ترجمة الحدث – أحمد بعلوشة
كثيراً ما يضطر الفلسطينيون الذين يسعون للحصول على تصاريح عمل في إسرائيل إلى دفع ما يصل إلى 2500 شيكل شهريا للوسطاء، وفقاً لدراسة شاركت فيها وزارة المالية الإسرائيلية.
وتتراوح هذه القيمة من 1500 إلى 2500 شيكل، أي ما يتراوح بين ربع وثلث متوسط الراتب الشهري للعمال الفلسطينيين. وهي المرة الأولى التي تعترف فيها الحكومة الإسرائيلية باستغلال العمال الفلسطينيين وتجارة التصاريح بين أصحاب العمل.
والعمال الفلسطينيون ملزمون بالتعامل مع صاحب عمل إسرائيلي محدد عند حصولهم على تصريح العمل. على سبيل المثال، يدفع أيمن "45 عاماً" من قرية بالقرب من جنين، قرابة 2400 شيكل شهرياً للحصول على تصريح عمل.
ويقول أيمن، الذي رفض التصريح عن اسمه الأخير: "ليس هناك خيار"، علينا أن نعمل، حتى لو كان يتعين علينا دفع الكثير من المال للمقاول".
ووفقاً لوثيقة حكومية حصلت عليها صحيفة "هآرتس" فإنَّ "أسلوب العمل لم يخلق ظروف عمل مناسبة للعمال، وعلاوة على ذلك، فقد سمح في الكثير من الحالات إلى عدم دفع المرتبات المناسبة للموظفين".
وقدم العمال الفلسطينيون اعتراضات على عدم دفع الرواتب والمزايا الأخرى من المقاولين، والتي قد تصل قيمتها إلى 6 مليارات شيكل.
والوثيقة هي عمل فريق مشترك بين الوزارات أنشئت لتنفيذ قرار مجلس الوزراء الاسرائيلي لعام 2016 بشأن "تحسين التنظيم وتغيير مخصصات العمال في صناعة البناء" ويكمن وراء هذه اللغة البيروقراطية تغيراً جذريا في توظيف العمال الفلسطينيين الذين من المتوقع وصول عددهم إلى 87 ألفاً بحلول نهاية العام الجاري، أي ثلاثة أضعاف العدد في عام 2011.
أحد أسباب التغير هو الحاجة إلى زيادة عدد عمال البناء في محاولة لبناء المزيد من المنازل وانخفاض اسعار المساكن. وتدرك السلطات ايضا ان نظام توظيف الفلسطينيين -الذي تغير خلال 50 عاماً- قد فشل.
وفي الوقت الحاضر، تقوم سلطة السكان والهجرة والحدود بوزارة الداخلية الاسرائيلية بتخصيص العمال الفلسطينيين، استناداً إلى الحصص التي تقرها الحكومة. كل شهر، تقرر السلطة كيفية تقسيم هؤلاء العمال بين المقاولين.
وبعد البت في عدد التصاريخ، يقدم كل متعاقد طلبا لتوظيف العمال ويقدم تفاصيل كل شخص يريد توظيفه. وبعد الفحص الجنائي والأمني، يصدر التصريح للعامل وينص صراحة على اسم صاحب العمل وطبيعة عمله. ويجب أن يبقى العامل مع صاحب العمل هذا، ولكن الحقيقة تروي قصة مختلفة.
وقالت الوثيقة إن "التخصيص أدى إلى قيام المقاولين بالحصول على تصاريح دون الحاجة إلى عمال، لأنهم يخشون من إلغاء التراخيص التي لن يحصلوا عليها في المستقبل". "هذا الاعتماد الكامل من العمال على المقاولين ضورورية المقاولين للحصول على تصاريح قد خلق أرضاً خصبة لتجارة التصاريح".
