الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رولا سرحان.. تجربة شعرية بين الرغبة والموت قراءة عادل العدوي

كاتب وشاعر مصري

2017-07-25 11:06:18 PM
رولا سرحان.. تجربة شعرية بين الرغبة والموت
قراءة عادل العدوي

"السِّوى" هو العنوان الذي يضم مجموعة النصوص الشعرية الصادرة حديثا للشاعرة رولا سرحان، وقد تعني به الآخر، وتتعدد دلالة لفظ سوى في المعجم، وربما نجد صدى دلالاته في أجواء الديوان، إلا أن إضافة "أل" التعريف للفظ سوى جعلته أقرب في الدلالة إلى الغير أو الآخر، وهذا الآخر يحيلنا إلى احتمالات مختلفة التأويل، إذ إن الآخر قد يكون المختلف حضاريا أو ثقافيا أو دينيا..إلخ.

على أن الذات الشاعرة تؤكد المعنى في النص فبل الأخير من الديوان الذي يحمل عنوان الديوان نفسه، حيث تقول: "لا أعرِفُ،/ ولا أفهمُ،/ أنّ كُلَّ هذا الكونِ/ في السِّوى/ محبوسٌ في شيئِه الذي لا يُرى".

على أية حال لا يهم كثيرا تتبع معنى الدلالة اللغوية المتحصلة في العنوان بقدر الالتفات إلى ما يدخره من طاقة شاعرية تنعكس على تشظي النصوص واتساع فضاءاتها، وهو الأمر الأكثر إثارة للانتباه في مستويات الخطاب الشعري عند رولا سرحان..

وقد تناول الديوان قضايا فلسفية كثيرة تمثل وعي الذات الشاعرة بالكون والله والأرض مشمولة بمنطق إيماني روحاني ينزع عنه لباس التدين، ويتجلى في ملكوت الروح الإنسانية، فالدين عندها دين إنساني عالمي عقيدته الحب والسلام وعبادته الحرية وتفهم الآخر، وقد تبدو تلك الروح في نص (طفٌّ من قلبي) تقول "أخت اعترافٍ/ صدر المسيح/ لي/ وهَمُّ مريم/ لي/ أدنى من الوحي كنت/ في مملكةٍ قديمةٍ/ بُعثتُ/ أو لربما من ضلعٍ للحياة/ ينِزُّ مني الطيبون خوارج/ خوارج/ ويلعنوني: لا شيء لك الآن/ حان الوقتُ/ من الراحلين/ ولدتُ/ بلا سوى غيري أنا"، وفي نص (أكتُبُ لي) تقول: "وأنحني داخلي أصلي ولا أركع".

ويتشكل نص رولا سرحان من فعل القراءة ما بين الرغبة والموت، ما بين الإنساني والإلهي، ما بين المادة/ الجسد والروح، تنطلق من دوافع تحركها بالقوة نحو قراءة الذات فتنتهي بالكتابة لتخليص تلك الذات من ميراثها العتيد وتحريرها في فعل يتردد صداه في عالم آخر غير مرئي: "كل الذي بيننا يحملني على وِشاحِ قصيدته الحمراء/ لأعودَ لأقرأَ/ من الرغبة، من الموت، من حواف الكلمات، من سباقٍ دائمٍ، من فتورٍ ليتبدَّدَ، من قاعدة تتخلخلُ، من اهتزازِ العرشِ تحت المسميات، من الطلقةِ الأخيرةِ لعقلةِ الإصبع...."

وهي تصيغ كلماتها من رحم الأرض اليابسة لتتحرر من ثقل الجسد لتهيم في الروح: "ومن يُنجيني/ ومن يُقسِّمُ الأحرفَ إلى 100 أغنيةٍ/ عن:/ الروح السيدةِ، الموجودة المتعادلةِ، فوق شيءٍ من الباقي، في سوار اشتياقي، إليَّ عَليَّ، تعلو تدوِّنُ واوًا معقوفةً، منجلاً للهواء كشبكةِ صيدٍ، تكتب دون براءةٍ من المتشقق مني على المتفرق عني..." (من نص أكتُبُ كي...) والكتابة التي تساوي الموت هي سبيل للخلود، لتمجيد الذات الضائعة الممزقة التي لا تتحمل البقاء في سجن الجسد الفاني: "هاك يدي/ آخذها/ وأكتب/ أني كنتُ هنا/ أكتبُ لأنفجر".

