%64 لسوق الضفة.
زيادة كمية منتجات الكوتة المتوفرة في سوق غزة
وتضمنت التغيرات التي تم إجراؤها على سلع الكوتة الواردة إلى غزة ارتفاعاً في كميات سلع أخرى لا تحتاجها سوق غزة، ومنها أجهزة التلفاز التي ازدادت من 3500 جهاز إلى 5800 جهاز ما شكل نسبة %77 لغزة مقابل %23 للضفة. أما الصوبّات فارتفعت حصة غزة من 2000 جهاز «مدفأة كهربائية» إلى 4800 جهاز من إجمالي الكوتة البالغ عددها 5000 جهاز ما شكل نسبة %96 إلى غزة و%4 للضفة، فيما تم الإبقاء على الكميات المرتفعة بالأصل من السلع الهامشية الأخرى مثل البندق %80 لغزة و%20 للضفة، والنسبة مثلها لسلعة التين المجفف (القطين).
وفي لقاءات منفصلة مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بقضيتي كوتة السلع وكذلك قضية تعطيل عمل مؤسسة المواصفات والمقاييس، اعتبر التاجر أحمد أبو عيدة الذي يمتلك شركة لاستيراد الأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية، أن قيام وزارة الاقتصاد الوطني بخفض كميات السلع الأساسية المتميزة بزيادة حجم الطلب على شرائها في سوق غزة، أثر سلبا على التاجر والمستهلك، حيث أن التاجر لا يستطيع استيراد كمية محدودة من هذه السلع من الأسواق الخارجية كالصين التي تشترط توريد كمية تصل إلى 10000 جهاز من أجهزة التكييف، بينما التاجر في قطاع غزة بإمكانه استيراد مائة جهاز من أجهزة التكييف وأفران الغاز من الأردن أو مصر ضمن الكوتة المذكورة، وبالتالي فإن خفض هذه الكمية المسموح باستيرادها على مدار أكثر من 16 عاماً كانت بحسب أبو عيدة ضد مصلحة التاجر في غزة ولصالح مصلحة التاجر في الضفة.
وبين أبو عيدة أنه من المفترض أن تتم زيادة الحصة المخصصة لسوق غزة بدلا من خفضها انطلاقا من زيادة عدد السكان الذي يستوجب زيادة الكمية لسوق غزة، مشددا أنه كان يتوجب على وزارة الاقتصاد الوطني أن تطالب الجانب الإسرائيلي بزيادة كوتة السلع بشكل عام، لا أن تقوم بخفض حصة غزة.
وقال: «إن كافة الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الاقتصاد الوطني منذ العام 1994 أبقوا على حصة غزة ولم يقوموا بخفضها إلى أن تم ذلك في عهد وزير الاقتصاد الوطني الحالي د. جواد ناجي، وبالتالي نحن كمستوردين لهذه السلع نطالب د.ناجي بإعادة الكمية المخصصة لسوق غزة كما كانت عليه في السابق».
وأعرب أبو عيدة عن استهجانه من حرمان سوق غزة كليا من دخول أي سلعة من سلع الكوتة خلال فترة تزيد على العامين بداية من فرض الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع، حيث حرم تجار قطاع غزة من استيراد هذه السلع أو حتى بيع حصتهم لسوق الضفة الغربية، وبالتالي تم تحويل كافة الأصناف وكميات قائمة سلع الكوتا إلى أسواق الضفة، معتبرا أنه كان من المفترض على وزارة الاقتصاد الوطني أن تقوم بتعويض تجار غزة عن الضرر الذي لحق بهم خلال سنوات الحصار بدلا من خفض حصتهم من سلع الكوتا.
من جهته، اعتبر علي الحايك، رئيس جمعية رجال الأعمال، أن خفض حصة غزة من كوتا السلع يعكس حالة من عدم اهتمام الجهات المسؤولة في السلطة الوطنية بشؤون مواطني قطاع غزة، ويعبر عن حالة عدم التواصل بين وزارات السلطة الوطنية ذات العلاقة والقطاع الخاص في محافظات غزة.
وشدد الحايك في قضية كوتا السلع على ضرورة التفات السلطة إلى قضايا القطاع الخاص، ومواصلتها الضغط على الجانب الإسرائيلي والأطراف الدولية من أجل زيادة كمية سلع الكوتة وإدخال مستلزمات الإنتاج كافة من المواد الخام والمعدات والتجهيزات المختلفة التي تعاني أسواق غزة نقصا كبيرا فيها.
من جهته أكد وزير الاقتصاد الوطني د. جواد ناجي في إجابة مقتضبة له إنه عمل على تخصيص نسبة %60 من سلع الكوتة للضفة و%40 لغزة، بينما ما تضمنته قائمة كوتة السلع الصادرة عن وزارته لا تعبر عن هذه النسبة «لدى الحدث نسخة من القائمتين».
