حينما يُطرح عنوان يتناول الزمن، فعلينا أن نتوقف أولاً أمام تعريفه لغة واصطلاحًا، فهو في اللغة، اسم لقليل الوقت وكثيره معًا، وبالرغم من كون تعريف المصطلح يعدُّ عصيًّا على التحديد، إلاّ أننا يمكن أن نضعه مبدئيًّا في سياق الإحساس الجماعي لعوام الناس كافة، على توالي الأحداث بشكل لا رجعة فيها أو عنها.
هذا الشرح المختصر جدًّا لمفهوم الزمن، يدفعنا للمنظور الإدراكي لما يدور اليوم في مدينة القدس وضواحيها، والذي يؤشّر بشكل واضح إلى تغيير ملموس في معالم المواجهة بين الجيل الفلسطيني الشاب، والكيان الإسرائيلي المسخ، على مستويات عدة ستأخذ أبعادًا لا أظنّ أن صانع القرار في دولة الاحتلال قد وضعها ضمن مخططاته وحساباته المسبقة.
فما خُطط ليكون مفتاح فعل التفكيك للشرق الأوسط تحت عناوين كبيرة، كعناوين "الديمقراطية، والحرية، والكرامة" بهدف إضعافه ومِن ثَمَّ إخضاعُه، أعتقد أنه سيكون هو ذاته مفتاح التغيير في فلسطين على شقي الحالة، شقِّ الداخل الفلسطيني فيما يسمى اليوم بالكيان "الإسرائيلي"، وشق الكيانية الفلسطينية المعروفة بعنوان "السلطة".
الملاحظ في هذا السياق، أن القرارات الأخيرة للقيادة الفلسطينية عقب جمعة الغضب، وبخاصة الدعوة إلى اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني لبحث سبل حماية الكيانية الفلسطينية متمثلة في "منظمة التحرير الفلسطينية" كما ورد على لسان الرئيس محمود عباس، إنما يدلل على إدراك القيادة الفلسطينية لرياح التغيير القادمة بقوة دفع قضية بحجم قضية الأقصى، الأمر الذي لم يدركه الطرف الإسرائيلي.
ما يعني أن الإجراءات الإسرائيلية العنصرية الأخيرة بشأن الأقصى، وعوضًا عن توظيفها لجهة إنقاذ قيادة "نتنياهو" لحكومته الحالية، وضعت هذا الأخير ونظامه برمته في مأزق بات الإعلام العبري يتدارسه بشكل علني يشير إلى عمق الأزمة التي تحيط بالدولة الإسرائيلية، بالرغم من تفسير العديد من المحللين، بأن الدولة العبرية في الزمن الراهن، مدعومة بما لم تدعم به منذ قيامها، سواء من دول الإقليم أو من الحليف الغربي.
وما المحاولات الإقليمية والدولية الأخيرة، لايجاد مخرج لأزمة الأقصى، إلا محاولة جدية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الحكومة الإسرائيلية على المستويين الأمني والسياسي، ما يعني أن هذه الحكومة قد أخطأت التقدير، حينما أعتقدت أن مثل هكذا إجراءات قد تمرُّ على الفلسطينيين، مرور الكرام، فيما هي بلون اختبار جيد باتجاه السيطرة الكاملة على باحات المسجد الأقصى.
وإنْ دققنا النظر فيما حاولت الوصول إليه حكومة نتنياهو، وما وصلت إليه الأحداث على أرض الواقع، سنجد أن النتيجة الفعلية لهذه المحاولة، قامت بإعادة الاعتبار للمدينة المقدسة، بوصفها أهم قضايا النقاش على طاولة الشعبين الفلسطيني والعربي على حدٍّ سواء.
غير أنّ هذه الإجراءات، دفعت، وستدفع المجتمع الفلسطيني إلى الخروج من بيت طاعة الحزبية الفلسطينية، لصالح الفردية الوطنية، بشكل بات يبحث معه الشاب الفلسطيني عن موضع قدم يثبت من خلاله أهمية وجوده على هذه البقعة من الأرض، وإنْ تمثل هذا الإثبات في نيل الشهادة، وما عملية مستوطنة "حلميش" ووصية منفذها المعتقل، إلاّ دليل واضح على هذا الأمر.
الخلاصة: إنّ الأحداث الراهنة في حال استمرت لأسبوع واحد آخر، ستؤدي إلى أمرين غاية في الأهمية، الأول يتعلق في دولة الاحتلال ووضعها تحديدًا في المدينة المقدسة، حيث إن إجراءاتها الأخيرة بحق الأقصى، عملت دون قصد منها على توسعة فضاء الأقصى مجازًا، ليشمل ضواحي المدينة المحتلة كافة، ما يعني أن هزيمتها وأعني "دولة الاحتلال" في هذه الجولة من المجابهة، يعني خروجها من هذا الفضاء، وإن كان خروجًا رمزيًّا، سيكون له ما بعده، وهو ما نتمناه ويتمناه كل فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي وحر في هذه البقعة من العالم.
والثاني يمسُّ مباشرة شكل الحالة الفلسطينية الراهنة، التي تسير بقوة دفع طردية نحو الخروج من منظومة العمل الفصائلي المؤطّر، إلى مفهوم وتجليات العمل الفردي القائم على الاجتهادات، الأمر الذي يعني أن الزمن الآتي لا شكَّ في أنّه سيكون بالرغم من تكلفته العالية، الزمن الفلسطيني بامتياز.