الحدث- رام الله
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه ينظر بقلق بالغ إزاء الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بشأن حرية الرأي والتعبير وحق المواطنين في السفر. موضحاً أنه تلقى خلال العشرة أيام الأخيرة من الشهر الماضي (تشرين أول - أكتوبر) 42 شكوى عن اعتقال تعسفي و 27 شكوى عن استدعاء لمواطنين خارج نطاق القانون.
وذكر الأورومتوسطي أن معظم هذه الشكاوى تتضمن مخالفات لاتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعتها فلسطين مؤخراً، كما أنها تمثل مخالفة للقوانين المعمول بها في فلسطين. كالاعتقال دون إبراز إذن قضائي، والاحتجاز التعسفي على خلفية أعمال ضمنها القانون الفلسطيني كالتعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وعدم تعريف المتهم بالجرم المنسوب إليه، وعدم السماح لمحاميه بالتواصل معه أثناء فترة التحقيق، وتوجيه اتهامات فضفاضة ك "قدح المقامات العليا" في إشارة إلى الانتقادات التي توجَّه إلى مسؤولي السلطة الفلسطينية، أو "إثارة النعرات الطائفية".
وأوضح المرصد الحقوقي الدولي في بيان صدر عنه وصل "الحدث" نسخة منه، أن السلطة الفلسطينية قامت مؤخراً بمنع الناشط الفلسطيني علي قراقع (24 عام) من السفر إلى الأردن وسلمته ورقة استدعاء لمقابلة جهاز المخابرات، وذلك فيما يبدو على خلفيّات ذات صلة بتعبيره عن آراء مخالفة لتوجه السلطة الفلسطينية.
وبحسب إفادة الناشط قراقع للمرصد الأورومتوسطي فإنه يتعرض منذ شهر تقريباً لحملة مضايقات وتشهير من قبل أفراد وصفحات الكترونية على خلفية مقطع ساخر نشره على صفحته على "الفيسبوك" وانتقد فيه خطاباً سابقاً لرئيس لسلطة الفلسطينية، إلى جانب تعرضه لحملة مضايقات وتهديدات غير مباشرة تطالبه بالسكوت والتوقف عن انتقاد السلطة.
وقال قراقع إنه تعرض للتحقيق من قبل جهاز المخابرات الفلسطيني على "جسر أريحا" بينما كان يحاول السفر إلى الأردن، وسأله المحققون عن انتمائه السياسي، وطلبوا منه تزويدهم بالبريد الإلكتروني الخاص به على "فيسبوك" وكلمة السر، وحققوا معه حول مشاركاته في صفحات التواصل الاجتماعي، ثم أخبروه بمنعه من السفر وسلّموه استدعاءً لمقابلة جهاز المخابرات في مدينة "بيت لحم" حيث يسكن.
وفي ذات السياق، كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية قامت باعتقال ناشطين من مخيم الدهيشة في بيت لحم، هما نائل أبو عكر ومحمد لطفي الخمور، وهو الأمر الذي أدى إلى احتجاجات في المخيم. وفي 29/10، قامت الأجهزة الأمنية باعتقال خمسة مواطنين من مناطق مختلفة من الضفة الغربية، واستدعت 4 آخرين، دون إبراز إذن قضائي بذلك. وقبلها بيوم، كانت الأجهزة الأمنية قد توجهت إلى منزل "حسن القواسمي" في الخليل لاعتقاله، غير أنه لم يكن في البيت، فقامت باعتقال والده للضغط عليه لتسليم نفسه، وهو ما يمثل "استهتاراً مطلقاً بحقوق الإنسان".
