سقط وهو يتسلق أنابيب المياه الصاعدة إلى سطح المنزل في سبيل الإمساك بفراخ عصفور الدويري الذي أثّث عشه في فتحة بالحائط، فانكسرت قدمه! الأغرب من ذلك، وربما بسبب الرعب الذي حلَّ به لحظة السقوط، أنّه فقد لغته!لم يعد زياد يملك لغة سليمة، لقد فقد مقدرته على نطق مفردات الجمع، وهي ظاهرة غريبة لم يشهدها أحد من قبل، ووقف أمامها أخصائيو النطق واللغة عاجزين عن تفسير الظاهرة، ولم يستطيعوا معرفة الأسباب التي أدّت به إلى هذه الحال، أو كيفية التغلب عليها، وقالوا له: ربما تستعيد لغتك مع الأيام والتمارين.. درّب نَفسك.
لقد بدأ زياد مثل "عدّاد الرياضيات" ينطق صيغة الجمع بتكرار الكلمة ذاتها مرتين أو ثلاث مرات !تمامًا كما تعلّم الجمع في طفولته، حين أحضر له والده عدّادًا خشبيًّا مصفوفة به ثلاثة ألوان من الخرز. فإذا ما أراد قول كلمة (كراسي) مثلاً، وجدته يقول: "كرسي، كرسي" أو "قلم، قلم"، قاصدًا التعبير عن كلمة "أقلام".
في بداية الأمر، كان ذلك مستغربًا، وشعر بعض أصدقائه بالحزن عليه إلا أنّه ونظرًا لكون الأمر يخصّ زياد -وأنتم تعرفون زياد جيّدًا-سرعان ما أصبح الأمر محلاً للفكاهة والسخرية أحيانًا، وصار بعض الأصدقاء يقلّدون طريقته في الحديث، فيقولون: نحنُ صديق صديق، أو عدو عدو. منهم من وصفه ممازحًا بـِ "زياد العدّاد"، وهكذا صار زياد لا يعرف نطْق كلمة جمع واحدة، محرومًا من نطق بعض المفردات التي لا مفرد لها كالنساء والخيل وغيرها.
نعود إلى بداية الحكاية، لقد أراد زياد مفاجِأة حبيبته بهدية لافته، قرر أن يقدّم لها عصفورينِ تصطبح بزقزقاتهما فصنع قفصًا من الخيزران، وتسلّق حائط منزله بغية الإمساك بفرخينِ من فراخ الدويري .. فسقطَ أرضًا.
أما حبيبته التي تدعى "سَحاب" فقد تبخّر اسمها عن لسانه، وأمام اسمها الجديد "سحابة، سحابة" آثرت الرحيل مع أول ضحكة ساخرة أطلقتها شقيقته التي حثته على أن يناديها بـ "سحّاب" بدلاً من سحابة سحابة.يوم الأربعاء الماضي تلقى دعوة إلى لقاء عام يطرح به مجموعة من الساسة رؤيتهم حول سيناريوهات عدة للحل النهائي للقضية الفلسطينية، وبينما تحدّث المجتمعون عن غزة والضفة والأراضي المحتلة في العام ١٩٤٨ وجد الحضور أنفسهم أمام ثلاث دول في خارطة واحدة، بحكم الأمر الواقع على حدِّ قول أحدهم!!
فوقف فزعًا،أما الخطوط التي قطّعت الخارطة إلى دول ثلاث، وراح يكرر دولة، دولة، دولة في هذه الخارطة، فهاج الحضور مؤيّدين له، ويهتفون من خلفه: دولة .. دولة !!