الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صُوَرٌ للأسوار بقلم: طارق عسراوي

2017-07-27 05:22:31 PM
صُوَرٌ للأسوار
بقلم: طارق عسراوي

يا ربُّ.

ترفعُ كفيّها إليكَ مبلولة بدمع الدعاء الساخِنِ وتتهجَّدُ : أقصاكَ يا الله.. أقصانا!

**

 

أصعدُ درجاتِ المقبرة اليوسفية راكضاً، يسقُطُ مسنٌ فتلتقطه عكّازته  -كانت جذع زيتونةٍ ذات يوم - بينما يُلقي الجنودُ قنابلهم الحارقة، تسقط قنبلةٌ أمام خطوتيَ فأتسمّرُ!

تقول لي: وهي متوهجةٌ كنجمةٍ، اركض سأنفجر!

**

 

بالدمعِ المسكوب على وجناتِ الورد غسلنَ العتبات من أثر الجنود.

عند الفجر كان الجُندُ ينحسرونَ بالعتمة وكانت عيناها غارقتينِ بحلمٍ ثقيل.. وبعدها كان الصباح.

**

قال لي صديقي: عند  رأس واد الجوز نقيم الصلاة، تعال.

كان الإسفلتُ ملتهباً من حمم الدعاء، وكانت أقدام الجنود المُحاصرين.. تذوب!

**

مثل برقٍ كان الهتاف يتصاعد من الحناجر، يزأرُ صداهُ بين أسوار القدسِ العتيقةِ، ويمورُ إلى خارجِ البوابات نصالاً ترجُّ أوصال البلاد.

عُمَر .. صار نصلاً .. عُمر كان حنجرةً حارقة!

**

والله في القدس نسوةٌ، لا ينتظرنَ نُصرة المعتصمِ، ولو صاحَ رجلٌ في أقصى الجزيرة " وا مريماه " لأتينهُ ناصرات غير متخاذلات.

والله فيها شعبٌ آثرَ البيتَ على الإبل،  وفيها أبابيلٌ صغار رجموا الغزاة بحجارة  النصر المبين.

**

 

وحدهُ الفلسطينيُّ، وحدهُ المقدسيُّ، إن أغلقوا الأبواب يفتحها، وحين تُفتح الأبواب يفسحُ المجالَ لالتقاط الصور التذكارية، أما الأسوار فشاهدةٌ على التخلي.

**

صلَّت ورَجَت ربها كثيراً، صَلَّى ودعا رَبّه كثيراً، وبين الصلاة والصلاة كان الفتى يصعد مدرج السماءِ من بين الجنود المدججين بالرصاص والموتِ ، يضيئها نجمةً نجمة، ويقرأُ من روحه للمدينة آيات حافظات.

**

 

لتُفتَح أبواب الأقصى، في القدس تغلق المساجد أبوابها  .

وتصيرُ أجراس الكنائس طبول معركة.

فيرفعُ الأذان من المهد إلى القيامة، ويُقرَأُ الإنجيل في الصلاة الجامعة.

**

 

لا غربَ في هذي المدينة يا ابنتي.

كُلّها شرقيّة، فاحذري في القدسِ تَمكُرُكِ الجهات!

**

 

هذا النهار، يسيرُ المقدسيّ يشكو من حرّ الظهيرة، يلعبُ النردَ وينفثُ التمباك، وتجلس النسوة بباب البيت وعلى الشرفات يثرثرنَ  على حافّة القهوة، وأما الفتى فيلعب الكرة أو يبيعُ الكعكَ في الطرقات.

هذا النهار، يجمع الغزاة وهمهُ، شظايا صورته الخائبة، وينكسر معها أمام شمس الحقيقة الساطعةِ: نحنُ الحقيقة.