استمرار تعطيل عمل «المواصفات والمقاييس» في غزة
وحول قضية تعطيل عمل مؤسسة المواصفات والمقاييس استهجن د.ناجي إمكانية إعادة تفعيل عمل هذه المؤسسة في غزة في ظل وجود الحكومة المقالة، وصعوبة تحويل إيرادات المؤسسة إلى خزينة السلطة، معتبراً أن المقترح الذي قدمته إدارة المؤسسة في غزة ووافقت عليه «اقتصاد» المقالة بشأن تحويل إيرادات المؤسسة لحساب خاص بها يتم التصرف به بتوقيع من وزير الاقتصاد الوطني بصفته رئيس مجلس إدارة المؤسسة غير مقبول.
بدوره حذر راجي مسلم، مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس في غزة من خطورة غياب دور المؤسسة وانعكاس ذلك سلباً على المستهلك والمنتج، ما يعني المس بالتنمية المراد تحقيقها وتحويل سوق غزة إلى سوق عشوائية تعج بالسلع المختلفة غير المطابقة للمواصفات.
وانتقد مسلم عدم تمكين موظفي المؤسسة على مدار سبع سنوات مضت من الالتحاق بدورات تدريبية إلى جانب زملائهم في الضفة الغربية مبيناً أن جميع موظفي المؤسسة التزموا بدوامهم الوظيفي منذ الانقسام، ولكن لفترات متقطعة، ليعودوا مع مطلع العام الحالي إلى الالتزام الكلي بالدوام بموجب قرار صدر، مؤخراً، عن ديوان الموظفين العام لدى السلطة الوطنية الفلسطينية.
وتطرق مسلم إلى ما تحتاجه مؤسسة المواصفات والمقاييس من أجهزة وتسهيلات لوجستية كي تواصل عملها، مؤكداً أن تعطيل المؤسسة حال دون تمكينها من القيام بدورها المتعلق بإجراء اختبارات عمليات المطابقة، وإصدار شهادة فحوصات مطابقة الجودة.
ويذكر في هذا الشأن، أن مؤسسة المواصفات والمقاييس تعد المؤسسة الوحيدة التي لم تسيطر عليها الحكومة المقالة كباقي مؤسسات ووزارات السلطة التي سيطرت عليها في القطاع منذ منتصف حزيران العام 2007 وقال وكيل «وزارة اقتصاد» المقالة حاتم عويضة في لقاء خاص بـ الحدث «لن نتدخل في عمل مؤسسة المواصفات والمقاييس رغم أنه كان من السهل علينا خلال السنوات الماضية أن نكلف وزارة الصناعة في غزة بمهمة مؤسسة المواصفات والمقاييس كمتابعة السلع وإقرار المواصفة الفلسطينية وفق القوانين واللوائح المعمول بها في الأراضي الفلسطينية التي تشرع المواصفة الإلزامية، وتمنح علامة الإشراف والجودة المطابقة للمواصفات ولكننا فضلنا أن تقوم مؤسسة المواصفات والمقاييس كمؤسسة قائمة بذاتها بهذا الدور دون تدخل من قبلنا».
ولفت إلى أن عمل المواصفات لا يتعارض مع وزارة الاقتصاد كأداة تنفيذية، منوهاً إلى أن ما تقوم به وزارته حاليا يقتصر على متابعة أعمال المصانع وحماية المستهلك من المنتجات الواردة إلى غزة من الأسواق المختلفة، وبالتالي فإن تعطيل عمل المؤسسة القائمة سبب خللا في تنفيذ السياسة الرقابية على المنتجات، وتسبب في تسويق منتجات لا تنطبق مع المواصفة الفلسطينية، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنهاء هذه المشكلة.
ونوه إلى أن وزارته توافقت مع القطاع الخاص على ضرورة تفعيل هذه المؤسسة منذ فترة تزيد على العام.
واعتبر أنه في حال عدم بلورة حلول عملية لهذه القضية، فإن وزارته قد تلجأ قريباً لاستحداث دائرة بديلة يوكل إليها كافة مهام مؤسسة المواصفات والمقاييس، حيث سيتم تشكيل هذه الدائرة طبقاً للنظام والقانون، وستخضع لوزارة الصناعة «ضمن وزارة اقتصاد المقالة».
من جهته، يرى الحايك، وانطلاقاً من أن الاتحاد العام الصناعات يعد عضوا في مجلس إدارة مؤسسة المواصفات والمقاييس، أن السلبيات المترتبة على تعطيل المؤسسة تكمن في عدم اهتمام السلطة في الصناعات المحلية والوطنية، ما تسبب في تغييب عملية فحص المنتجات الوطنية، وتعريض السوق المحلية للإغراق بسلع غير صالحة جراء عدم إخضاعها للفحص اللازم.
واعتبر أن المواطن والقطاع الصناعي معاً يعدان أكبر المتضررين من تغييب دور مؤسسة المواصفات والمقاييس، لافتاً إلى أن عدم وجود رقابة على المنتجات يتسبب في ضرب القدرة التنافسية للمنتج الوطني محملا في هذا السياق حالة الانقسام في المقام الأول ووزارة الاقتصاد الوطني في رام الله في المقام الثاني المسؤولية عن تغيب دور مؤسسة المواصفات والمقاييس