في الوقت الذي تقوم فيه دولة الاحتلال بإجراءاتها المشددة في المسجد الأقصى، تُسمع صرخات كبيرة من الفلسطينيين في كل مكان تندد بالأحداث الأخيرة وتجاوزات الاحتلال بالمسجد المبارك. وتعي إسرائيل وغيرها إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التحركات، الأمر الذي يدفعها إلى كسر كافة المحاذير التي قد تبدو مخيفة حين تتابع التصريحات العربية والإسلامية حول الموضوع، ولكنها قد لا تبدو كذلك على المستوى المتعلق بتقدير المواقف العربية والإسلامية بالنسبة لإسرائيل، وإلى أي مدى يمكن أن تصل هذه المواقف. لذلك تدير دولة الاحتلال ظهرها ويذهب بنيامين نتنياهو إلى إكمال رحلاته التي تهدف إلى جلب المزيد من الدعم المعنوي والمادي لدولته. فتجده بالأمس يقوم بزيارة هي الأولى من نوعها منذ 30 عاماً إلى المجر، يلتقي خلالها برئيس وزرائها فيكتور أوربان الذي حصل منه على التزام بأن تكون المجر منصفة بحق اليهود، وأن فكرة تعاونها مع النازيين بدلاً من حماية اليهود هي فكرة قديمة ولن تتكرر أبداً.
المجتمع اليهودي يهتم بكافة التفاصيل، لذلك ذهب نتنياهو ليبلغ أوربان بقلق المجتمع اليهودي المجري من معاداة السامية هناك. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، مرر قادة المجتمع المحلي الرسائل بشكل علني ومن خلال القنوات الخاصة حول مخاوفهم العظيمة بعد ثناء أوربان على ميكوس هورثي الذي كان وصيَّ المجر خلال معظم فترة الحرب العالمية الثانية، والذي بدوره كان متعاوناً مع النازيين، بالإضافة إلى حملة أوربان ضد جورج سوروس صاحب الأعمال اليهودي المولود في المجر.
وفي الإطار نفسه، تحصّل نتنياهو على تصريح من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي قال فيه إنَّ فرنسا لن تستسلم لمعاداة الصهيونية لأنها النمط الجديد من معاداة السامية، وأكد على العلاقة القديمة بين فرنسا وإسرائيل. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قال إنَّ فرنسا مستمرة في الدعم الثابت وغير المشروط لأمن إسرائيل.. لينتهي اللقاء بعد ذلك بالعناق بين الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء الاحتلال.
وعلى الطرف الآخر من المعادلة، ينشغل الفلسطينيون بقضايا هامشية وبعيدة كل البعد عن مسار الصراع الأساسي، فتجدهم منشغلون بزج النشطاء في الضفة الغربية وقطاع غزة بالسجون، ومحاولة تكميم الأفواه بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة وإطلاق تهم جديدة وغير مسبوقة بحق النشطاء الذين يحاولون التعبير عن آرائهم، والذهاب إلى تعميق التراشق الإعلامي بين الجهات التي تسيطر على الضفة والقطاع.
وفي الطرف الفلسطيني أيضاً، أهالي يرسلون المناشدات كي يتم تحويلهم أو تحويل أبنائهم للعلاج، وآخرون يتمنون لو أنهم يستطيعون شحن هواتفهم النقالة أو تشغيل مروحة في هذا الصيف اللاهب. ولا يتوقف الأمر عند الحديث عن مليوني أسير يقبعون في غزة وتُغلق عليهم كافة المنافذ في حصار يشارك فيه القريب والبعيد، ولا تُرى حتى الآن ومن خلال ما نعيشه أيّة منافذ من شأنها أن تُخرج الفلسطيني من جملة كوابيسه التي لا تنتهي.
الفكرة التي أحاول إيصالها باتت واضحة، وليس يتعين علينا ذكر أمثلة أخرى تزيد الضيقَ ضيقاً، ولكننا أصبحنا بائسين أنانيين فاقدين للطريق وهائمين على وجوهنا، بلا شخص يرشدنا إلى الطريق، أو طريقٍ توصلنا إلى الحياة، وهذا ما عرفته إسرائيل.. لتستطيع فعل كل هذا بنا، ونستطيع بدورنا صناعة أكفاننا بأيدينا.