تعود الفلسطينيون على معادلة مصرية للعلاقات بين سلطة حماس في غزة والسلطة الشرعية في الضفة.
كانت مصر تظهر خصومة حادة مع فرع الإخوان المسلمين، الذي بنى نظاماً على حدودها، وتظهر انحيازاً ولو سياسياً واعلامياً مع السلطة الشرعية، وقد أدار هذه السياسة حامل الملف الرجل القوي والفعال في مصر والمنطقة، عمر سليمان.
كانت سياسة الرجل قائمة على احتواء الوضع الجديد في غزة، وتطلب ذلك سلسلة محاولات لإنهاء الانقسام، وترتيب وضع في غزة لا يشكل تهديداً للأمن القومي المصري، واضعين في الاعتبار هشاشة الحدود بين مصر وغزة.
تعايشت حماس مع هذا المستوى من الخصومة مع مصر، ونجحت في خلق موازيات تشكل رئات تنفس لها، ومصادر دعم تخفف من حدة المواقف المصرية تجاهها، وفي فترة ما، حين دمجت مصر حكم حماس في غزة مع معركتها الشرسة ضد الإخوان المسلمين في مصر، تدهورت العلاقات ووضعت حماس على المهداف الإعلامي والسياسي، كما لو أن غزة هي امتداد لميدان رابعة.
حين حسم الأمر وأقصي الإخوان عن حكم مصر بعد سنة من شرعية انتخابية تنقصها الكفاءة القيادية، ظلت حماس في غزة تعاني من إخوانيتها، وظلت مصر على مواقفها دون الاستغناء عن شعرة معاوية، ودون انطفاء الرهان المتبادل على علاقة تستفيد منها حماس المحاصرة، وتستفيد منها مصر المُحاربة بشراسة على جبهة الإرهاب في سيناء.
في أيامنا هذه بدأت تتبلور علاقة جديدة بين مصر وحماس، ومستواها غير مسبوق منذ الانقلاب إلى ما قبل زيارة السنوار الأخيرة طويلة الأمد إلى مصر، ومن خلال التصريحات حرصت حماس على المبالغة في تصوير مستوى العلاقة الجديدة، فرفعت سقفها إلى فوق ما تحتمل، فقد جاء رفع مستوى العلاقة في وقت حرج بالنسبة لحماس، حيث أزمات غزة في تصاعد واحتداد، وحيث المخاوف الحمساوية من خفوت الدعم القطري لها بفعل الأزمة الخليجية، بحيث لم تجد حماس ما تصدره لأهل غزة من إنجازات سوى العلاقة الجديدة مع مصر، مع وعود حملها محمد دحلان بدعم إماراتي، ربما يوازي أو يتفوق على الدعم القطري وغيره.
هذا الوضع الجديد تجاه غزة وحماس، وقد أثار حساسية الطبقة السياسية في رام الله، خصوصاً وأنها حملت إيحاءً يعاكس العقوبات المتسلسلة التي يفرضها الرئيس عباس، لإضعاف حركة حماس في غزة وحملها على العودة تحت الضغط إلى حظيرة الشرعية.
حساسية مبررة بفعل التعود على الموقف المصري القديم، إلا أنها تبدو مفرطة حين توصف بانقلاب التحالفات والسياسات، وبوسعي الاجتهاد في تفسير الموقف المصري الجديد وحدوده ومغزاه، فهو مع شرعية عباس ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية التي هو رئيسها، إلا أن مصر بالمقابل مع مصالحها الأمنية في غزة، وحماس تملك الأدوات الأقوى لخدمة هذه المصالح، ومصر في هذه الحالة تتعامل بمنطق الأمر الواقع، ولا تقترب من المساس بالشرعيات المعتمدة تاريخياً من قبلها، وخصوصاً شرعية منظمة التحرير التي هي عضو بارز وفعال وضروري في معسكر الاعتدال العربي الذي تقوده مصر.
يصدق وصف الموقف المصري الجديد بفرز جديد للألوان بما لا يقطع الصلة مع أي طرف، مع محاولة الإفادة حتى من المواقف المتناقضة من كل الأطراف.
القاهرة هذه الأيام أقامت غرف عمليات نشطة، واحدة مع حماس والثانية مع عباس، والكل راضٍ عن مجرد استقبال مصر له، في أمر التسوية والسلام، مصر مع عباس، وفي أمر غزة والأمن تتعامل مع حماس، ولموازنة الأمرين ستواصل العمل من أجل المصالحة والعودة إلى دور الوسيط الحيوي بين حماس وإسرائيل، وصفقة التبادل التي يجري الحديث عنها توفر مصداقية إضافية للدور المصري الجديد، وصفقة القرن التي تحدث عنها ترامب والتقط خيطها محمود عباس تشكل أرضاً لتعاون حتمي بين المنظمة ومصر، وهذا توزيع عادل للحظوة المصرية عند الجميع.