على سبيل المثال، بعد أن يبلغ المقاول أنه يحتاج إلى 10 عمال، يحصل على التصاريح. وقد يكون المقاول بحاجة الى عدد أقل من الموظفين. وبذلك يقوم بنقل العامل إلى مقاول آخر ليس لديه تصاريح كافية. ويدفع صاحب العمل الجديد للمقاول الذي صدرت التصاريح باسمه، لكنه يجبر أيضا العامل الفلسطيني على دفع هذا المبلغ من جيبه ولا يملك الفلسطينيون سوى خيار ضئيل وهو التعاون إذا أرادوا العمل، لا سيما في ظل ضعف الاقتصاد الفلسطيني.
ولهذه التجارة في التصاريح أيضا آثار أخرى. حيث تبين أن ما يقدر بنحو 30% من العمال الذين يعملون في قطاع البناء والتشييد يعملون فعلاً في قطاعات أخرى بعد تخصيصهم لأرباب عمل آخرين. وقالت وزارة المالية إن الافتقار إلى المنافسة بين المقاولين -لأنهم لا يتنافسون على العمال من خلال توفير رواتب أعلى وظروف أفضل- هو السبب الرئيسي في أن الرواتب ظلت عند مستويات الحد الأدنى للأجور.
وقرر مجلس الوزراء الاسرائيلي تنفيذ آلية جديدة لتوظيف العمال الفلسطينيين اعتباراً من الأول من يوليو، ولكن هذا لم يحدث بعد.
كل شيء على الانترنت
ويستند النموذج الجديد إلى تغييرين رئيسيين. أولاً، يمكن للعمالة العمل لأي مقاول في هذه الصناعة دون موافقة مسبقة، وبذلك لا يلزم ربطه برب عمل معين. ويمكن للمتعاقد توظيف عدد كبير من العمال حسب حاجته -في حدود الحصة الإجمالية التي وافقت عليها الحكومة.
كما سيتم دفع الرواتب والمدفوعات الأخرى عبر الانترنت. ومن شأن ذلك أن يقلل كثيراً من قدرة صاحب العمل على الدفع أقل من المطلوب. وفي الوقت نفسه، فإنَّ الوسطاء والسماسرة سيكونوا ظاهريا خارج العمل، كما تقول الوثيقة.
وتوجد لدى الوزارات المختلفة، بما فيها وزارتا المالية والدفاع، إلى جانب الإدارة المدنية، تفسيرات كثيرة حول سبب عدم تنفيذ النموذج الجديد هذا الشهر، وتقول بعض المصادر أن وزارة الدفاع ليست حريصة على تغيير الوضع.
غير أنه لا يزال من غير الواضح ما إ1ذا كان السوق الأكثر حرية سوف يقلل من الاستغلال. وتعتقد وزارة المالية أنه سيكون لدى العمال الآن قدرة أكبر على المساومة وتغيير الوظائف بسهولة أكبر. وترى أن دورها الرئيسي يكمن في الرقابة، حيث سيكون اصحاب العمل هم المسؤولون عن الدفع بشكل جيد. وهو الحال ذاته مع العمال الإسرائيليين.
ومع ذلك، من الواضح انه بدون الإشراف المناسب، فإن التغيرات المخطط لها لن تكون فعالة إلا بشكل جزئي.
تقول مجموعة حقوق العمال "كاف لاؤوفد" أنها أوصت منذ سنوات بالنموذج الجديد الذي ينبغي الاشادة به كقرار تاريخي يحسن من حالة العمال الفلسطينيين.
ولكن هناك حاجة إلى إحداث تغييرات أخرى، فعلى سبيل المثال، فشلت إدارة المدفوعات التابع للسلطة السكانية في ضمان الحقوق الاجتماعية للعمال الفلسطينيين.
وتقول السلطة السكانية من جهتها إن إدارة المدفوعات سعت منذ سنوات لضمان حصول العمال الفلسطينيين على تصاريح عمل ورواتب ومزايا وفقاً للقانون. وأضافت "إن عملياتنا لا تحل محل مسؤولية أصحاب العمل تجاه الالتزام بجميع الاتفاقيات أو الأوامر ذات الصلة بقانون العمل".
وقالت الإدارة المدنية إنها "صاغت نموذجاً جديداً للعمالة، بل إنها تعززه في الإطار المشترك بين الوزارات. وسنعمل على تنفيذه".
المصدر: صحيفة هآرتس