حتى الآن يظنُّ البعض القليل أنَّ الفصائل الفلسطينية التي قادت النضال الوطني عبر منظمة التحرير في زمن آخر، لها دور، ولو محدودًا في ما يجري من أحداث ومواجهات عنوانها بوابات الأقصى.
ولقد وضعت الفصائل نفسها في اختبار حاسم، كانت نتيجته صفرًا، ذلك حين دعت إلى يوم غضب، افترضت أنّ المناسبة كفيلة بإنجاحه، وحين ذهب من ذهب في الموعد المحدد إلى دوار المنارة، راعهم حين رأوا أن المتسوقين والصحفيين صائدي الأخبار يفوقون المحتجين عددًا.
الدرس البليغ الذي ظهر من خلال هذه الواقعة، قال:إن الفصائل في وادٍ والشعب الفلسطيني في وادٍ آخرَ، واصرّت الأحداث اللاحقة أن تقدّم برهانًا ميدانيًّا على هذه الحقيقة، ففي يوم الخميس دعا المسجد الأقصى من خلال رجالاته المرابطين داخله وحوله،إلى نفير عام يوم الجمعة، ولأن إسرائيل تعرف جيدًا مصادر التأثير الفعال في الشارع الفلسطيني العريض والحيوي، تجاهلت دوار المنارة الفارغ، وأعادت احتلال الضفة بإضافة خمس كتائب من الجيش وآلاف جديدة من رجال الشرطة، مع استنفارٍإلى الحدِّ الأقصى لأجهزة الأمن على مختلف أفرعها، أي إنّها فعلت لمواجهة يوم النفير ما تفعله عادة حين تقدّر أنَّ حربًا وشيكة ستقع، وأنَّ طوفانًا بشريًّا، سيستجيب لدعوة النفير، ليس في الضفة وحدها، بل وحتى داخل إسرائيل ذاتها، حيث منعت الصلاة عبر سلسلة من الحواجز تبدأ من المثلث والجليل، وتنتهي عند بوابات الأقصى.
إنّه الشارع هو الذي يقود ولا يُقاد، وكلُّ من يدّعي قدرة على ضبطه،أو توجيه حركته من السلطة،أو الفصائل،أو الأشخاص الذين يملؤون الشاشات بالحديث باسم الشعب ونيابة عنه، فلن يصدقه بعد ما حدث أحد.
وضع يحتاج إلى إعادة دراسة وبحث، إنّه شيء يشبه انقلاب المنطق. في زمن الفعل كان سطر يصدر عن ناطق باسم منظمة التحرير يعدُّر أمرًا يوميًّا يتسابق الفلسطينيون جميعًا على تنفيذه، كان هنالك جسرٌ فولاذيٌّ عصيٌّ على التدمير، يربط قيادات الداخل بقيادة المنظمة، وينظّم حركة الجميع على إيقاع واحد، هو إيقاع المؤسسة الوطنية العظمى، في ذلك الوقت الذهبي، كانت القيادة الفلسطينية حين تلتقي بأيِّ قيادة أخرى، تمتلك حقَّ النطق باسم الشعب كلِّه، وكان العدو قبل الصديق، يحترم القيادة المعززة بشعب نشط وفعال ومنضبط يلتزم بخطها السياسي وأدائها القوي ونداءاتها المدروسة، أما الآن فلسنا بحاجة إلى التوسّع في وصف الحال، وتكفي جملة واحدة، لها ما لها، وعليها ما عليها، تقول: "إنَّ الذين يملؤون الشاشات، ويفجِّرون الميكروفونات، وينادون ولا يلبي نداءهم أحد، يتشبثون بهذا الوضع كما لو أنَّه حقٌّ موروث، بينما الشارع يقود الحالة من ألفها إلى يائها، وهذا ما نراه الآن على الأرض وحركة الناس.