الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ليرة ذهبية طوني تلالوف

ترجمة خاصة لـ "الحدث" ترجمة خيري حمدان

2017-07-12 02:50:02 AM
ليرة ذهبية
طوني تلالوف
طوني تلالوف

ТОНИ ТЕЛЛАЛОВ

ПЕНДАРАТА

 

تمتلك ساقين في منتهى الجمال والرشاقة. ساقان مستقيمتان بيضاوتان تتمايل حين تخطو وهو يتوق إليهما ويشتهيهما. يرقدان ليلا في سرير واحد، يتمعّنها وهي تستبدل ثيابها يرى ساقيها في العتمة. يضيؤهما المذبح ثمّ ينسدل ثوب نومها ليخفي جسدها وأخيرًا ترقد في الركن البعيد عنه. تتكرّر عملية التعذيب هذه كلّ مساء، يحاول مدّ يديه لتذوّق رحيقهما، كأنّه يلمسها بألسنة عديدة وهي ترقد هناك كقطعة من الفولاذ. انقضت ثلاثة أشهر دون أن يتمكّن منها وهي تتمنّع رافضة قربه، تنام مقرفصة منطوية على نفسها كعقدة عصيّة، والزوج المتوتّر لا يقوى على النوم يستمع لدبيب الجرذان فوق السقف حالمًا بساقي زوجته.

 

بلغت حدّة البغضاء أوجها بعد أن فرّط بآخر ليرة ذهبية عريقة ثمينة من ممتلكات زوجته في حانة القرية.

 

توارثت زوجته الليرة عن جدّتها التي منحتها القطعة قبل وفاتها، لذا فهي تحمل معنىً وجدانيًا أثير.

 

تيتّمت مبكّرًا بعد مقتل والديها ذبحًا على أيدي أتراك وربّما شركس أو بلغار، سيّان وكان من المتوقّع أن تجلب الليرة الذهبية الحظّ لزوجته التي عاشت برفقة جدّتها وحين شعرت العجوز بدنوّ الأجل، قدّمت الليرة الثمينة لحفيدتها وطلبت منها الحفاظ عليها لأنّها تجلب الحظّ ثمّ فارقت الحياة.

 

أبقت الحفيدة على الليرة مخفية بين ثنايا ملابسها، وأدرك هو وجودها بعد مضيّ وقت طويل من زواجهما.

 

راقبها في تلك الليلة تدخل الحمام لتغتسل وسرعان ما استلّ الليرة وذهب إلى حانة القرية. ما أن رأى صاحب الحانة قطعة الذهب حتى أبدى احترامه الفائق لحاملها، ألغى على الفور كافّة ديونه المسجّلة في الدفتر وصاح.

 

يمكنك أن تطلب كلّ ما تريد وتشتهي مقابل هذه الليرة. وأخذ هو بدوره يشرب ويسقي الظمأى على حسابه وقدّموا له بدورهم لفافات التبغ ليدخّن ما طاب له ذلك. عرضوا عليه المساعدة ولفّعوه بسترة.

 

شعر الرجل بأهمّيته البالغة وأنّه قد بات صاحب سلطة وجاه، شعر بأنّ حياته قد تغيّرت في تلك الليلة بالكامل وأنّ الحال سيدوم على هذا المنوال في قادم الأيام.

 

كانت على علم بفعلته حين عبر بوابة المنزل الخشبية. لم تبكِ ولم تصرخْ. أنجزت أعمالها المنزلية بصمت وفي المساء حين مدّ يده نحوها وجد إلى جانبه كتلة صلدة باردة. كانت قد تصلّبت كجذع شجرة ولم يصدر عنها أيّ صوت.

 

عاقبته للشهر الثاني على التوالي بالهجر والصمت المطبق وخطوُها في منتهى الأناقة والجمال، ما أن تعبر القرية حتى يصمت الرجال متأمّلين طلّتها الأنثوية، وكلّ منهم يتفكّر سرًّا في أمرٍ ما وزوجها يعرف جيّدًا كيف تضيء قدماها كلّ مساء. يشتهيهما، يتمنّاهما ويحلم بهما.

