هل تُقَلِّل معرفتنا بأنَّ لدينا ميلاً طبيعيَّاً لإطاعة السلطة من فُرَصِ إطاعتنا العمياء للأوامر الَّتي تتعارض مع الضَّمير الإنسانيّ ؟؟. لقد بُنيَتْ غُرَفُ الغاز في العصر الحديث – إبَّان الحرب العالمية الثَّانية - وأُنْشِئتْ قلاع ومعسكرات الاعتقال والموت في مختلف العصور وكانت تحت حراسة مُشَدَّدة وقويَّة من قبل أفراد يُطيعون الأوامر بلا وازِعٍ من ضمير، وكان المنتج اليومي من العذابات الإنسانيَّة ومن الآلام ومن الجثث لتلك المعسكرات لا يقلُّ في كفاءَته ومقدار إنتاجه عن المنتجات التي يخرجها أي مصنع يومياً.
وربَّما كانت هذه السِّياسات عديمة الإنسانيَّة قد وُلِدَتْ ونشأتْ في عقلِ شخصٍ واحدٍ مُسْتَبِدٍ وطاغية وله كاريزما خاصَّة مؤثِّرة لدى مجموعة من الأتباع أو لدى أُمَّة من الأمم، ومع ذلك فلم يكن لها أنْ تَتَحَقَّقَ على نطاقٍ واسعٍ؛ ما لم يُطِعْ عددٌ كبيرٌ من النَّاس تلك الأوامر.
فالنَّاسُ وفي سياقِ تفاعلهم الاجتماعي أو تنافسهم السياسي يغضبون وأحياناً يتصرَّفون بكراهية، أو ينفجرون غيظاً في وجوهِ بعضهم، ولكن كل ذلك لا يشكِّلُ نظيراً لما نراه في سياقِ السُّلوك المتَّصِل بإطاعة الأوامر الشَّنيعة الَّتي قد تُصدرها سلطةٌ فاسدة مُسْتَبِدَّة – كما رأينا ذلك عبر عصورِ التَّاريخ وما زلنا نراه راهناً وفي غير مكان – فهنا يظهر شيءٌ أكثرَ خطورةً من كلِّ مظاهر الانفعال والغضب والغيظ والكراهية، وهو قدرة الإنسان على التَّخلِّي عن إِنسانيَّته، وتحييد ضميره الإنسانيّ؛ وهذا شيءٌ حَتْمِيِّ الحصول – تقريباً – عندما يمزج الإنسان أو الفرد شخصيَّته المُتَفَرِّدة في أبْنِيَةٍ مُؤَسَّسَيَّةٍ أكبر.
وفي أوضاعٍ مُعيَّنة وتحتَ ظروفٍ تُمليها مبررات وأسباب وشروط الانتماء لمؤسَّسَةٍ ما أو كون الفرد جزء من منظومة أو مجموعة ما؛ فأنَّ الأفرادَ يكونون مُسْتَعِدِّين للانصياعِ للأوامرِ حتَّى لو كانت تلك الأوامر لا أخلاقيَّة وشَنيعة، وحتَّى لو لم تكن تلك الأوامر تندرج تحت مبرِّرات دينيَّة أو أيديولوجيَّة أو ذي صِلَةٍ بكاريزما قياديَّة ما.
إنَّ الطَّبيعةَ البشريَّة فيها قابليَّة إطاعة وتنفيذ الأوامر الشَّنيعة والمُريعة لأيِّ سُلطة دون الاعتناء بما يسببه تنفيذ تلك الأوامر من آلامٍ ومُعاناة بحقِّ النَّاس؛ إذا تمَّ إقصاء الضَّمير الإنساني تحتَ ذرائع دينيَّة أو آيدولوجيَّة أو لأسبابٍ تستنِدُ إلى شرعيَّةٍ أخلاقيَّةٍ من نَمَطٍ ما، أو تحتَ أيّ ذريعة، وإنْ كانت حتَّى لا تنتمي لكل تلك الأنماط من الذَّرائع سالفة الذِّكر، فيكفي أنْ تسوقها السُّلطة وتقنع بها أولئك الواقعين مباشرة في دائرة تأثيرها المعياري أو الانفعالي، أو من هم جزءٌ منها، وأداة من أدواتها التَّنفيذيَّة؛ حتَّى يتمّ تنفيذها من قِبَلِ أفرادٍ يُقصونَ ضمائِرَهم تماماً عن أيِّ فعلٍ يقومون به ضدَّ من يتم تصنيفهم كمخالفين أو معارضين أو أعداء انصياعاً لأوامر السُّلطة.
