في التغطية الصحافية اليومية لانتفاضة القدس، قابلت العشرات من المواطنين العاديين..نساء وطلاب مدارس ومهنيين ورجال أعمال، وتعلمت الكثير من الدروس.
في "باب الاسباط" قابلت طبيب قلب مقدسي مشهور يعمل في احد اكبر المشافي الاسرائيلية. قال لي هذا الطبيب: نحن الذين نقف هنا كل يوم، لسنا اولاد شوارع، نحن بشر نريد ان نعيش بكرامة وحرية، بيوتنا مهددة، اقامتنا في بلدنا مهددة، مساجدنا مهددة، نحن خرجنا لندافع عن البيت الذي بدونه سنرمى في الشارع... كان هذا الطبيب يأتي كل يوم مساء الى باب الاسباط مع صديقة المهندس من مخيم شعفاط، وصديق ثالث طبيب صاحب عيادة.
في باب الاسباط تعلمت ان العمق الشعبي هو الاسلوب الاكثر قوة وتأثيرا...فهو يحيد السلاح، يقلل الخسائر، يستنزف موارد الدولة، ويربك جيشها، ويتركة عاجزا عن مواجهة الاطفال والنساء وعامة الشعب، يترك الدولة برمتها في حالة طوارئ لا تنتهي، دولة بلا اجازات... ويخلق تفاعلا وضغطا سياسيا محليا واقليميا ودوليا واسعا.
اعتقد ان مرحلة ما بعد الرابع من تموز ستختلف عن ما قبلها في التاريخ الفلسطيني، فقد ادرك الفلسطينيون ان الحراك الشعبي الشامل، الحراك السلمي الذي يشارك فيه جميع ابناء الشعب من اطباء ومحامين ومثقفين ورجال اعمال وعمال وطلاب... يشارك فيه جميع افراد العائلة وفي مقدمتهم النساء والاطفال، قادر على احدث تغيير تصل اصدائه الى آخر زاوية في الكون.... ادرك الفلسطينيون ان تأثير العمل الشعبي الشامل اكبر مليون مرة من حادث فردي هنا او هناك ينتج عنه صور الدماء وتعقبه دعوات الانتقام والثأثر.
اعتقد ان تجربة القدس وصلت الى عقل وقلب كل فلسطيني، وان التحرك القادم في مناطق اخرى مهددة بالاستيطان مثل الخليل وغيرها ستكون على شاكلة انتفاضة القدس.
في باب الاسباط تعملت انه لا يوجد قيادة سياسية دائمة، فالناس يمكن ان تنقلب على قيادتها وتخلق قيادات جديدة في لحظة واحدة.. لحظة انفجار وتحول... لو يعرف السياسيون ماذا يقول عنهم الناس... لذابوا خجلا... احدهم، وهو الحاج خليل ابو عرفة (64 عاما) قال لي: اسمع يا ابني، جميع المسؤولين في السلطة يحملون تصاريح دخول الى القدس، لكن احدا منهم لم يات الى هنا، هل تعرف لماذا؟؟ لانهم يخافون من الناس.. لو جاءوا فان الناس ستحاسبهم.
في القدس حمل الناس المفتي على الاكتاف، وهي المرة الاولى منذ عهد الحاج امين الحسيني... وضع الناس ثقتهم في المرجعيات الدينية، وهذه اشارة الى ضعف دور القيادة السياسية.
قيادة منظمة التحرير التي كانت ذات يوم تقود الشارع في اشارة منها من بيروت او من تونس، لم تعد كذلك، والاسباب نعرفها جميعنا.
تجربة القدس تعلمنا ان التراكم الكمي يقود الى تغيير نوعي وشامل... تجربة القدس تحتم على الجميع القيام بمراجعة شاملة لكل ما مضى.