الحدث - جميل عليان
بعد رحلة طويلة لعائلة بني فضل في الحياة، استمرت لعقود تتنقل من مسكن إلى آخر، لجأ الجيل الجديد منهم إلى كهف كآخر ملاذ لهم بعد هدم الجيش الإسرائيلي آخر مسكن من طين كانوا يسكنونه.
أسامة بني فضل إحدى سكان خربة الطويل في سفوح نابلس الشرقية، يسكن في غرفتين أقيمتا قبل نحو سبعة عقود قبل أن يلجأ، صباح اليوم، هو وزوجتيه الاثنتين وثمانية أطفال إلى أحد الكهوف ليقيم بها بعد أن فقد غرفتيه.
وهدمت قوات الاحتلال منزل بني فضل الذي انتقل إليه قبل ستة أشهر، عقب تعرض مسكنه للهدم في أيار الماضي. وقال فيما كانت جرافات الاحتلال تهدم منزله "لم يتبق شيئا (..) هدموا كل شيء". وهذه ليست المرة الأولى التي تهدم فيها جرافات يستأجرها جيش الاحتلال مساكن في هذه الخربة التي يعمل سكانها في تربية المواشي.
فمن قبل، هدم الجيش المساكن أكثر من مره. ذاته بني فضل هجر من مساكن متعددة قبل أن يحط به المقام هو وعائلته في كهف حفر قبل مئات السنين في مرتفع صخري في المنطقة.
وتحظر إسرائيل على الفلسطينيين إقامة مساكن في هذه الخربة التي بنيت مساكنها في أوائل القرن الماضي. وقال أسامة لمراسل "الحدث" إن جديه وأبويه أقاما في هذه المساكن قبل أن تنشأ إسرائيل عام 1948.
في كل مرة كان يهدم فيها الجيش مسكنا لبني فضل كان ينتقل إلى آخر. "كنت أرمم هذه الغرف الطينية وأضع عليها طبقة من الاسمنت"، قال بني فضل فيما تحلق حوله مجموعة من سكان الخربة وصلوا إلى المكان الذي تجري فيه عمليات الهدم لمساعدته.
وتهدم القوات الإسرائيلية المحتلة أي مسكن في المنطقة بحجج كثيرة. وقال بني فضل إنهم يدعون أن هذه المساكن غير مرخصة. ولا تمنح السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين أي رخصة للبناء في كل المنطقة.
وقال سكان من القرية إنهم لجأوا مثل بني فضل للسكن في الكهوف التي يخشون أن يطالها الهدم هي أيضا. وكانت قوات الاحتلال هدمت ثماني مرات هذا العام مساكن في المنطقة.
وقال الخمسيني بهاء معروف الذي يسكن على بعد لا يتجاوز خمسين مترا من بني فضل، إن الجيش هدم منزله الذي أقامه والده عام 1947.
من ناحيته، قال مسؤول المجالس المحلية والاستيطان في محافظة نابلس غسان دغلس، لـ"الحدث" هدف الإسرائيليين واضح، يريدون إفراغ المنطقة من السكان لتوسيع المستوطنات.
يردد المعنى ذاته مسؤولون فلسطينيون تواجدوا في المكان الذي تعرض للهدم.
وخرب الجيش بعد أن أنهى عملية هدم المساكن الطرق المرصوفة التي توصل إلى الخربة عبر منعرجات ملتوية. وقال دغلس "أحدثوا خرابا واضحا في كل مكان". وأشار إلى عدة مقاطع من الطريق عملت فيها الجرافات حفرا كبيرة يصعب على المركبات اجتيازها.
وقبل شهر أقدمت قوات الاحتلال على هدم شبكة كهرباء الخربة الممولة من بلجيكا ما حدا برد بطلب الدولة الممولة من إسرائيل توضيحات حينها.
وقال باسل بني جابر الذي يدير شؤون الخربة إداريا، إن نحو 250 شخصا هم سكان خربة الطويل حرموا من مصادر الطاقة والماء بعد أن دمرتها إسرائيل.
وأضاف "قبل شهر خربوا شبكة الكهرباء واليوم شبكة المياه"، وكنا سنصلح اليوم شبكة الكهرباء فأتوا ودمروا شبكة المياه".
وقال "الناس لجأوا إلى الكهوف (...) هدفهم واضح يريدون طرد الجميع كي يوسعوا المستوطنات". وأشار الرجل إلى قمة جبال على بعد تلتين من المنطقة التي تقع فيها الخربة، لتظهر هناك نواة بؤرة استيطانية جديدة. وقال "ستسبح تلك المستوطنة حتى تصل إلى هنا. إلى ركام هذا المنزل". وكان يشير إلى ركام منزل أسامة.
وتقول منظمات إسرائيلية تراقب الوضع في الخربة منذ بدأت فيها عمليات الهدم إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى تطهير المنطقة من كل الفلسطينيين.
وقال مسؤول العمليات الميدانية في منظمة "حاخامين من أجل حقوق الإنسان" زكريا السدة، "في الوقت الذي تسمح فيه إسرائيل للمستوطنين بالبناء بالمستوطنات المجاورة تهدم بيوت الفلسطينيين".
وأضاف "أصبح الهدف من الهدم واضح. إنهم يريدون طرد الفلسطينيين للاستيلاء على كل هذه المنطقة". وأقامت إسرائيل نقاط مراقبة عسكرية في محيط المستوطنات. وشوهد سياج جديد وضعه المستوطنون في محيط جبل قريب على سفحه عدة بيوت متنقلة.