هذه كانتْ فكرةً عن نتائج التَّجارب الَّتي اقترحها وخَلُصَ إليها البروفيسور " ستانلي مِلِيجرام " والَّتي كانتْ أُجْرِيَتْ في جامعةِ " يِـيـل " في الولايات المتَّحدة وبالتَّعاونِ مع جامعة " هارفرد " ما بين عاميِّ 1961 و 1963 وستانلي مليجرام هو أحد أهم أساتذة علم النَّفس الاجتماعي، والمحاضر في جامعةِ " يِـيـل " وفي جامعة " هارفرد " في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة منذ أواسط خمسينيَّات القرن المنصرم وحتَّى وفاته في عام 1984م.
وقد كانت رسالته للدكتوراه في جامعة " هارفرد "بعنوان ???? أسبابُ توافق النَّاس مع المجتمع ).. وهو مؤلِّفُ العديد من المؤلَّفات في مجال علم النَّفس الاجتماعي، كان أبرزها كتابه الشَّهير بعنوان: " سَيْكولوجيَّة إطاعة السُّلطة ".. وربَّما لمْ يكن للتَّجارب الَّتي أجرتها جامعة " يـِيـل " بالتَّعاون مع جامعة " هارفرد " حول موضوع الاستجابة السَّيكولوجيَّة والسُّلوكيَّة لأوامر السُّلطة أنْ تحظى بتلك الشُّهرة لولا أنَّ " ستانلي ميلجرام " قدْ ضمَّن تلك التَّجارب في كتابه المُهِمْ " سيكولوجيَّة إطاعة السُّلطة ".
لقد لَفَتْ انتباه " ستانلي ميلجرام " وأثناءَ المرافعات في محاكم جرائم الحرب التي أُجريت في أعقاب الحرب العالمية الثانية طبيعة المبررات التي سيقت لتبرير سلوك الأفراد الذين تورَّطوا في تلك الجرائم تنفيذاً للأوامر العليا، كما لَفَتَ انتباهه على وجهٍ خاص وأثناء محاكمة الجنرال النَّازي " آيْخمان " والَّذي كان مسؤولاً عن معسكرات الاعتقال النَّازيَّة، كيفَ أنَّه كان بمقدورِ آيخمان، وعن بعدِ مئات وآلاف الكيلومترات، إصدار كل تلك الأوامر الشَّنيعة والفظيعة، وكيف كان يتمّ تنفيذها بلا تردد من قِبَلِ من يتلقَّوْنها.
كما لفَتَ انتباهه كل تلك الفظائع الَّتي ارتُكِبَتْ أثناءِ الحرب العالميَّة الثَّانية – كيف تمَّ تدمير وإبادة مدينة درِيسْدِن الألمانيَّة وقتل عشرات الآلاف فيها من قبلِ القوَّات الأمريكيَّة حتَّى بعد أنْ كانت استسلَمت للجيش الرُّوسي أثناءَ عبوره إلى برلين، وذلك تحت ستار تنفيذ الأوامر – وقد لفَتَ انتباهه أيضاً الفظائع الَّتي ارتكبها الجنود الأمريكيُّون في فيتنام، وقابليَّة أولئك الجنود لتنفيذ أوامر فظيعة وجرائم مريعة بحقِّ القرى الفيتناميَّة، وقد أجرى العديد من اللِّقاءَات مع جنودٍ أمريكيين شاركوا في ارتكابِ تلك الفظائع، وكانتْ إجاباتُهم على استفساراته تدور حول المبررات الأخلاقيَّة – من وجهة نظرهم - والَّتي وفَّرَتها لهم الأوامر تجاهَ من يُعَتَبَرون أعداءً من الفيتناميين.
