الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"معتز".. قاطع رأس الثعبان الأكبر

2014-11-03 11:50:47 AM
صورة ارشيفية
الحدث - ياسمين أسعد
 
"هم أعداؤنا للأبد، لا ولن أخفي كرهي لهم، بل أفخر بولدي الذي أبى الذل ولم ينسى قضية وطنه كغيره فسقط شهيدا لأجل القدس".. عباراتٌ رددها والد الشهيد المقدسي معتز حجازي الذي اغتالته قوات الاحتلال قبل أيام معدودة بمنزله في حي الثوري ببلدة سلوان، ليسقط شهيدا ويروي الأرض بغيثِ الكرامة والصمود.
 
حكاية الشهيد معتز ليست كباقي الحكايات، تاريخُ مقاومة سُطر بتحدياتِ التمرد والرفض القاطع لكل ما هو إسرائيلي صهيوني في أرض فلسطين. على مدى (33 عاما) عانى "معتز" الأمرين جراء سياسات الاحتلال المتبعة ضد القدس وأهلها، التي بددت أحلامه وقتلت طموحه، وهي ما جعلته أشبه بقنبلة موقوتة.
 
"المواجهات الأخيرة التي شهدتها القدس، واقتحامات المستوطنين المستمرة للمسجد الأقصى واعتداءاتهم الوحشية على المرابطات، لم يكن بالأمر السهل على معتز ليتقبله، فهو شديد الغيرة على الأقصى ويرفض الظلم"، هذا ما قاله الوالد إبراهيم حجازي في حديثه مع "الحدث".
 
ويضيف: "في الآونة الأخيرة عمِلَ في مطعم "ارث بيغين" القريب من مركز "مانحيم بيغن" الثقافي في باب الخليل، الذي اعتاد الحاخام يهودا غليك على تنظيم مؤتمرات ونشاطات فيه تحث المستوطنين على اقتحام المسجد الأقصى والتخطيط لبناء "الهيكل المزعوم"، الأمر الذي أثار حفيظة معتز الذي بدأ يخطط لقتله نصرة للأقصى".
 
وعن تفاصيل حادثة محاولة الاغتيال، قال الشقيق الأصغر عدي حجازي (28 عاما): "ارتقب معتز قدوم المستوطن غليك- يوم 28 تشرين الثاني- واستوقفه ليلاً عند مدخل المركز في باب الخليل، بعد خروجه من المؤتمر السادس بعنوان "إسرائيل تعود إلى جبل الهيكل" فسأله عن ماهيته "هل أنت يهودا غليك؟" ليرد غليك بالإيجاب، فصرخ معتز "أنت حقاً تثير غضبي"، ليطلق عليه 4 رصاصات من مسافة صفر ولاذ بالفرار من مكان الحادثة، وهذا بحسب رواية الاحتلال وزوجة غليك التي كانت ترافقه".
 
واستطرد عدي قوله، "فوجئت حقاً مما حدث، فلم يظهر على معتز أي اختلاف ليلتها، وكان هادئاً كعادته، لنصدم سوياً في فجر اليوم التالي بقواتٍ خاصة إسرائيلية تحاصر منزلنا الكائن في حي الثوري، ومنعنا من الخروج إلى باحة المنزل الخارجية، وبمحاولاتي الرامية لمعرفة ما يحدث، خرجت فاقتادوني لمركز تحقيق المسكوبية وبقيت موقوفا حتى المساء ليفرج عني بكفالة بقيمة 3000 شيقلا".
 
وأكد شقيق الشهيد أن القوات التي حضرت لمنزل الشهيد حجازي كانت قوات اغتيال وليست اعتقال، أي أن قتل الشهيد جاء مع سبق الإصرار، وكان الجنود الذين طوقوا المنزل من كل حدب وصوب يحملون الخرائط الخاصة بالمنزل والمنازل المحيطة.
 
وأشار إلى أن "معتز" صعد إلى سطح المنزل في وقت فتح فيه جنود الاحتلال نيران أسلحتهم صوبه، ليتم إعدامه بأكثر من 20 رصاصة، ليتركوه ينزف قرابة الـ3 ساعات ومنعت طواقم الإسعاف من الوصول إليه لفارق الحياة مثقلا بدمائه.
 
والدة الشهيد معتز، اصطحبت مراسلة الـ"الحدث" لمكان سقوط ولدها الشهيد، "هنا تمت عملية تصفيته وجسده بدا أشلاء"، في إشارة إلى عدد الأعيرة النارية التي اخترق جسده دون أن يكترث جنود الاحتلال لمبادئ الإنسانية بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك ألا وهو التنكيل.
 