وقال الأورومتوسطي إنه تلقى أيضاً شكوى من عائلة "شتات" في بلدة "بديا" بالقرب من سلفيت، وتقول فيها إن الأجهزة الأمنية قامت باعتقال نجلهم "عبد الله محمد شتات"، 22 عاماً، يوم الأربعاء 22/10 أثناء عمله في "معصرة زيتون" في البلدة، متهمة الأجهزة الأمنية "بالاعتداء على ابنهم عبد الله بالضرب أثناء اعتقاله والشروع في قتله. حيث أفاد شقيق المحتجز "شتات" أن "أحد عناصر القوة التي جاءت لاعتقال أخيه بلباس مدني قام بتوجيه مسدسه إليه وحاول إطلاق النار عليه، غير أن خللاً فينا في المسدس، فيما يبدو، حال دون حدوث الكارثة" حسب ما يفيد.
وقالت عائلة "شتات" إنهم اتصلوا على جهاز "الأمن الوقائي" الفلسطيني بعد ساعة من اعتقال نجلهم، فأكدوا لهم أن ابنهم محتجز لدى الجهاز بحجة أنه "غير مؤدب ويحتاج إلى تأديب". وذكرت العائلة أن المحامي الخاص بابنهم "عبد الله" ممنوع من زيارته، مضيفة بأن هناك شكوكاً كبيرة بتعرض نجلهم للتعذيب، حيث بدت عليه آثار التعذيب لدى عرضه على النيابة العامة، والتي وجهت له تهمة "مقاومة السلطات" و "ذم وقدم مقامات عليا". وقالت العائلة إن نجلهم "عبد الله" كان قد اعتقل سابقاً لدى "جهاز الأمن الوقائي" بتهمة "إثارة النعرات الطائفية" وتعرض للتعذيب خلال عشرين يوماً من التحقيق، ثم أخلي سبيله بكفالة، فعاد جهاز "المخابرات الفلسطينية" واعتقله في نفس اليوم بنفس التهمة، وأُطلق سراحة بعد 14 يوماً.
وفي 21/10 قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية باعتقال الطفل "مقداد عمر القواسمة"، 17 عاماً، والذي بدأ من حينها إضراباً عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله دون سبب، "كما تعرض للتعذيب وهو ما أدى إلى نقله إلى المشفى عدة مرات"، بحسب ما تفيد عائلته. وكانت ذات الأجهزة قد اعتقلت 6 مواطنين قبلها بيوم من ضمنهم الصحفي "غسان نجاجرة" من بيت لحم.
ومن ناحية أخرى، قال الأورومتوسطي إن الأجهزة الأمنية ترفض في العديد من الحالات الإفراج عن مواطنين على الرغم من صدور أمر قضائي بالإفراج عنهم، كما حصل مع المواطنين "شادي وحسين أبو عكر وعبد الله صقر وحسين عبد ربه" من مخيم عايدة في بيت لحم.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن الاعتقالات تجري في العديد من الحالات على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على خلفية مواد صحفية تنشر على مواقع الكترونية وصحف محلية، كما حصل مؤخراً بحق المواطنين "براء القاضي" و "رائد القبج" و "أصلان الطويل"، وسابقاً خلال شهر تموز (يوليو) مع المواطنين "تامر الكحلة"، و"قتيبه صالح قاسم".
وأشار المرصد إلى أن تلك السياسات تؤشر إلى تعمد استهداف أصحاب الرأي وحقهم في حرية التعبير، وضرباً من الترهيب ومحاصرة الحريات العامة، حيث نص القانون الأساسي الفلسطيني في مادته رقم 11، على "عدم جواز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقا لأحكام القانون".
وطالب المرصد الأورومتوسطي الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بالكف عن سياسة الاستدعاءات والمنع من السفر، وإعطاء حرية التعبير مجالاً أوسع، مؤكداً على أنّ مواصلة الأجهزة لاستدعاءاتها بحق النشطاء دون تهم معلنة، يُعدّ انتهاكاً واضحاً للمواثيق والأعراف الدولية التي صانت حق الإنسان في حرية اعتناق الآراء دون مضايقة، ونقلها للآخرين دون حدود. داعياً المفوض الخاص بحقوق الإنسان "لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإلزام السلطة الفلسطينية باتفاقيات حقوق الإنسان التي كانت قد وقعت عليها".