وحتَّى عندما تفحَّصَ – مليجرام - البيئة الَّتي تجري فيها التَّدريبات العسكريَّة؛ فقد وجدَ أنَّها تجري تحتَ ستار التدريب على الفنون القتاليَّة ورفع الكفاءَة في المعارك، لكنَّها تجري في بيئةٍ تستهدف عزل الجنود عن واقع الحياة الاجتماعيَّة ومؤثِّراتِها المعنويَّة والأخلاقيَّة، وتستهدف إقصاء الوازع والمعنى الإنساني في نفوسِهِمْ بآلِيَّةٍ سيكولوجيَّة وذهنيَّة تَتَّصِلُ بتعميقِ مفهوم العدُوّ كصورة ذهنيَّة أساسيَّة تشكِّلُ البنية النَّفسيَّة والانفعاليَّة الخاصَّة بالخاضعين للتدريبات، ومنطلقاً لزيادةِ الاستعداد لممارسةِ أقصى درجات العنف والقسوة بهدَفِ إفناءِ العدو، بمعزَلٍ عن أيِّ اعتباراتٍ ضميريَّة. فما هي تجارب " ستانلي ميلجرام في جامعة يِـيـل " حول ميكانزم وسيكولوجيَّة إطاعة السُّلطة ؟؟:
من وحيِ ملاحظاتِ " ميلجرام " وبناءً على اقتراحه؛ فقد أجرتْ جامعة " يِـيـل " وبالمشاركة مع جامعة " هارفرد " مجموعةَ تجارب في أعوام 1961 و 1962 دُفِعَ للمتطَوِّعين فيها مبالغَ بسيطة للمشاركَةِ في تجربةٍ قيلَ لهم إنَّها دراسةٌ عن ( الذَّاكرة والتَّعلُّم ).
وفي معظم هذه التَّجارب كان المشرف على التجربة يرتدي معطفاً أبيض، ومسؤولاً عن اثنين من المتطوعين يقومُ احدهم بدور ( المدرِّس ) والآخر بدور ( المُتَعلِّم )، وكان يتم تقييد ( المُتَعَلِّم ) في مقعد، ويُطْلَبُ منه تذكُّر مجموعة من الكلمات، وإذا لم يستطع تذكَّرها؛ كان المسؤولُ عن التجربة يطلب من ( المُدَرِّس ) أنْ يُعطيه صدمة كهربائيَّة خفيفة. وكلَّما زاد خطأ ( المتعلِّم ) زادتْ شدَّة التيَّار الكهربائي. وكان ( المُدَرِّسُ ) يُجْبَرُ على أنْ يُشاهِدَ ( المُتَعَلِّمَ ) وهو يصرخُ من الألَم.
وما لم يكن هؤلاء المدَرِّسون يعرفونه، هو أن السِّلك الواصل بمفتاح الكهرباء لم يكن يحمل أي تيار ، و أن المتعلم ليس إلا مُمَثلا ً يتظاهر بالألم من الصدمات الكهربائية . ولم يكن موقع التركيز الحقيقي للتجربة هو المتعلم الضَّحِيَة بل ردود أفعال المدرس الذي يضغط أزرار الكهرباء . فكيف لذلك المدرس أن يتوافق مع ما تسبب به من الألم لإنسان لا حول له ولا قوة ؟! .
وهذه التجربة التي وردت في كتاب إطاعة السلطة: هي رؤية تجريبية واحدة من أشهر التجارب في علم النفس .
يتوقع معظم الناس أنه مع أول صرخة ألم من جانب من يتلقى الصدمات الكهربائية ؛ ستصل التجربة إلى نهايتها ؛ فهي ليست إلا تجربة في نهاية الأمر . وقد كانت هذه الإجابة هي ما حصل عليه "ميلجرام" من أعداد كبيرة من الناس الذين استطلع آراءهم بعيدا ً عن الجو التجريبي حيث قالوا أنهم سوف يكفون عن إعطاء المتطوع صدمات كهربائية لو كانوا يقومون بدور المدرس عندما يجدونه يتألم . كان معظم الناس يتوقعون أن يكف المدرسون عن تقديم الصدمات الكهربائية قبل أن يطلب منهم المشرفون أن يكفوا عن ذلك و كانت هذه هي توقعات متوافقة تماما ً مع توقعات "ميلجرام " ولكن ماذا حدث فعلا ً ؟ .
