ما زال الإعلام العربي المكتوب والمرئي، يتعرى بقصد ودون قصد، في حضرة ما يطرحه الإعلام الإسرائيلي من أخبار موجه لأهداف سياسية بعينها سواء في الإقليم أو في الداخل الفلسطيني.
ونموذج هذا التعري الأخير نجده واضحاً في خبر الإعلام الإسرائيلي، الذي تم بثه اليوم الجمعة، حول مخططات إسرائيلية جديدة لبناء جدار أمني على حدودها مع مصر.
وابرز المنابر التي وقعت في شرك هذا الخبر، كانت وسائل الإعلام الخليجي، وخاصة قناة الجزيرة الفضائية، التي تقدم نفسها باعتبارها النموذج الإعلامي الأكثر مهنية في العالم العربي، حيث ذهبت في تكرار الخبر المرة تلو الأخرى، بل وخصصت له مساحات نقاش واسعة، كتخصيص برنامج المتابعات الإخبارية "ما وراء الخبر".
والمتابع للشأن العربي، يمكنه بسهولة بالغة ملاحظة، أن منابر إعلامية كبيرة بحجم الجزيرة، من الصعب وقوعها في مثل هكذا سقطات إعلامية، إلا إذا كانت هناك أهداف سياسية تخدم مشروع ممولها في صراعاته الإقليمية مع جيرانه وبخاصة المحاصرين له.
إن العين الفاحصة لأبعاد تناول الخبر عبر شاشة الجزيرة، يلحظ دون أي عناء يذكر، أن معالجة الخبر لا تهدف إلا الاساءة للنظام المصري الحالي، وتركيزها على مقولة: "عجز الجيش المصري، أمام التنظيمات الإرهابية"، عوضاً عن مناقشة الابعاد الأمنية والسياسية لفكرة ذهاب دولة الاحتلال لبناء مثل هكذا جدار على حدودها مع دولة تدعي بعض الأطراف ومنها القناة نفسها أنها اقرب حلفائها الأمنيين.
وحقيقة الخبر أن الحكومة الإسرائيلية، كانت قد اتخذت قراراً أصدرته بعد انتهاء عملية الجرف الصامد عام "2014، ينص على ضرورة تأمين حدودها مع قطاع غزة، عبر بناء جدرا أمني تحت الأرض. إلا أن جدلا سياسيا وامنيا واسعا دار داخل الأروقة إسرائيلية في حينه، حول أهمية الجدار مع غزة، دون إقامة جدار مماثل لإعلاق الانفاق مع مصر بشكل نهائي. فكان القرار أن نبدأ بجدار غزة، ونستكمل المخطط مع الجدار مع مصر.
بهذا المعنى بدء استكمال بناء الجدار الأمني على الحدود الجنوبية مع مصر، إذ بدأ العمل في المشروع ككل ببنائه اولا حول قطاع غزة منذ شهر آب 2016، في محاولة من دولة الاحتلال لمنع وقوع هجمات مصدرها الانفاق الواصلة بين قطاع غزة ومصر.
وادعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل "تخطط" لبناء جدار عملاق تحت الأرض على حدودها مع مصر وغزة، كإجراء احترازي ضد خطر تسلل عناصر من تنظيم داعش عبر الأنفاق، وتستخدم يديعوت مصطلح "تخطط" للإيحاء بأن القرار وليد أمس، وليس استكمالا لمشروع سابق وقد بدء، وقد تأتي هذه الصياغ في سياق أهداف سياسية موجه، سواء لفعل الالهاء، أو لنتيجة اشعال الصراع الدائر في الخليج، وهي تعلم أن وسائل إعلام كبيرة قد تستفيد بمثل هكذا خبر في حربها الإعلامية الدائرة على صفيح ساخن بعيداً عن الاحتلال نفسه.
وأوضحت الصحيفة أن "طول الجدار من المخطط أن يبلغ 3 كيلومترات مع استمرار أعمال البناء في غضون سنة ونصف السنة، فيما تقدر قيمة المشروع بــ3.4 مليار شيقل (قرابة 980 مليون دولار)".
خلاصة القول: إن مثل هكذا سقطات إعلامية للمنابر العربية، إنما لا تأتي إلا في سياقين أثنين لا ثالث لهما، إما هو فعل تعر بقصد أو دون قصد، والقصدية هنا إنما تفقد وسيلة الإعلام جزء كبيرا من إدعاء صدقيتها.