السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما زال في الحياة متسعٌ.. بقلم أحمد زكارنة

2014-05-27 00:00:00
ما زال في الحياة متسعٌ.. بقلم أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

ما أيسرَ الأحلامَ حينَ نَعدُّها.. نحن الراكبونَ..السابحونَ..الغارقونَ في أوهامِنا.. ما أيسرها حينما نُقرُ بما سبقنا إليه “شمسُ التبريزي” في قواعدِ عشقهِ الأربعين، بأن العشقَ ماءُ الحياةِ وروحُ نارِها.

ولأن هناك ثمة مقالا يراعي المقامَ، حاولت عبثاً أن أعلو عن هذه الأرض الشهيةِ الشقيةِ، إلى سماءٍ اعتزلت كلَّ المطامعِ والوساوس، فلم أجدِ الأرضَ أرضاً ولا السّماءَ سماءً.

ولأن لكلِ فؤادٍ ربا يحميه رحت بقلبٍ مجتمعٍ غيرِ مشطور، أخلع علي نفسي السؤالَ تلوَ السؤالِ، أكانَ حُلماً أم طيفَ وهم، أن نقرَّ بأن العشق ماءُ الحياةِ وروحُ نارها؟

 

شمسٌ في قواعدهِ يقول: “إن الطريقَ إلى الحقيقةِ تَمرُ من القلب، لا منَ الرأسَ. فاجعل قلبَكَ، لا عقلَكَ، دليلكَ الرئيسي”، يقول ذلك وهو لم يقرأ باسم ربي ما تيسَّرَ من رحيلٍ أفرغ الإناءَ من ماءِ حياةٍ مسَّتها بدلَ النارِ، ألفُ نار.

نارٌ حين اجتمعنا، ونارٌ عندما كنا، ونارٌ اختصرت القول كلَّه، فقالت: نحن لسنا لنا فلنرحل.

 

أتذكر جيداً المسافة الفاصلة التي لم تفصلنا يوماً، لا بين لقاءٍ ولقاء، ولا بين اتفاقٍ وخصام.. في هذه المسافة، تحديداً، كنا ندرك تماماً لأي الجهات يُصلِّي القلب، كنا نحتسي نبيذ القيامة كي نعيدَ العشب ناياً. 

 

هكذا، بعفويةٍ ساذجةٍ ولكنها جميلة، تفجرت شهيتنا على كل الحماقات، وامتلأنا بأبلغِ صمتٍ يمكنُ أن يخطَّ تاريخنا الممهورَ بالسؤال، لِمَ؟ لِمَ لم نكن لنا؟ ولِمَ لم نبقَ لنا؟ سؤالان مباغتان، لكنهما في مكانِهما الطبيعي بينَ شهيقِ الروح، وزفراتِ الموتِ، كأنَّ الحبلَ السريَّ تدلَّى على مقصلةِ الفراقِ منذُ التقينا.

 

نعم كنا نعرف أنَّا لغيرنا، وأنَّ ما مرَّ من الحياةِ لم يكنْ سوى استقراءٍ لوجهِ الحياة، ولكنَّ البعثَ الجديدَ كان يطاردنا ويتكئ على حافةِ فؤادٍ خالٍ من الغدِ وأرشيفهِ الذي بات جميلاً ومؤلماً في آن.

جميلٌ لكوننا كنا منه وكان منا، ومؤلم لأنَّا منه وهو منا لم يعدْ، فهل أبصرنا إن كان العشقُ ماءَ الحياةِ، أم أنّه، فقط، روحُ نارِها.

 

الأمرُ برمتهِ يحيلني لتقريرٍ جاء محملاً بالدلالاتِ مشتغلاً على الذهنِ ربما لإحداثِ تفاعلٍ ما بين الكاتب والمتلقي، وكأني بنوازع نيوتن، وهو يفتشُ في حقائبِ عبقريّتهِ بحثاً عمّا يسمى بقانونِ الجاذبية، هو تقريرٌ للعلّامةِ الجاحظ وهو يقول: “ لِمَ كلُّ عشقٍ يسمّى حبّاً؟ وليسَ كلُّ حبٍّ يسمّى عشقاً؟” برغم أن الأمرَ قد يبدو وجهين لعملةٍ واحدة، أو لربما لموتٍ واحد، إلا أني، وكي أُعفي الإجابة من حيرةِ السؤال أقول مجازاً: “مازال في الحياة متسعٌ لقُبلةٍ أخرى”.