شعر معظم من طُلبَ منهم القيام بأدوار المعلمين بالضغط نتيجة تلك التجربة . وكان مُفتَرضاً أنْ يَحْتَجُّوا على ذلك وأنْ لا يُقَدِّموا للشخص المقيد بالمقعد المزيد من الألم . كانت الخطوة المنطقية – إذن- هي طلبهم وقف التجربة . ولكن الواقع أن هذا قلَّما حدث.
لقد استمر معظم الناس - رغم تحفظاتهم - في إتباع أوامر المشرف على التجربة مُلْحِقينَ أذىً أعظم بالشخص المقيد بالمقعد، فقد قال " ميلجرام" استمرت نسبة ليست بالقليلة في إلحاق الأذى بالمتعلم حتى أعلى صدمة كهربائية ممكنة رغم صراخ المتعلم . بل و توسُّلِه أنْ يَخْرُجْ من التجربة .
لقد كان المغزى من التَّجربة هو تفسير ( كيفيَّة التَّوافق مع ضميرٍ غير مُستريح ؟؟ ) وقد أثارتْ تجارب " ميلجرام " جدلاً كبيراً على مدارِ السَّنوات؛ فمعظم النَّاس غير مستعدِّين أنْ يقبلوا أنَّ البشر الأسوياء سيتصرَّفونَ بتلك الطَّريقة؛ وقد حاول كثيرٌ من العلماءِ إيجاد ثغرات منهجيَّة في التَّجربة. ومع ذلك فقد أدَّى إجراءُ التَّجربة في أنحاءٍ مختلفة من العالم إلى نتائج مماثلة.
وقد أذْهَلَتْ هذه النَّتائج النَّاس كما قال " ميلجرام ": لقد كان النَّاس يُريدون أنْ يعتقدوا أنَّ من قاموا بدورِ (المُعلِّمين) في هذه التَّجربة هم أُناسٌ ساديُّون. لكن ميلجرام حَرِصَ على أنْ يكون هؤلاء المتطوِّعون الَّذي يقومون بدور المُعلِّم من مختلف الشَّرائح الاجتماعيَّة ومن مختلف المهن. لقد كان هؤلاء أشخاصاً عاديين وُضِعوا في ظروفٍ غير عاديَّة.
فلماذا لم يشعر من يُقدِّمون تلك الصَّدمات الكهربائيَّة بالذَّنب، ويقررون الخروج من التجربة ؟!:
لقد أوضح ميلجرام أنَّ معظم هؤلاءِ كانوا يعرفون أنَّ ما يقومون به ليس صواباً، وأنَّهم كانوا يكرهون تقديم تلك الصَّدمات الكهربائيَّة للمتعلِّمين. خاصَّةً عندما يعترض ضحاياهم على ذلك، ورغم اعتقادهم بأنَّ التجربة وحشيَّة وخالية من المعاني؛ فلم يستطع معظمهم الانسحاب منها؛ بل طَوَّروا لديهم ( آليَّاتِ تَوافُقْ ) لتبرير ما يفعلونه، ومن هذه الآليَّات:
- الاستغراق في الجانب الفَنِّي من التَّجربة؛ فالنَّاس لديهم رغبة قويَّة للتَّمَيُّزِ في أعمالِهِمْ؛ لذلك فقد أصبحت التجربة والنَّجاح فيها وأداؤُها بنجاحٍ أهمّ من راحة المُشاركين فيها.
- تحويل المسؤوليَّة الأخلاقيَّة عن التجربة - في شُعورِ من يقوم بدور ( المُعلِّم ) وهو الَّذي يقوم بدور تقديم الصَّدمات الكهربائيَّة - إلى المُشرفِ عليها. ويُلَخِّصُ الدِّفاع بتعبير " أنا كنتُ أتبع وأُنَفِّذُ الأوامر فقط " وهذا كان الدِّفاع الّذي اعتادتْ محاكم جرائم الحرب سماعه. لمْ يفقد المشارك بالتجربة حسه الخلقي ولا ضميره هنا؛ بل حولهما إلى رغبة لإسعاد الرَّئيس أو القائد.