وتابعت الوالدة: "حاصرت قوات الاحتلال كافة أرجاء المنزل وبعد حوالي الساعة ألقوا قنابل الغاز إلى قلب البيت، واقتحموه وشرعوا بعملية بحث في كافة تفاصيله وقلبوه رأسا على عقب، فضلا عن مصادرتهم لأجهزة الحاسوب وأجهزة الاتصالات والممتلكات الخاصة بمعتز".
 
شيماء شقيقة الشهيد الوحيدة (26 عاما)، قالت: "لا أنسى المشهد المرعب، مئات الجنود حول المنزل، حالات اختناق واعتداءات بالضرب على أشقائي وأبناء العموم، وأصوات الرصاص تتعالى على الأسطح ولا نعرف ماذا حل بمعتز، وفي تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا، نقل إلى مستشفى "هداسا" ومنه إلى مستشفى "أبو كبير "للتشريح".
 
وحول تشييع جثمان الشهيد، أوضح الشقيق عدي "تسلمنا الجثمان حوالي الساعة الحادية عشر ليلا، وسمحت سلطات الاحتلال لنا بإقامة مراسم التشييع في مقبرة صلاح الدين بتواجد (45) شخصا فقط من أقربائه والأصدقاء، وكل ذلك تحت رقابة عسكرية مشددة لقمع أي تجاوز أو مواجهات محتملة".
 
وبحسب رواية الاحتلال، تم أخذ جثمان الشهيد معتز لزوجة الحاخام يهودا، للتأكد من هوية المعتدي كونها الشاهد الوحيد على الحادثة، في حين وصفت العائلة هذا العمل بـالمستفز واللا إنساني في وقت حاول فيه الاحتلال إرضاء عائلة الحاخام بمشهد الانتقام وليس باتخاذ إجراءات قضائية.
 
وحول الإجراءات القضائية المترتبة على إثبات الإدعاء، أكد شقيقه الشهيد لـ"الحدث": "منذ استشهاده لم يثبت الادعاء ولا توجد دلائل ولا قرائن كافية، والأمر الوحيد الذي نخشاه فعلاً هو إقرار سلطات الاحتلال بهدم المنزل، لذلك نحن بصدد أخذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع مثل هذا القرار".
 
الشهيد معتز يتمتع بتاريخ نضالي حافل، هذا ما أكده الوالد إبراهيم، قائلا: إن معتز كان شديد الرفض للوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، والمحاولات الدؤوبة لتهويد القدس وإخفاء طابعها العربي والإسلامي، ما دفع معتز إلى البحث عن أسلوب مقاومة بشكل فردي ردا على انتهاكات الاحتلال السافرة.
 
وأضاف الوالد: "استخدم معرفته في مجال الكهرباء ليقوم بإشعال الحرائق في المباني الإسرائيلية عبر إحداث تماس كهربائي باستخدام مواد سريعة الاشتعال، ومع تكرار الحوادث تم اكتشافه وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات أمضاها في سجن عسقلان.
 
وخلال الاعتقال، تعرض معتز لاعتداءات متكررة من قبل مصلحة سجون الاحتلال، ما حدا به إلى ضرب سجانيّن وتشويههم بأداة حادة، الأمر الذي حال دون الاستئناف بل على العكس رفع الحكم لسنتين إضافيتين، ونقل للعزل الانفرادي. ليرفع الحكم مرة أخرى، وبذلك أكمل 11 عاما ونصف و7 سنوات وقف استئناف، بعد ضربه لسجانٍ آخر بالأصفاد الحديدية وترك علامات تشويهية في وجهه.
 
وكان قد أُفرج عن الشهيد معتز قبل عامين في 5 حزيران 2012 ليعود ويكمل حياته بصورة طبيعية، لكن سرعان ما تمكن المستوطنون بممارساتهم الاستفزازية من إشعال شرارته الوطنية، لينقض بغضبه على المنظم والمؤسس الأول لتلك الانتهاكات والتدنيس المتبع ضد المسجد الأقصى "يهودا غليك".
 
وكانت مصادر طبية وشرطة الاحتلال الإسرائيلية، أفادت بأن الحاخم غليك دخل مرحلة الخطر،ووصف مستشفى "شعاري تصيدق" حالة غليك بالصعبة جداً وهناك خطر كبير على حياته".
بدوره، قال الطبيب الإسرائيلي عوفر مرين الذي يشرف على علاج الحاخام المتطرف، إن غليك أصيب بأربع طلقات استقرت في الرقبة والبطن واليد.
وأضاف أن "الأطباء اضطروا لاستئصال جزء من الرئة في محاولة لإنقاذ حياته".
 

صور لعائلة الشهيد خاصة بـ" الحدث"