لا يعنينا من النقد إلا ما يفضي إليه من نتائج على شكل اقتراحات لخلق حلول بناءة تعالج القضايا المنوط نقدها.
ولكثرة ما تمّ توجيه النقد في كلّ مجالات العمل المؤسساتي والاجتماعي الفلسطيني، نستطيع القول:إنّ هنالك خللاً وقصورًا في كلتا جهتي المعالجة، الجهة الناقدة التي لا تضيف أي جهد عدا توصيف أجزاء من المشكلة دون أن تقدم اقتراحات لحلول مدروسة بواقعية ومهنية والطرف المقابل نجد الجهة القائمة على إدارة الموضوع المنتقد، لا تعير أيّ أهمية لمعظم الجهود التي تقدم كاقتراحات جادة لتصويب عمل الإدارة وتحسين مستوى الفاعلية لحدوده القصوى.
لا يعنيني في هذا المقال أن استعرض الواقع برؤية واسعة، وكلّ ما لدي لأشير إليه هو الدعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مرحلة نأمل فيها التجديد والتوسع في روافد العمل الوطني الفلسطيني على كلّالأصعدة.
يواجه مسرح عشتار "أول مدرسة دراما في فلسطين" (وهو ليس الوحيد في ذلك)، يواجه كمؤسسة، ضائقة مالية خانقة؛ما استدعى إدارته إلى إطلاق حملات مناشدة لدعم هذا الصرح العريق لإنعاشه وتثبيته، من باب الضرورة لإنقاذ واحد من أهم الأجهزة الفنية التي تقاوم الاحتلال، تقاوم لأنها العين، لأنها الناقل الشرعي للحقيقة، تقاوم مخرز الاحتلال من خلال لغة المسرح العالمية، فتواجه ماكينة الإعلام لدى الاحتلال، برسم خيوط الحقيقة على جسد متدربيها وتطلق صرخاتهم على مسارح العالم، وخير مثال على ذلك هو مونولوجات غزة التي تجول فيها المسرح إلى مناطق عدة في العالم لأجل نصرة الحياة على الحرب في غزة، وكذلك مونولوجات سوريا وللغرضذاته.
مسرح عشتار ليس وحيدًا في هذه الحرب، بل هو جزء من منظومة ثقافية تواجه وتتصدى وللأسف أنها تقاسمها أيضًا الأزمات ذاتهاالتي برأيي هي شكل مبطن لأساليب الاحتلال بقمع الأصوات الحرة المقاومة، وإنْ بدا أنَّ مزاجية بعض الممولين القادرين لا شأن لها في ظاهرها بما يريده الاحتلال ويسعى إليه بسحق ما يمكن له يشكل رافعة للوعي الثقافي والتنويري في فلسطين، وإبراز معالم القضية المحقة لشعب فلسطين في المسارح العالمية.
هل نحتاج لأعادة تعريف بمؤسساتنا في الداخل الفلسطيني التي تقاوم بالكلمة والجسد؟ أم نحتاج هذا الشعاع في فضاء أوسع؟!
ما الجدوى الحقيقية من مشاريع تطبيعية وقحة، تسعى للربح المادي والثراء لأفراد بعينهم أمام حقيقة أن هذه المشاريع تثبت أنياب المحتل في جسد الوطن وما بقي منه في الخريطة المهزومة؟! ومقابل هذا الطرح المحقق على الأرض نجد من يواجهه ببسالة، ويقاوم تلك الأنياب والأذناب، لكنه يقتات على جسده الذي يقاوم به لدرجة أنّه بدأ يعد أصابع الفقد وتوجه ليطلق نداء استغاثة لإنقاذ جسده هو حتى يستطيع المقاومة بأدواته الحرة.
هو نداء لكلِّ مواطن ومؤسسة وفعالية صادقة مع نفسها، ومع انتمائها للقضية العادلة ولنصرة أنفسهم، قبل أن تكون نصرة ودعمًا لمؤسسة، إن حان الوقت للمستثمر الفلسطيني أن يفكر بجدوى هذه المعركة كجزء لا يتجزأ من الحرب التي نقاوم جميعًا مخرجاتها السلبية علينا بواقع هذا الاحتلال البغيض، فالقضية هنا لا تختصر بفكرة دعم لمؤسسة، بل لفكرة المقاومة وترجمانها الحي في كلِّ واحد فينا، وفي كلّ تخصص إبداعي وثقافي ومعرفي يخوضه.