- قناعة وقرار المشاركين في التجربة أنَّ سلوكيَّاتهم مطلوبة كجزءٍ من قضيَّة أهم وأكبر. لقد كانت الحروب في السابق تندلع لأسبابٍ دينيَّة أو بسبب عقائد سياسيَّة، وكانت الحرب في هذه التَّجربة من أجل العلم.
- التَّقليل من إنسانيةِ ملتقى الصدمة الكهربائية . بالقول: " لو لم يكن غَبِيَّاً لدرجة عدم تمكنه من حفظ بضع كلمات؛ لما استحق العقاب " وهذا التقليل من الذَّكاء أو من الشخصية كثيراً ما يستخدمه الطغاة ليشجعوا أتباعهم على القضاء على جماعات بشرية بكاملها . حيث يكون التوجه السائد هو أن هذه الجماعات لا تساوي الكثير : لذلك فإن القضاء عليهم ليس بالأمر الكبير . بل إن القضاء عليهم سيجعل العالم مكاناً أفضل.
وربَّما كانت أغرب نتيجة لهذه التجربة هو ما قاله " ميلجرام " نفسه: " من أنَّ المشاركين في التجربة لم يفقدوا حِسَّهم الخُلُقي بل أعادوا توجيهه : و بذلك أصبح واجبهم وولاؤهم للقائم على التجربة وليس على من يصدمونهم بالكهرباء، ولم يكن هؤلاء يستطيعون الخروج من التجربة لأنهم رأوا أنَّه - ويا للعجب – سيكون من غير اللائقِ أن يعارضوا توجيهات المُشرف على التجربة . لقد شعر هؤلاء بأنهم لابد أن يكملوا التجربة و إلاَّ ظهروا بمظهر من يخلف وعده . و ذلك لأنَّهم وافقوا من البداية على المشاركة فيها !! .
كان من الواضح أن الرَّغبة في إرضاء السلطة أقوى من الإحساس بالذَّنب بسبب صراخ المتطوعين . و كان هؤلاء الذين يقومون بدور المعلمين يستخدمون لغة باهتة عندما يحاولون التعبير عن معارضتهم لما يحدث . أو " لقد كان من يقوم بدور المعلم يعتقد أنَّه ربَّما يقتل إنساناً، و مع ذلك كان يعبر عن ذلك بِلَغَةٍ بسيطةٍ يبدو منها اللامبالاة " كما قال " ميلجرام " .
وكما قال – توم باتلر باودن – في تعليقه على كتاب ( إطاعة السُّلطة لـ ستانلي ميلجرام )، وهو الَّذي – أيْ باتلر – كان قد قام بالتَّعليق على عشرات الكتب التي تنتمي لعلم النفس الاجتماعي والسُّلوكي وعلم نفس الهويَّة الجماعيَّة :
" إنَّ كتاب إطاعة السُّلطة لا يُقدِّمُ راحةً كبيرة للطبيعة الإنسانيَّة. ولأنَّ البشرَ قد تَطَوَّروا في نظامٍ واضِحٍ لتدَرُّجِ السُّلطة عبر آلافِ السِّنين؛ فإنَّ جُزءَاً من تركيبةِ عقولِهم يجعلهم يريدون إطاعة من هم أكبر منهم سلطة. ومع ذلك فإنَّ معرفَتَنا بهذا التَّوجُّه القويّ لدينا هو وحده القدر على تجنيبنا التَّوَرُّط في مواقف تتضَمَّن شَرَّاً. وربَّما ما كان لتجارب - ميلجرام في جامعة يِـيـل وهارفرد – أن تكون بتلك الشهرة لولا حقيقة أنَّ كتاب إطاعة السُّلطة كتابٌ علمِيٌّ رائع.
إنَّه كتابٌ لا ينبغي أنْ تخلوا منه مكتبة أيّ شخص مُهتَمٌّ بمعرفةِ كيف يعمل العقل البشري. إنَّ المذابح الجماعيَّة في رواندا وسربرينيتشيا وغيرها. وسجن أبي غريب تتضِحُ من خلال قراءَتنا لهذا الكتاب ".