الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مخيمات لبنان على صفيح مُلتهِب في محاولة جاهدة للبقاء على الحياد

2013-12-09 00:00:00
مخيمات لبنان على صفيح مُلتهِب في محاولة جاهدة للبقاء على الحياد
صورة ارشيفية

لبنان- مصطفى أبو حرب

تعيشُ المخيمات الفلسطينية في لبنان حالةً لا تُحسَد عليها من حيثُ التجاذبات السياسية والأمنية للأطراف المتنازِعة في الساحة اللبنانية. وعلاوة على كونهم ضحايا يدفعون أثمانا باهظة جرَّاء هذه التجاذبات، فإنَّ العنصر الفلسطيني يكاد لا ينجو كذلك من إدراج اسمه إعلامياً كلما طرأ طارئ أو وقعت واقعة.

ضحايا الاحتراب الداخلي

لا شكَ أن المخيمات الفلسطينية قد دفعت الكثير طيلة عقود بسبب الأحداث في لبنان، بدءاً من الحرب الأهلية التي دفعَ فيها الفلسطيني فاتورة كبيرة من أبنائه الذين قُتِلوا بعيداً عن خدمة المشروع الوطني الهادف لتحرير فلسطين وعودة أهلها، ومروراً بتعرُّض المخيمات الفلسطينية في بيروت، وتحديداً مخيمَي صبرا وشاتيلا، إلى مجزرة رهيبة قُتِل فيها ما يزيد عن ألفَي طفل وشيخ وامرأة جميعهم من العُزَّل الآمنين إثرَ اجتياح بيروت وخروج المقاومة الفلسطينية منها بعد صمود أسطوري دامَ 78 يوماً وبعد ضمانات أميركية للفلسطينيين عبر مبعوثها فيليب حبيب وضمانات من الحكومة اللبنانية عبر رئيسها آنذاك شفيق الوزان بعدم تعريض الفلسطينيين للخطر. وتلا ذلك حرب شرسة شنَّتها ميليشيات حركة أمل الشيعية على مخيمات بيروت والجنوب ما بين العام 1985 والعام 1988، حيثُ حُوصِرت مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، وقُصِفَت بوحشية لأكثر من سنتين، ولم يُسمَح بإدخال الطعام إليها علاوةً على قَطْعِ مياه الشرب والكهرباء عنها.

 وبالأمس القريب دُمِّر مخيم نهر البارد في العام 2007 عن بكرة أبيه ولم يبقَ منه حجر فوق حجر، وما زال أهله لغاية اليوم مُهجَّرين لا يستطيعون العودة إليه.

الفلسطينيون بلا هوية طائفية 

وبما أن كل الفلسطينيين من الطائفة السُّنية، فلطالما كان يُنظَر إليهم على أنهم جيش الطائفة السُّنية في لبنان، ولكن الفلسطينيين اليوم باتوا أكثر إدراكاً بوجوب عدم انحيازهم لطرفٍ ضد آخر، وخصوصاً بعد أن رأوا بأُمِّ أعينهم كيف أن ذلك الآخر لم يهَب لنجدتهم وأبنائهم حين تعرَّضوا للقتل. 

ومن هنا، فإنَّ الفلسطينيين حالياً يعيشون في لبنان بلا هوية طائفية لحين عودتهم إلى ديارهم. فهم ليسوا سُنة ولا شيعة ولا دروزاً ولا علويين، وحتى أن المسيحيين منهم لا يعيشون مسيحيتهم بالمفهوم التعصبي، وإنما يعيشونها بالمفهوم الديني السمح، وبذلك بات الفلسطينيون يشكِّلون الطائفة التاسعة عشرة في لبنان.

