حدث الساعة
استدعاءات الأجهزة الأمنية للصحفيين انتهاك خطير للقانون الأساسي ومبادىء حقوق الإنسان.
تتابع مؤسسة الحق الحملة الأمنية المتصاعدة التي تستهدف الصحفيين، حيث قام جهاز الأمن الوقائي بتوجيه استدعاء خطي للصحفية نائلة خليل بتاريخ 13/7/2017 ومن ثم جرى إلغاؤه، واستدعاء عبر الهاتف للصحفية راما يوسف بتاريخ 15/7/2017 وجرى إلغاؤه، واستدعاء خطي بذات التاريخ للصحفي علي عبيدات ومن ثم الغاؤه، واستدعاء للصحفي محمد عوض، وجرى في ذات اليوم احتجاز الصحفي عبد المحسن الشلالدة من قبل جهاز المخابرات العامة خلال عمله على تقرير مصور وإجرائه مقابلات في بيت لحم، فيما استدعت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بتاريخ 14/7/2017 كل من رسام الكاريكاتير اسماعيل البزم والكاتب عبد الله أبو شرخ للمقابلة وجرى إخلاء سبيلهما، ولا تزال تعتقل مراسل تلفزيون فلسطين فؤاد جرادة والصحفي عامر بعلوشة.
تؤكد "الحق" بأن الاستدعاءات التي توجه للصحفيين وللمواطنين عموماً من قبل الأجهزة الأمنية، أياً كان شكلها، سواء من خلال اتصالات هاتفية، أو استدعاءات خطية مروسة وموقعة من قبل الأجهزة الأمنية، هي استدعاءات غير دستورية، من حيث المبدأ، وتشكل انتهاكاً للضمانات الواردة في القانون الأساسي، وهي ضمانات ذات "طابع قضائي" ويجب أن تتم "بأمر قضائي" وهذا ما أكدته المادة (11) من القانون الأساسي "1- الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة ولا تمس، 2- لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون. أي بموجب أمر صادر من القضاء المختص. وبموجب قانون الإجراءات الجزائية فإن تلك الأوامر لا تصدر إلا عن القضاء أو النيابة العامة.
إن صفة الضبط القضائي، التي منحها قانون الإجراءات الجزائية وقوانين الأجهزة الأمنية تتعلق بإجراءات البحث والتحري وجمع الاستدلالات، ولا تخولها باستدعاء أي شخص خطياً أو شفهياً دون وجود "مذكرة قضائية" بحوزة مأمور الضبط القضائي خلال تنفيذ عملية الاستدعاء، وبخلاف ذلك فإننا أمام إجراء غير دستوري ينتهك أحكام نص المادة (11) من القانون الأساسي. إن صفة الضبط القضائي هي "شرط مسبق" لتنفيذ الأمر القضائي المكتوب الذي ينبغي أن يكون بحوزة مأمور الضبط القضائي عند تنفيذ الإستدعاء.
إن تجاوز الأمر القضائي في الاستدعاءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية يشكل جريمة دستورية موصوفة في المادة (32) من القانون الأساسي: "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوة الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر".
ولما كان الأمر كذلك، فإن رفض التعامل مع تلك الإستدعاءات غير الدستورية وغير القانونية الصادرة عن الأجهزة الأمنية، هو الخيار الذي ينبغي على الصحفي أو المواطن العادي اتباعه، التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وتكريساً له، وهذه الضمانة الإجرائية الدستورية ينبغي التمسك بها من قبل نقابة الصحفيين في دفاعها عنهم وعدم الاكتفاء بإشعارها باستدعاءات غير دستورية والتأكيد على حق الصحفيين في عدم التعامل معها ودعم هذا الحق.
تأتي هذه الاستدعاءات، في خضم الاعتراضات الواسعة على قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) لسنة 2017 الذي جرى إقراره مؤخراً ونشره في الوقائع الفلسطينية بتاريخ 9/7/2017، وما سبقه من حجب للعديد من المواقع الإلكترونية بقرار من النائب العام، و استدعاءات في قطاع غزة على خلفية "التخابر مع رام الله" و"إساءة استخدام التكنولوجيا"، ما يدلل على أن تلك الإجراءات التعسفية التي اتخذت بحق الصحفيين تنطوي على انتهاكات لحرية التعبير عن الرأي المكفولة بموجب المادة (19) من القانون الأساسي والمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ورغم استباحة القرار بقانون بشأن الجرائم الالكترونية لحرية الرأي والتعبير وللحق في الخصوصية في العديد من نصوصه وأحكامه؛ ولا سيما باستخدام مصطلحات تجريم فضفاضة من قبيل (النظام العام، الآداب العامة، الأمن القومي، السلم الإجتماعي...) بما يجعل من الصعب قياس سلوك الأفراد عليها ويجعلها عرضة للعديد من التفسيرات على حساب مبدأ الشرعية ومقتضياته، إلا أن القرار بقانون لم يعط الأجهزة الأمنية صلاحية استدعاء أي مواطن دون أمر قضائي. وحيث أن تلك الاستدعاءات لا تستند إلى أساس قانوني يبررها فإنها تشكل "احتجازاً تعسفياً" وفقاً لتصنيف فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وتنتهك بذلك أحكام نص المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين.
وعليه، فإن مؤسسة الحق تطالب بما يلي:
1. وقف الاستدعاءات غير الدستورية التي يتعرض لها الصحفيون من قبل الأجهزة الأمنية والتي تصاعدت وتيرتها مؤخراً وإخلاء سبيل كافة الصحفيين المحتجزين تعسفياً وإنصافهم.
2. استخدام النائب العام صلاحياته المبينة في قانون الإجراءات الجزائية باعتباره المشرف على مأموري الضبط القضائي من خلال طلب مساءلتهم تأديبياً دون الإخلال بالمساءلة الجزائية.
3. بالعدول عن قرارات حجب المواقع الإلكترونية كونها تنتهك أحكام القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
4. وقف العمل بقرار بقانون الجرائم الإلكترونية الذي جرى إقراره، دون مشاركة المجتمع المدني، لانتهاكه الصارخ لحرية التعبير عن الرأي والحق في الخصوصية، وإعادة طرحه للنقاش المجتمعي.