تلك اللغة المستعرة الجانحة إلى التصوف هي انعكاس لبحر يمور في داخل الذات الشاعرة، تخرج خروجًا غير آمن بل الخروج نفسه يعد انسلاخًا من الروح وانتزاعًا من الجسد، هي تجلٍ لأفكار تنهل من منابع عميقة ومشاعر مختلطة تتعارك، أفكار انبنت من تجربة فلسفية صوفية بداية ومشاعر اضطربت في النفس وتربت ونمت على أرض لا تتحقق أبدًا، لذا فإن الوطن هنا لا مساحة له هو خارج حدود الأرض ذاتها، والدين يتشكل من كليات إنسانية تشمل جميع الكائنات وتوحدها في نسق روحي.

وإذا كانت تلك هي المقومات التي شكلت التجربة الشعرية  هنا فإنه من المناسب أن تسكن الكلمات موسيقى تعبر عن تدفقها بالحياة، موسيقى تفجر عبق الماضي تلمسه فتدب فيه الروح ويصير كائنًا جديدًا متمردًا، يعلن عن وجوده في سفورٍ وتحدٍ، ويراوغ بارتدائه رداءً قديمًا لا يبدو مهلهلاً لكنه يتأنق كسيدٍ لطيف.

وهذا ما يمكن أن أصف به أدوات الموسيقى التي يعزف عليها النص. ففي نصوص كثيرة نجد استخدام القافية التقليدية التي لا نكاد نلحظها وإنما نشعر بها كموسيقى تنضبط على إيقاع الروح وتؤرخ لرقصة مولوية يدور الكون معها في عالم متوحد.

إن الديوان يحمل في جعبته صوفية خاصة لا تنتمي لتجربة ما إنما تتشكل من ذات لها خصوصيتها وفرادتها (في أسطورة الإله الأنثى): "قبل الخلق كنتُ، وبعده أكون/ كنتُ قبل أن تعبد هو وحده معه/ أنا قبل قبله وحده/ ومع بعده وحده كنت معه وبعدك أنت وحدك معه أكون/ هي أنا  في مثلها/ جمعها ومفردها/ في مثله هو جمعه ومفرده".  

وقد يبدو الكيان الأنثوي من آن لآخر في أجواء الديوان يعلن عن وجودها بصورة صارخة كذات منفلتة من واقع لا يؤمن بها، وتتعدد صورة المرأة هنا فمرة تبدو ناعمة خفيفة تتمتع بالغواية ومرة أخرى تبدو قوية شرسة تشكل العالم ببساطة، ففي نص "أَلْفُ أنا" تقول: "المرأة الآتيةُ فيَّ تتشبَّثُ بما لا ترى/ بإمكاني حينَ أبسطُ يدي وأمُدُّها/ أنْ أرسمَ لوحاتٍ لها/ عن تفاصيلَ سابقةٍ/ كلُّ ما فيها لا يدل إلاَّ عليَّ خارجَ يدي"، و"أفك شعري وأغسلُهُ وأجدلُهُ/ وأربطُ وسْطي بشريطٍ،/ أطلبُ أنْ أُقادَ/ كما يُقادُ المريدُ إلى العقوبةِ/ وأمشي..".

وفي نص "أكتبُ لي..." تقول: "الفتاة رغوةٌ خفيفةٌ/ مثلها/ يتحدث سارتر/ حين يريد أن يزعج السُّلطة/ وأن يزعج بدني المكتوب في الأفقِ/ كرسالةِ غفرانِ/ بلا معرَّةِ أو أصمعي".

تلك كانت قراءة مختصرة لديوان "السِّوى" للشاعرة رولا سرحان، أرادت أن تنوه إلى بعض ما احتوت عليه النصوص ولم تطمح إلى الإحاطة به، وربما أسعفني الوقت فيما بعد لتقديم قراءة ترقى لفخامة الديوان.