الفلسطينيون أبناء المخيم وحُماتُه

عندما تعرَّضت بيروت لاجتياح 7 أيار من قِبَل حزب الله في العام 2008 ولعدة ساعات، قِيل يومها (لو كان الفلسطينيون إلى جانب أهل بيروت لما تجرَّأ حزب الله على اجتياح المدينة). ولكن الواقع هو أن الفلسطينيين اختاروا أن يكونوا مع أنفسهم وداخل حدود مخيماتهم، مؤكِّدين أن السلاح الذي بين أيديهم هو لحماية أمنهم ولا وجهة له سوى الدفاع عن المخيمات في حال تعرُّضها لخطر أو لمجابهة العدو الصهيوني، لذلك لم يُحرِّك أبناء المخيمات في بيروت ساكناً ولم ينحازوا لطرف ضد آخر، ولم يسمحوا لأي كان بأن يجرَّهم إلى المكان الذي يريده بالرغم من سعي البعض لاستغلال بعض المواقف التي تطرأ من أجل تأجيج الضرب على الوتر المذهبي والتي كان آخرها قَتْلُ أحد أبناء مخيم برج البراجنة الشاب الشهيد محمد السمراوي على أيدي مجموعة حاجز أمني لحزب الله عند مدخل المخيم. إلا أن أبناء المخيم أثبتوا مرةً أخرى أنَّهم يدركون خطورة الوضع، ففوَّتوا الفرصة على المتربصين والراغبين بإشعال فتنة قد لا تُبقي ولا تذر، خاصة أن مخيم برج البراجنة يقع في منطقة غالبيتها من الشيعة وعلى مقربة من مطار رفيق الحريري .

من جهة ثانية، فقد أكَّد محمد البقاعي مسؤول إعلام حركة “فتح” في منطقة صور -التي تضم خمسة مخيمات هي الرشيدية والبص والبرج الشمالي والقاسمية وجل البحر- أن الفلسطينيين القاطنين في القرى اللبنانية يعيشون في هذه المرحلة حالةً من الخوف والترقُّب، خاصة بعد أن تمَّ تأكيدُ كون الانتحاري الثاني في انفجار السفارة الإيرانية فلسطينياً يُقيم وأهله في بلدة البيسارية في الزهراني جنوب لبنان، وهو ما قابله تعاطٍ مرَدُّه تفهُّم أبناء هذه القرية والجوار اللبناني والفعاليات الاجتماعية والسياسية ولا سيما رئيس البلدية لحيثيات الموضوع، حيثُ طمأنوا جميع العائلات الفلسطينية أن عائلة الانتحاري لا ذنبَ لها بهذه الجريمة وأن أحداً لن يُحاسَب بوزر أحد وأن العلاقة بين الشعبَين تاريخية ولن تشوبها أي شائبة.

غير أن الأمر يتكرَّر كذلك في مخيم البداوي الذي يقف على حافة بركان يُنذر بالانفجار في أية لحظة، وذلك لوقوعه بين خطَي نارٍ لمحوري قتال ملتهبَين حيثُ قُتِل مؤخَّراً الشاب الشهيد خالد طرابلسي -من أبناء المخيم- وهو عائد من عمله، والشاب بلال سعدو الذي قتل امام منزله بتاريخ 30/11/2013 ، إضافةً إلى تكرار انفجار القذائف فوق المخيم وسقوط الرصاص الطائش وجرح العديدين من أبنائه. إلا أن الرد الفلسطيني يكون دائماً بالعض على الجراح لتفويت الفرصة على من يُضمِر شراً بالمخيم، ويبغي توريطه بما لا طاقة له به خاصة أن البداوي اليوم يضم شتات الشتات الفلسطيني بمن يقطنه من أهالي مخيم البارد والأعداد الكبيرة من نازحي مخيمات سوريا، مما يُحتم عدم المجازفة بتوريط المخيم بما لا يُحمد عُقباه .

وفي هذا الصدد يشير أمين سر الفصائل في مخيم البداوي أبو خالد غنيم إلى اتفاق فصائل المقاومة على جعل أمن المخيم أولويةً عبر تحصين أمنه الداخلي لإبعاد شبح جره إلى الانحياز لطرف ضد آخر، في وقت بات فيه الطيف اللبناني منقسماً لدرجة غُيِّبت فيها مصلحة لبنان الوطن والهوية، مؤكِّداً أن الفصائل الفلسطينية تُقدِّم المصلحة الوطنية على ما عداها ولافتاً إلى أن وحدة الموقف جعلت الجميع يحذر من الاحتكاك بمخيم البداوي.