 

أخذها عنوة في نهاية المطاف، ضربته، ركلته وتمرّغت في الفراش كأنّها تختنق لكنّه تمكّن منها ونالها، هكذا قرّر أن يفعل خلال الأيام التالية إذا أبقت على تمنّعها رافضة منحه حقّه الشرعيّ، وسيمتلكها عنوة.

 

أدرك بأنّ الجنس بات مختلفًا عن السابق وساقاها تجاهدان حتّى النهاية في العتمة للتخلّص منه رافضة احتضانه وشدّ خصره إلى حضنها كما كانت تفعل في السابق.

 

اغتصبها في الليلة الثانية والثالثة واغتصبها في كافّة الليالي التالية، أخيرًا شعر بتراجع وضعف ممانعتها، أدرك بأنّها قد استسلمت للأمر الواقع في نهاية المطاف.

 

بحث عنها بعد المغيب في أحد الأيّام، لم يجدْها في الحقل ولا في أنحاء البيت، صعد إلى السقيفة فوق سطح المنزل ليجدها متدلية من حبل علّقته في أعلى السقف. جلس إلى جوارها وبكى.

 

ثمّ شاهد حبلا غير مستعمل بالجوار، عقده وربط طرفه برقبته وتدلّى إلى جانبها أملا أن يعثروا عليهما متجاورين كتفًا بكتف وقفز، سقط بكلّ ثقله وانقطع الحبل ليقع على الأرض بعنف.

 

رطم الإسمنت وكان على وشك الاختناق، حنجرته تشتعل، ابتلع الكثير من الغبار وانتابه سعال شديد ثمّ تقيّأ.

 

نظر إليها بعد لحظات هناك في الأعلى تتجلّى فوقه في مكان عجز عن الوصول إليه.

غسل وجهه طويلا بالماء تحت صنبور الحديقة، اغتسل وانطلق إلى حانة القرية بحثًا عن القسّيس ليجده في انتظاره يرشف كأس عرق في إحدى زوايا الحانة. طلب لنفسه كأسًا وجلس إلى جوار القسّيس بسكينة وهدوء.

 

في الأثناء، دوّن صاحب الحانة ببطء كأس العرق في دفتر الديون.

 

الطاهية

ГОТВАЧКАТА

 

مع نهاية ذلك الخريف الدافئ الجافّ غادر البيت إلى الأبد، عرفت بأنّه قد سافر بعيدًا ومع ذلك، طهت الطعام وانتظرت عودته. ثمّ أطعمت آخر وهو أيضًا أقدم على السفر قبل عيد الميلاد بقليل.

 

ودّعت ثلاثة آخرين ما بين آخر فصول الخريف والشتاء، وفي المساء تعانق طويلا تلك القمصان المنسية وتبكي بغصّة وحرقة. تستيقظ في الصباح لتغسل القمصان منتظرة عودة أصحابها، وكانت على قناعة من أنّ أحدهم لا بدّ أن يدقّ الباب. 

 

تكرّر الفراق والانتظار وأدركت بأنّها قد جمعت الكثير من القمصان. باعتها واشترت بثمنها تذكرة إلى مكان ما وغادرت.

 

مرّ وقتٌ ليس بالطويل ثمّ خرج شخصٌ ما يحتذي صندلا، وبأصابعه العظمية الطويلة علّق على واجهة الجدار الخارجي لافتة كتب عليها. "نبحث عن طاهية".

 

---

الشاعر في سطور:

ولد الأديب طوني تلالوف عام 1970 في مدينة شومن البلغارية المعروفة بكثرة مبدعيها، حيث أنهى دراسة الرياضيات والتربية الاجتماعية.

 

صدرت له خمس دواوين شعرية أهمها "هنا، خلف تسع جبال"، "حملة تنظيف ربيعية" وغيرها. حاز على العديد من الجوائز في مهرجانات الشعر الوطني في شومن وصوفيا، وفاز بجوائز وطنية للقصة القصيرة.

 

عضو في اتحاد الكتاب البلغار ومجموعة شومن الأدبية. يعمل محرّرًا في بعض المواقع والصحف المتخصّصة.