المرأة الحامل، تستمر في حملها تسعة أشهر متواصلة إلى أن تضع مولودها، ما يعني أن لكل نتيجة واقعة سياقاً متصلاً.
والسياق المتصل الذي نحن عليه اليوم، أننا ندّعي الفهم ولا نفهم، أو لا نريد أن نفهم، وفي رواية أخرى يراد لنا أن لا نفهم، وفي زمن "السوشال ميديا" نبحث عن اللايك، والتعليق، والشير.. نجامل هذا وننافق لذاك، لنضمن على أقل تقدير البقاء ضمن القطيع.
أعلم أن هذا المدخل، سيجر على كاتب هذه السطور النقمة من الكثيرين قراء وقيادات، وربما يدفع بالبعض منهم إلى المقولة الأشهر منذ اندلاع ما يسمى بـ "الربيع العربي" من أنتم؟ ولكن هذه النتيجة لم ولن تردعنا عن قول الحقيقة كما هي دون تجميل أو تشويه.
والحقيقة التي باتت جلية لا لبس فيها، هي تلك التي تظهر في المرآة المنبوذة بفعل فاعل لا يريد أن يحدق فيها كي لا يصاب بداء الصحو لربما، أو مرض الضمير حتماً.
هذه المرآة التي تؤكد أن العربي مدع في أفضل حالاته، وكاذب في حالات كثيرة، ومنافق، وضعيف، ومهزوم إلى أبعد حد، ليس لأنه لا يملك أدوات الفعل، وإنما لأن أدوات فعله لا تدور إلا لمصلحة الأنا الفردية، لا الـ "نحن"الجماعية.
والحقيقة يا سادة كتبناها، وكتبها غيرنا قبلنا وبعدنا، لتقول: إن الأقصى الذي كان يُدعى أنه في خطر، قد ضاع فعلا لا قولاً، ليس من اليوم وإنما من لحظة بدء الاحتلال في تجهيز السياق وصولا إلى اللحظة المناسبة ضمن حساباته السياسية والتاريخية، والتي تم الاشتغال عليها اجتماعيا، وثقافيا، واقتصاديا، قبل أن يكون سياسياً.
فيما نحن مارسنا، وما زلنا نمارس كل أفعال الرذيلة في حق هذا الوطن وشعب هذا الوطن، فانتشر لدينا الفساد السياسي والمالي، ليس بحسب إدعاء كاتب المقال، ولكن حسب ما أشار إليه الوزير السابق "شوقي العيسه" الذي سرد تفاصيل ودواعي استقالته.
وبالعودة إلى موضوع المقال الأساس، فهذا ما اشرنا إلي تفاصيله في موضوع الأقصى قبل عامين، وها نحن نجلس اليوم في مقاعد المتفرجين على تنفيذه، لنبحث عن أفعال أو اقتراحات تم تجاهل بعضها من قبل، وكانت قد طرح بعضها في هذا المقال السابق والذي جاء فيه:
صيغة العنوان أعلاه تأتي ضمن صيغ الفعل الماضي، ما قد يدفع البعض لاتهامي بترويج ما يعرف بـ "ثقافة الهزيمة"، ولكن الحقيقة التي باتت جلية تماماً تقول: إن ضياع المسجد الأقصى بمساحته التي نعرف، لم يعد مجرد تخوف قابل للحدوث، وإنما الأمر أصبح قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ الكامل، وإننا دُفعنا دفعاً باتجاه منزلق الهزيمة المقترحة.
لم يعد يخفى على أحد أن التقسيم الزماني للمجسد الأقصى، قد بات منذ زمن ليس بالبعيد، أمراً واقعاً بقوة سلاح المحتل، وتخاذل الأعراب بمن فيهم البعض منا، في مقدمة واضحة المعالم للتقسيم المكاني، ومن ثم الاستيلاء الكامل ومحاولة هدم المسجد.. وما المواجهة الأخيرة صباح اليوم الأحد إلا صحوة فلسطينية تحاول لفت انتباه الأسرة الدولية عامة، والأمتين العربية والإسلامية خاصة، لما يمر به المسجد الأقصى من خطر لم يشهد له مثيل منذ احتلاله للمرة الأولى عام 1967، عندما اقتحمه الجنرال الصهيوني "موردخاي جور" في اليوم الثالث من بداية الحرب، ورفع علم الكيان على قبة الصخرة المشرفة، وحرق المصاحف، وإغلاقه لمدة أسبوع كامل، منعت خلاله إقامة الصلاة ورفع الأذان. ثم أعادوا مفاتيح الأبواب باستثناء مفتاح باب المغاربة الذي يتخذون منه بوابة لإدخال من يشاءون من اليهود والمتطرفين إلى المسجد، كما تم الاستيلاء على حائط البراق، وتحويله إلى مزار لليهود أسموه "حائط المبكى" ويمنع على الفلسطينيين الاقتراب منه.
إن اليهود ومنذ بداية الصراع رفعوا رايةً واحدة هي راية التوراة، واندفعوا وراء غاية الاستيلاء ما تسمى بأرض الميعاد المزعومة، وجعلوا التوراة دستورهم، ورفضوا أن يحددوا للدولة حدوداً رسمية واضحة المعالم. ما يرجعنا إلى حقيقة أن الصراع، صراع ديني قومي وجودي وليس صراعاً سياسياً، وبهذا المعنى يصبح المطلوب في ظل تراجع موقف فصائل العمل الوطني بمن فيهم مدعي المقاومة والسلطة على حد سواء، وقلة حيلتهم:
1- أن يأخذ الشعب زمام المبادرة لإطلاق "انتفاضة حجارة ثانية"، انتفاضةٌ يُجرم فيها استخدام أي سلاح ناري، لوضع المجتمع الدولي برمته أمام أزمة أخلاقية وسياسية تضاف إلى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أزمات وتوترات.
2- إعلان انتهاء زمن السلطة، وقيام الدولة الفلسطينية على الأرض المحررة من طرف واحد، واعتبار القدس عاصمة محتلة، من حق الشعب الفلسطيني النضال لتحريرها، ما يضع الإدارة الأمريكية وحلفاءها في الشرق والغرب، أمام معضلة عودة الصراع إلى مربعه الأول.
3- دعوة كافة اللاجئين العرب، التوجه نحو القدس من كل صوب واتجاه، ما يخلق أزمة حقيقة لدولة الكيان على كافة حدودها المزعومة.
على المسلمين والعرب جميعاً على اختلاف قومياتهم العلم أن الهدف هو المسجد الأقصى قبل العرب والعروبة، وليدرك الجميع أن الذي هُزم في كافة حروبنا السابقة مع اليهود الصهاينة، هو التمزق والتشرذم والتغييب الذي عاشه العربي وما زال تحت رايات الجاهلية الطائفية والعرقية.
يجب أن نصرخ بأعلى الصوت أن الوقت قد حان لتمييز الصراع، فعودوا أيها العرب إلى مصدر عزكم وفخركم، تمسكوا بعروبتكم، واحموا المسجد الأقصى من براثن الأعداء، لنقضي على كافة توترات المنطقة وننهي زعم اليهود الصهاينة الكاذب أن المسجد الأقصى مبني على أنقاض هيكلهم.