هذا وينسحب الأمر ذاته على مخيم عين الحلوة وخصوصاً بعد أحداث عبرا بين الجيش اللبناني والشيخ أحمد الأسير عندما حاول أفراد من مجموعات الأسير الدخول إلى مخيم عين الحلوة، فما كان من الفصائل الفلسطينية -بما فيها الإسلامية- إلا أن رفضت دخول هؤلاء لمنع جر المخيم لمعركة ضد الجيش اللبناني ليس للمخيم دخل فيها لا من قريب ولا من بعيد، وبذلك نأى الفلسطينيون بمخيمهم ذي الكثافة السكانية الأكبر نسبة لمخيمات الشتات في لبنان- إذ يتجاوز عدد سكانه 70 ألف نسمة- والذي يُعتَبر بمثابة العاصمة السياسية لهم في لبنان .

من جهته، يؤكِّد قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء أبو عرب “أن أمن مدينة صيدا من أمن المخيمات، وكذلك أمن المخيمات من أمن مدينة صيدا، هذه المدينة التي احتضنت شعبنا الفلسطيني ووقفت إلى جانب قضيته المحقة في العودة إلى أرضه وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”. 

ويرفض اللواء أبو عرب بشدة ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من معلومات وأحكام مُسبَقة تتناول المخيمات وتنعكس سلباً عليها وعلى جوارها، طالباً إلى وسائل الإعلام توخي الدقة والشفافية في نقل الأخبار والتأكد من صحتها.

ويؤكِّد اللواء أبو عرب تمسُّك الفلسطينيين بسياسة الحياد الإيجابي إزاء التجاذبات الداخلية اللبنانية، ويُشدِّد على أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى الجميع لأن يكونوا معها وفي نُصرَتها، رافضاً الانجرار لأي فتنة يحاول البعض الزج بالمخيمات فيها، ومنوِّهاً إلى أن المخيمات بكافة فصائلها وقواها الوطنية والإسلامية ترفض الانجرار أو الانغماس في أية فتنة .

هذا وكان اللواء أبو عرب قد استنكر كافة التفجيرات التي حصلت في المناطق اللبنانية معتبراً أن ما قام به الانتحاري عدنان المحمد ليس سوى عمل فردي لا يُمثِّل الفلسطينيين بدليل استنكار أهله وتبرُّئهم من فِعلَته. ونفى بشدة أي وجودٍ للأسير أو لفضل شاكر أو حتى لتنظيم القاعدة في عين الحلوة مستغرِباً التضخيم الإعلامي الذي يتم تداوله حول مخيم عين الحلوة بشكل خاص والمخيمات عموماً.

الاستهداف الإعلامي للمخيمات الفلسطينية 

رغم جميع المحاولات الحثيثة لتحييد المخيمات من قِبَل المسؤولين الفلسطينيين وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، إلا أن ذلك لم يمنع محاولة العديدين السعي للنَيل من المخيمات الفلسطينية ومحاولات الإيقاع بها واحتسابها مع طرف ضدَّ آخر. فقد عمَدَت عدة صحف لبنانية لإعداد دراسات وهمية وتقارير كاذبة تُظهِر فيها المخيمات الفلسطينية كمعامل وأسواق لتصدير السلاح والاتجار به تارة، وكمراكز تجميع ومحطات انطلاق للمقاتلين الذين يريدون القتال في سوريا تارة أخرى، بل إنَّها حتى رسمت في تقاريرها الكاذبة صُوَراً لانتقال السلاح من مخيم إلى آخر من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى سوريا، بهدف تأجيج وتأزيم العلاقة بين المخيمات وتحديدا ًمخيمَي البداوي وعين الحلوة ومحيطهما المتفجِّر في أي لحظة .

كذلك فإن الاستهداف للمخيمات لا يقتصر على الصحف المقروءة وإنما يتعداه إلى فضائيات تلفزة مثل «الجديد» التي لا تدَّخِر جهداً ولا تُعِدُّ تقريراً إلا وتمرر من خلاله إشارةً بوضوح العبارة إلى المخيمات وربطها بأي موضوع أمني، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في حادثة الانفجار الأخير الذي حصل أمام السفارة الإيرانية، كانت «الجديد» الفضائية الوحيدة التي أصرَّت طيلة يومين على أن الانتحاريَين قد مرَّا بأحد المخيمات القريبة من مكان التفجير، وكأنها تدعو لتوريط واحد من ثلاثة مخيمات موجودة في محيط حصول التفجير أو حتى الثلاثة معاً (شاتيلا، وبرج البراجنة، ومار الياس) في حين أن جميع ادعاءاتها كانت مجرَّد سرابٍ منسوب لأعين عمياء.

المخيمات آمنة .. إذاً فمحيطها آمن 

هذا وتجهد الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية لضبط أمن المخيمات وبقوة، ويبرز ذلك من خلال التنسيق العالي بين القوى الأمنية في المخيمات والأجهزة الأمنية التابعة للدولة اللبنانية لجهة تسليم المطلوبين أو الـمُخلِّين بالأمن. وبما أن الأمن مضبوط إلى حدٍ ما في المخيمات الفلسطينية في لبنان بشهادة الجهات الأمنية اللبنانية، فإنَّ محيط هذه المخيمات باتَ آمناً في غياب لأي تهديد أمني لطرف ضد آخر، وهذا ما يُطمئِن الجيش اللبناني الذي ينشرُ عساكِره على كل الطرقات في لبنان إلا في المخيمات الفلسطينية التي أعلنت للجميع بأن الفلسطيني ليس طرفاً في التجاذبات السياسية والأمنية اللبنانية، وحازت بموقفها الرافض للتدخل في الشؤون الداخلية في لبنان على ثناء كافة الأطراف اللبنانية، وذلك بعد تجربة مريرة خاضها الشعب الفلسطيني وأدرك أخيراً بأن اللبنانيين مهما تنازعوا، فإنهم يعودون ليتفاهموا ويتصالحوا ولكن تدور الدائرة على من وقف إلى جانب  طرف ضد آخر .

الموقف الرسمي الفلسطيني 

أثبتت السياسة الفلسطينية الرسمية في لبنان -مُمثَّلة بموقف الفصائل الفلسطينية- أنها سياسة حكيمة عندما اجتمعت كل الفصائل الفلسطينية وبخاصة فصائل منظمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينية في سفارة دولة فلسطين، وأكَّدت أن مصلحة المخيمات الفلسطينية تأتي أولاً. وقد زارت هذه القوى كل الأطراف اللبنانية وأعلمتها بالموقف الفلسطيني المتمثِّل بنأي الفلسطينيين بأنفسهم وعدم رغبتهم بالانحياز لطرف لبناني ضد آخر، وبأن الفلسطينيين مع وحدة لبنان ومع السلم الأهلي فيه لأن لبنان القوي المعافى هو قوة لفلسطين وداعم لحق العودة ورفض التوطين. وجاءت زيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان في 2013/7/3 ولقاؤه بالرؤساء اللبنانيين الثلاثة لتؤكِّد هذا الموقف، حيثُ شدَّد على كون المخيمات الفلسطينية في لبنان تحت السيادة والسلطة اللبنانية وتحت القانون. وفي لقائه مع الفصائل والفعاليات الفلسطينية، أكَّد سيادته ضرورة نأي الفلسطينيين بأنفسهم وحماية أمن مخيماتهم لأن المخيم يُشكِّل ضمانة حق العودة. وفي الإطار نفسه، تأتي زيارات كافة المسؤولين الفلسطينيين إلى لبنان التي كان آخرها زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله لتؤكِّد ذات الموقف الفلسطيني.

 وبالرغم من جميع المحاولات الجادة للانتقال بالمخيمات إلى بر الأمان، إلا أن المخيمات على امتداد الخارطة الجغرافية والأمنية للبنان تبدو وكأنها تقف فوق صفيح ملتهب وهنالك خشية من أن تتهاوى أركان صمودها وقدرتها على النأي بنفسها لئلا يُصيب فلسطينيي لبنان ما أصاب أهلنا في مخيمات سوريا. ويبقى القول إن الأمور تُقاس بخواتيمها